لا يمكن القول إلا بأن فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب في الانتخابات الثامنة والخمسين التي جرت مؤخراً على منصب رئيس الولايات المتحدة، كان مفاجئاً لكل العالم، ومن ضمنه الأميركيون أنفسهم، حيث ظلت استطلاعات الرأي تشير إلى تقدم منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون بفارق مريح، إلى أن بدأت الفجوة تضيق قبل أمتار قليلة، وبالتحديد قبل أيام فقط من يوم الانتخابات.
صحيح أن إرث تداول الحكم في الولايات المتحدة، نادرا ما سجل بين طياته متتالية وجود احد الحزبين لأكثر من ولايتين في البيت الأبيض، كانت آخرها ولايتا رونالد ريغان + ولاية جورج بوش الأب، بين عامي 1980 _ 1992، حيث تفاجأ جورج بوش الأب بخسارته لانتخابات العام 1992 لصالح بيل كلينتون وهو الذي كان منتصرا لتوه في الحرب الباردة، وفي حرب الخليج، حيث أخرجت قواته بالقوة جيش صدام حسين من الكويت.
أي انه كان صعبا على المنطق الانتخابي تقبّل بقاء الحزب الديمقراطي لولاية ثالثة وربما رابعة، كذلك ربما تقبّل وجود رئيسة، بعد أن احدث التغيير بانتخاب "اسود" في الانتخابات قبل الماضية، عبر باراك اوباما، لكن مجرى السباق الانتخابي بين هيلاري وترامب، فرض منطقه الخاص، حيث بدت كلينتون من طينة الرؤساء، فيما بدا ترامب رجلا مستفزا، ومثيرا للريبة، غير مسؤول، كما لو كان "مهرجا سياسيا"، لدرجة أثارت العالم كله بمن فيهم الحلفاء التاريخيون للولايات المتحدة في الغرب الأوروبي.
وحدها روسيا تمنت فوز ترامب بالرئاسة، ولها أسبابها، منها تقدير موسكو بأن ترامب سيعيد أجواء الحرب الباردة بين البلدين، أو انه سينفر العديد من حلفاء أميركا، ما يزيد من النفوذ الدولي لروسيا، خاصة فيما يتعلق بملفات الشرق الأوسط والشرق الأدنى، وربما يتوافق الرجل مع نظيره الروسي، على هدف تفكيك الاتحاد الأوروبي، ما يتيح لكلا البلدين: روسيا والولايات المتحدة القدرة على التسلل بسهولة إلى داخل دول القارة العجوز، بما يعيد تقاسمها بينهما، كما كان الحال خلال الحرب الباردة، بدلا مما تنزع إليه أوروبا من رغبة بالتحرر والتفرد.
أما معظم العالم فكان يتمنى العكس، في عملية انتخابية في بلاد لا حكم للفرد فيها، وإن كان الرئيس يتمتع بصلاحيات كبيرة، وقد شهد العالم بأسره اهتماما كبيرا بالانتخابات الرئاسية الأميركية، كما لا يفعل عادة تجاه أية انتخابات في أي بلد آخر، نظرا _ بالطبع _ لما تتمتع به الولايات المتحدة من مكانة عالمية تؤثر على مجمل سكان الكرة الأرضية.
ما يلفت الانتباه، ليس للفلسطينيين، أو العرب وحسب، الذين ينتظرون ولاية أميركية صعبة، في ظل ترامب الذي ما زال يعلن تأييده _ عكس العالم كله _ للاستيطان الإسرائيلي في الأرض الفلسطينية المحتلة، ويعبّر عن رغبته التي تتوافق مع الأكثرية الجمهورية في الكونغرس، بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب للقدس، كذلك نيته "نهب" ثروات دول الخليج _ الحليف التاريخي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، حين قال بان تكلفة الحرب في سورية بلغت 3 تريليون دولار، على دول الخليج، التي ما زالت دولا بفضل الولايات المتحدة أن تدفعها، بل ما يلفت انتباه كل المراقبين والمتابعين لما بعد انتخابات الرئاسة الأميركية، والذين يترقبون لحظة دخول الرجل اليميني المتشدد البيت البيض، هو ما تضمنه تقرير للاستخبارات الأميركية نشر مؤخرا، ويشير بوضوح إلى ضلوع روسيا في التشويش على الانتخابات الأميركية.
الجميع يعلم ما لجأت إليه إدارة الرئيس الديمقراطي باراك أوباما منذ عام 2011 في الشرق الأوسط من استخدام لمواقع التواصل الاجتماعي في ما سمي بالربيع العربي، بهدف " دمقرطة الشرق الأوسط " بإسقاط أنظمة والإتيان بأنظمة جديدة، ومن خلال نشر تقارير ويكليكس وغيرها، ليبدو _ حسب تقرير الاستخبارات الأميركية _ بان الروس اعتمدوا على أمر مشابه، في التأثير على الانتخابات الأميركية، وذلك من خلال إستراتيجية روسية في إرسال المعلومات، تعتمد خليطا من العمليات الاستخبارية السرية، مثل النشاطات الإلكترونية لمؤسسات الحكومة الروسية، ووسائل الإعلام التي تموّلها الدولة، وأطراف ثالثة ومستخدمين مأجورين لوسائل التواصل الاجتماعي.
وحسب وكالة الأناضول فان الاستخبارات الأميركية خلصت إلى النتيجة التي مفادها أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمر شخصيا بحملة نفوذ لصالح دونالد ترامب عام 2016 موجهة للانتخابات الرئاسية الأميركية، تهدف إلى تقويض إيمان المواطنين بالعملية الانتخابية الديمقراطية الأميركية وتشويه سمعة الوزيرة كلينتون وإيذاء حظوظها الانتخابية.
هذا ما قال به تقرير أجهزة الاستخبارات الأميركية، وربما ما خفي كان أعظم، لذا يتبادر للذهن السؤال، إن كان هذا صحيحا، حول مدى النفوذ الذي بات معه بوتين وروسيا قادرين على التحكم بانتخابات الرئاسة الأميركية، ما يجعل الرئيس الروسي، الرئيس الخفي، أو مخرج مسرحية الانتخابات الأميركية الحقيقي، وبالتالي السؤال عن رد الفعل الأميريكي على كل هذا، وهل يصح بذلك التنبؤ الذي قال به أكثر من شخص من أن هناك عدة سيناريوهات لمعاجلة الورطة التي وجدت نفسها أميركا فيها بعد إعلان فوز ترامب، ومنها تنحيه وتولية نائبه مقاليد الحكم، أو اللجوء إلى حل آخر، من نمط " تحجيم " صلاحيات الرجل، أو إعادة تأهيله ليكون رئيسا حقا لأكبر دولة في العالم، مع أن تراث النظام الأميركي لم يشهد بحكم انه رئاسي، إجراء انتخابات مبكرة أو قبل موعدها، وإن كان شهد في أكثر من مناسبة تولية نائب الرئيس، بعد اغتيال الرئيس _ كما حدث مع جون كيندي عام 1963 وتولي نائبه ليندون جونسون الرئاسة، أو تنحية ريتشارد نيكسون خلال ولايته الثانية بعد فضيحة ووترغيت وتولي نائبه جيرالد فورد مقاليد البيت الأبيض.
البيت الأبيض يرفض تصريحات للكرملين تتعلق بدعم أوكرانيا
02 أكتوبر 2023