ماذا لو قرر (ترامب) نقل السفارة ؟

thumbgen (34)
حجم الخط
 

 تسير السياسة الفلسطينية على وقع النجاح الذي تحقق بالقرار الأممي 2334 وعلى وقع نتائج مؤتمر حركة فتح السابع أواخر العام 2016 التي جاءت في مصلحة خط السلطة من حيث تفعيل العمل الدبلوماسي والقانوني والسياسي كأولوية، لذا فإن ترتيبات المجلس الوطني الفلسطيني تأتي في إطار (نصر) أو (انجاز) من المهم استثماره داخليا لاسيما والضعف الذي تعانيه فصائل العمل الوطني والإسلامي والتي تحتاج للم الشمل ووحدة الكلمة.

ورغم أن التعويل على مؤتمر باريس من التصريحات الفلسطينية يبدو قليلا وبعيدا عن التفاؤل بإحداث اختراق لأنه يرتبط بالرفض الاسرائيلي المسبق (وربما الأمريكي لاحقا) لنتائجه، لذا يردد القادة الفلسطينيون الطلب من فرنسا الاعتراف بدولة فلسطين كرد على الرفض الاسرائيلي المنتظر والذي قد يتعانق مع نقل السفارة الامريكية للقدس بما يعنيه ذلك من اعتراف بأنها عاصمة (لإسرائيل) وبما يعنيه من قتل لعملية السلام، وبما يعنيه من اعتراف بكل عمليات تهويد القدس الجارية على قدم وساق، وبما يعنيه من التحدي ليس أمام الفلسطينيين فقط وإنما امام العرب والمسلمين والمسيحيين في العالم .

من المفترض والأمر هكذا أن يتم التحوّط للمسألة منذ الآن ومقاومتها، فالأيام التي تفصلنا عن الحدث (تنصيب الرئيس الأمريكي الجديد غامض السياسات) قليلة، والتحرك الكبير أفضل من صمت أو تراخي قطعا، وقد لا يكفي توجيه رسائل للرئيس الامريكي القادم من كافة الدول العربية والاسلامية تحذره من مغبة مثل خطوة نقل السفارة الأمريكية للقدس، وإنما يجب أن تشتمل مثل هذه الرسائل على منحى اقتصادي واضح، حيث ان الضرر الذي سيصيب القدس والأقصى هو ضرر للسلام من جهة وضرر للمصالح المفتوحة بين الامريكان والعالم العربي والإسلامي، حيث لا يجب أن يكون ثمن تهديد الاقصى نتيجة نقل السفارة قليلا، وإنما من المتوجب أن يكون باهظا .

إننا بمواجهة هدف و خطتين أمام صاحب القرار الأولى أن يكون فيها الهدف واضحا بمنع توجه أو اتخاذ قرار بنقل السفارة على فرضية أن هناك احتمال آخر لعدم النقل، والفرضية الثانية هي ماذا لو تم نقل السفارة ؟

الخطتان يجب أن تكونا معا على طاولة القيادة السياسية الفلسطينية وإلا فهي لا تمتلك الوضوح ولا تمتلك الرؤيا ، وتتعامل فقط مع ردات فعل أو ضمن مسار تثبيت الأمر الواقع والحفاظ على منطق البقاء للأشخاص على حساب القضية.

إن "المستوى المنخفض" من المواجهة أو من ردود الأفعال على (احتمالية) نقل السفارة يجب ألا يكون بمعنى مظاهرة هنا وتظاهرة هناك واستجماع شتات الاعلاميين المتوزعين على وسم أو وسوم (هاشتاغات) ترجو الأمة أن تنقذ القدس، فالأمة الغارقة في حالة من الفوضى والطائفية والتشتت لن تلتفت للأقصى ولا لفلسطين إن لم يكن من حراك فلسطيني عارم ومقاوم على مستوى الحدث.

الأمة بأحزابها ومؤسساتها وأطرها الرسمية لن ترى القدس بعينين اثنتين ما دامت ترى بالخطر الايراني أولا (وفقط)، وكما تصور لها دوائر القرار الاسرائيلية أيضا، وما دامت ترى بمصالحها الاقتصادية مع الامريكان (وحتى مع الاسرائيليين حديثا) غير قابلة للمس!

لذلك فإن أي تحريض للأمة وتعبئة لها جماهيريا ومؤسسيا ورسميا باتجاه القدس لا يكفيها ضجيج اعلامي ووسوم وحرب الفيسبوك وتويتر وإنما يجب أن يربط فيها ما قد يغيب عن البال مثل: تحقيق المصالحة الوطنية أولا، وترميم العلاقات العربية المتفتتة ثانيا، والاتجاه نحو هبّة أو غضبة أو انتفاضة أو مقاومة غير موسمية أو استعراضية أو مؤقتة، وإنما تلك التي تمثل منهج حياة لكادرات المجتمع كلها بما فيها موظفي السلطة وحينها لربما تنتبه الأمة للخطر.

إن "المستوى المنخفض" من المعارك السياسية والميدانية أو ردات الفعل لن يراها الآخرون إلا في إطار الحرب الفيسبوكية المريحة ، فعدد من التظاهرات هنا وهناك لن تغني ولن تسمن من جوع، والذي يغني ويُسمع ويصرخ هو الطوفان البشري المقاوم عبر "مستوى عالي" من الحراك، فلا ندفن رؤؤسنا بالرمال ونتخلى عن عوامل قوتنا في ذاتنا والتي باستثارتها ننتزع من الأمة التفاتا ودعما لقطار الثورة والقضية، وإلا فإن نقل السفارة الامريكية للقدس إن حصل -أو ما قد يشابهه من خطوات- لن يكتمل إلا بهدم المسجد الاقصى استكمالا للسيطرة المطلقة على الضفة، وهو احتمال يجب أن يؤخذ أيضا بالحسبان وإلا ظللنا قيادة تقتات على حشائش الأحداث.