رغم أن البعض يظن بأن جلسة جديدة للمجلس الوطني يمكن أن تنعقد قريباً، كما حدث مع مؤتمر حركة "فتح" السابع، إلا أننا نعتقد غير ذلك، فأن يعقد المجلس الوطني جلسته المرتقبة - قريباً - فهذا يعني بأنه سيعقدها وفق تشكيلته الحالية، والتي لن تعني بأن م.ت.ف قد نجحت فيما أخفقت فيه السلطة الفلسطينية طوال عشر سنوات مضت، ونقصد بكل وضوح، التوصل إلى توافق وطني بإنهاء فوري للانقسام السياسي والجغرافي القائم بين جناحي الوطن، وبين أكبر فصيلين سياسيين فيه.
ورغم الأجواء الإيجابية التي سادت انعقاد الجلسة الأولى للجنة التحضيرية في العاصمة اللبنانية، قبل يومين، إلا أن البيان الختامي الذي أكد ضرورة أن ينعقد المجلس الوطني وفق اتفاق القاهرة 2005 واتفاق المصالحة 2011، أي التحضير لمجلس وطني جديد، يتشكل بعد إجراء انتخابات وطنية حيث يمكن في داخل وخارج فلسطين، حتى يمكن لكل القوى الوطنية والإسلامية المشاركة في تلك الانتخابات، يعني بأنه تم السير على طريق تجاوز صيغة الكوتات الفصائلية التي كان معمولاً بها طوال السنين الماضية.
إجراء مثل تلك الانتخابات، أي تحديد أعضاء المجلس الوطني الجديد، حتى يعقد جلسته، يجتاح إلى وقت وجهد ومتابعة، وذلك يعني بكل بساطة أن الواقع الحالي سيبقى قائماً _ وبالتوافق _ مدة قد تزيد على سنة أو أكثر، أو حتى لا نبدو متشائمين، ستحتاج شهوراً حتى يمكن التوصل إلى صيغة يتوافق الجميع عليها لاختيار أعضاء المجلس الوطني الجديد وعددهم، ومن ثم الاتفاق على مكان انعقاد المجلس، حيث يمكن ترجيح الرغبة بانعقاده خارج فلسطين، وذلك بالضد من رغبة قيادة السلطة والقيادة الحالية لـ م.ت.ف، والتي ترغب في عقده برام الله، كما حدث مع مؤتمر حركة "فتح".
هناك بالطبع فصائل غير "فتح" لا تعارض عقد المجلس الوطني، إن كان بصيغته أو عضويته الحالية، وفي رام الله، لكن هناك قوى مهمة، بل ومقررة في إظهار صورة أن انعقاد المجلس الوطني سيكون بمثابة مناسبة لتوحيد القوى، وفتح الباب على إنهاء الانقسام، أو العكس، وبالتحديد نقصد "حماس"، الجهاد الإسلامي والجبهتين الشعبية والديمقراطية، حيث يعرف الجميع أن عقد المجلس الوطني برام الله تحديداً، يعني أن يمر جميع الأعضاء على الحاجز الإسرائيلي، ما يجعل منه مجلساً أقرب ما يكون لمجلس السلطة، وليس المنظمة، وبالطبع من الصعب الاتفاق على هذا الأمر.
هناك مخرج وحل، وهو أن يتم الاتفاق على عقد دورة المجلس الوطني الجديدة، بعد تسمية أعضاء المجلس، في مدينة غزة، حيث مجرد انعقاد الجلسة فيها سيعني إعلان إنهاء الانقسام، لكن أيضاً من المبكر قول هذا، نظراً لما قد أسلفناه، من أن تسمية أعضاء المجلس الجديد تحتاج وقتاً قد تحدث خلاله متغيرات، تجعل من "حلم" انعقاد المجلس نفسه أمراً غير قابل للتحقق.
لقد تحولت بذلك _ برأينا _ اللجنة التحضيرية لعقد المجلس الوطني، إلى إطار وطني عام يحتوي ملف إنهاء الانقسام، بتعليق الأمل الفلسطيني عليها، كما كان يحدث من قبل في اجتماعات القاهرة قبل عشر سنوات، أو تالياً في دمشق ثم الدوحة، لذا فإن ما يحدث داخل فلسطين برأينا هو الأهم والأجدى.
داخل فلسطين هناك مواجهة ملتهبة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، داخل القدس وحولها، وداخل الضفة الغربية، وفي باريس ونيويورك وربما في موسكو لاحقاً، وحيث إن واشنطن ستكون بعد أيام قليلة أكثر انحيازاً وسفوراً لإسرائيل، فإن الإبقاء على الواقع الداخلي الفلسطيني كما هو يعتبر بمثابة انتحار ذاتي، أي لا بد من فعل ما، يكون على محورين: الأول هو التوحد الداخلي بأي شكل وأي صيغة، تقوي من الوضع داخل قطاع غزة، وداخل الضفة الغربية، والثاني هو تفعيل المواجهة مع إسرائيل وعدم الاكتفاء بالمواجهة السياسية / الدبلوماسية، إن كانت في باريس أو نيويورك أو موسكو.
لا بد لمن يطالب بإعلان فعلي وعلني بإلغاء أوسلو أو سحب الاعتراف بإسرائيل الذي جاء ضمن الرسائل المتبادلة بين م.ت.ف وحكومة إسرائيل عشية أوسلو، أن يتعلم الدرس من مفاوضات جرت خلال عشرين عاماً، ومفادها بأنه لا يجب الاكتفاء بالتفاوض وحده أو المقاومة وحدها، بل السير على طريق الدرس الفيتنامي الناجح قبل عقود مع الأميركيين، أي التفاوض والتحرك السياسي الدولي مع الضغط الميداني على الاحتلال، كما حدث في جنوب لبنان أيضاً منذ العام 1982 _ 2000.
على الفلسطينيين تجاوز المظهر الخارجي أو الوقوف عند شكليات المصالحة أو إنهاء الانقسام، فحتى في ظل وجود سلطتين في الضفة الغربية وقطاع غزة، الأفضل هو التوحد داخل القدس والضفة في مواجهة الاحتلال، من خلال الاتفاق على تشكيل جبهة ميدانية موحدة وبرنامج مواجهة، إضافة للمظاهرات العارمة والمتواصلة المنددة بالاستيطان وضد القتل الميداني الذي يمارسه الاحتلال، كذلك ضد الاستمرار في حصار غزة ومعاقبتها جماعياً من قبل إسرائيل.
وحدة ميدانية ضد الاحتلال وفي مواجهته، حتى لو بقي الانقسام قائماً بشكل فعلي أو رسمي، هي خير من وحدة رسمية أو على مستوى النخبة مع انعدامها ميدانياً، ولعل في نموذج الحركة الأسيرة خير دليل على ما نذهب إليه، المهم أن ندق جميعاً، معاً وسوياً، جدران خزان الاحتلال.
-