إسرائيل بين أوباما وترامب

_92396123_2_trump2_reu
حجم الخط

لا يمكن إلا الالتفات الى المجتمع الأميركي الذي انتخب قبل ثماني سنوات الرئيس براك اوباما، الرئيس الافروأميركي الاول للولايات المتحدة. الشعور بالاهانة والاعتداءات في شوارع نيويورك، حيث تواجدتُ هناك عند الاحتفال بدخوله المنصب، شكل تعبيرا عن التغيير الذي يمر به هذا المجتمع. وايضا الفرح الصادق لدى الكثيرين.
دخل الرئيس الجديد منصبه مع مواقف صلبة جدا في شؤون العالم. وحسب رأيه، جزء كبير من مشكلات الولايات المتحدة في المجتمع الدولي ينبع من سلوكها الذي يظهر قوتها وقدرتها على فرض مواقفها.
اعتقد الرئيس أن الولايات المتحدة تفشل في ارجاء العالم؛ لأنها لا تمد يدها للاعداء الذين يمكن أن تكون العلاقة معهم أفضل اذا وجدوا في الطرف الأميركي اليد الممدودة بدل القبضة التي تضرب.
لذلك سافر مثلا الى الشرق الاوسط، وألقى في القاهرة خطابات حاول من خلالها التحدث مع الشعب. لقد اعتقد أنه سيفتح قلبه وسيرد بالعملة ذاتها. هذا كان منطق سلوكه ايضا في سورية.
في نهاية ولايته يصعب القول إن العالم تعامل معه بالمثل. لم تتحول أي منطقة الى وضع افضل، أكثر ديمقراطية وانفتاحا، أو تعترف بجميل الولايات المتحدة، بل العكس هو الصحيح؛ خاصة في الشرق الاوسط وفي اماكن اخرى في العالم.


خلافات وصعوبات

بالنسبة لاسرائيل، في نهاية حقبة استمرت ثماني سنوات لنظام اوباما، الصورة معقدة. لا شك أن اسرائيل تتفهم مصالحها الامنية، حيث هبطت طائرتا أف 35 في اسرائيل، الامر الذي يعبر عن فهم الادارة الأميركية بأن على دولة اليهود الحفاظ على تفوقها العسكري.
إن توقيع اتفاق المساعدات الأميركية الاكبر مع اسرائيل من اجل تمكنها من شراء السلاح الأميركي في السنوات العشر القادمة يعكس الالتزام الأميركي بأمن اسرائيل في السنوات القادمة.
ويمكّن الاتفاق اسرائيل من الدفاع عن نفسها بنفسها، حيث تساهم الولايات المتحدة بذلك من اموال دافع الضرائب لديها. العلاقة بين الاجهزة الاستخبارية والعسكرية ممتازة، وفي دولة مركزية مثل الولايات المتحدة، هذا غير ممكن بدون توجيه من البيت الابيض. ايضا على المستوى الدولي حصلت اسرائيل على مساعدة أميركية حيوية أكثر من مرة.
وعلى الرغم من ذلك، هناك اربعة مواضيع مهمة هي مثار خلاف بين الادارة المغادرة وبين الحكومة الاسرائيلية: في العام 2010 لم تف الادارة الأميركية بتعهداتها لاسرائيل وخضعت لمطالب العرب في موضوع الرقابة على السلاح النووي الذي قيل إنه موجود في اسرائيل، وهذا في اطار جهود الولايات المتحدة للابقاء على الاجماع في المؤتمر الذي سينعقد في فيينا حول اتفاق منع نشر السلاح النووي.
لم يعترف الأميركيون بشكل صريح أنهم لم يفوا بالوعد الذي تعهدوا به. وعرفوا أن الامر يُنظر إليه هكذا في اسرائيل وفي العالم، واذا حاكمنا التقارير التي صدرت بهذا الشأن، فيبدو أن ادعاءات اسرائيل كانت على حق.

في سياق الطريق عملت الولايات المتحدة على مساعدة اسرائيل من اجل التغلب على الصعوبات التي ترتبت على ذلك الخطأ، لكن "الشرخ" الذي تسبب به الاخلال الفظ بالوعد بقي في الوعي، حتى لو كان التأثير ضعيفا مع مرور الوقت.
الموضوع الثاني أكثر صعوبة: لقد حولت الادارة التاركة موضوع البناء في المستوطنات الى الموضوع الاهم في السياق الفلسطيني، بل الى هستيريا حقيقية، وكأن كل شيء يتوقف على هذا الامر. وفي الوقت ذاته كانت الادارة حذرة من استخدام الضغط على أبو مازن حتى عندما تملص من الاجابة على اقتراحات الولايات المتحدة لاستئناف المفاوضات.
كانت نظرة الادارة التاركة هي أن أبو مازن ضعيف، ومن المحظور استخدام الضغط عليه، في الوقت الذي اعتبرت فيه البناء الاسرائيلي، سواء في المستوطنات أو في القدس، بمثابة عقبة أمام المفاوضات. لذلك خسرت الادارة فرصة تاريخية لتقدم المفاوضات، في الوقت الذي كانت فيه حكومة اسرائيل على استعداد لذلك أكثر من أي وقت مضى، تحت حكم "الليكود".
عدم التوازن في ردود الادارة كان بارزا الى درجة فقدان نجاعة الاستنكار الأميركي الذي اعتبر أحادي الجانب وغير عادل وغير حكيم حسب رأي الكثير من سكان اسرائيل وفي اماكن معينة في العالم. وبالقدر ذاته الذي تحدثت فيه الادارة عن المستوطنات، قامت بوضع أبو مازن على شجرة عالية، الامر الذي سيجعل من الصعب جدا مجيئه الى المفاوضات في المستقبل.
قرار مجلس الامن، الذي تم اتخاذه في الشهر الماضي، زاد خطر الوضع، وسيمنع كما يبدو فرصة المفاوضات بين الاطراف، وكأن الرئيس التارك قرر تشويش عمل الرئيس الجديد، ايضا على حساب الامر الذي أراد التقدم فيه.
إن هذا القرار غير مفيد من وجهة نظر من يرغبون في اجراء المفاوضات. بل هو "انتقام" سيتم تذكره كنقطة متدنية لادارة زعمت أنها تدرك الامور وتقوم بفحصها بشكل جيد.
يبدو أن خطاب وزير الخارجية كيري، الذي تحدث بشكل مطول عن المستوطنات على خلفية الشرق الاوسط المشتعل والنازف، زاد من الشعور بأن الحديث يدور عن هستيريا وفقدان الاطار بشكل يغطي على العقل.

يصم الآذان

الموضوع الثالث الذي ظهر فيه خلاف شديد بين الادارة وبين حكومة اسرائيل هو موضوع ايران. وكانت ذروة الخلافات هي خطاب رئيس الحكومة نتنياهو في الكونغرس، الذي اعتبر خطوة غير مهذبة تضر بالرئيس في بيته. إلا أن من اختار الصراع في هذا الامر هو الادارة. وخلافا لما هو سائد بين الحلفاء، فقد قرر البيت الابيض وعن وعي خداع اسرائيل واخفاء حقيقة أنه يجري المفاوضات مع ايران من خلف ظهرها. كل ذلك في الوقت الذي كانت فيه الدولتان تمران في عملية مكثفة من المحادثات حول هذا الموضوع بالتحديد، المتعلق بمبدأ وجود دولة اسرائيل.
إن هذا الأمر مزعج بشكل خاص لأنه شمل تغييرا دراماتيكيا في سياسة الولايات المتحدة، ونتيجة ذلك توصلت الادارة الى اتفاق سيئ. ولكن من يعتقد أن الاتفاق جيد، سيجد صعوبة في تبرير المساق المتلوي الذي سارت فيه الادارة للتوصل الى اتفاق، حيث إن جزءا من الخبراء في الادارة نفسها، اعتقدوا أنه ليس من الصحيح اخفاء الامر عن اسرائيل أو خداعها.
فقدت الولايات المتحدة ثقة اسرائيل بها. والادعاء الأميركي بأن ذلك تم بسبب الخشية من تسريبه من قبل اسرائيل ليس منطقيا، لأنه لم يتسرب أي شيء في النقاش بين الدولتين قبل أن يتم الانحراف الأميركي.
الوضع الجديد الذي أوجدته الادارة أجبر رئيس الحكومة الاسرائيلي على طرح موقف اسرائيل بشكل أكثر وضوحا ودقة – خصوصا في أذن الشعب الأميركي الذي هو الصديق الاهم لإسرائيل.
خلافا للماضي فإن وجود دولة اسرائيل يتطلب الحديث عن الامور المهمة للشعب اليهودي حول الاشياء التي تخص مصيره، ومن الجيد فعل ذلك بالشكل الحاسم وفي الاماكن البارزة والاكثر تأثيرا، وكما قال وزير الخارجية: يجب على الاصدقاء قول الحقيقة لبعضهم.
كان يجب على رئيس الحكومة أن يأخذ في الحسبان أن الاتفاق السيئ، الذي تم التوقيع عليه، قد يجعل إسرائيل في المستقبل تستخدم قوتها من اجل منع ايران من انتاج السلاح النووي العسكري. وكان يجب عليه وضع الاساس الاخلاقي الذي سيعطي في المستقبل الشرعية لهذه الخطوة الاستثنائية.
تنبع هذه الحاجة من التغيير الدراماتيكي في سياسة الادارة الأميركية التي تحولت من سياسة تفكيك القدرة النووية، الى سياسة تأجيل الحصول على القدرة النووية لـ 15 سنة أو أكثر. في الوقت الذي تستطيع فيه ايران الاستمرار في تطوير الصواريخ، والجيل القادم من اجهزة الطرد المركزي، بدون ازعاج.
الموضوع الرابع الذي نشأ فيه خلاف بين الادارة وبين حكومة اسرائيل هو الفوضى في الشرق الاوسط. وقد ظهر الامر في تعاطي الولايات المتحدة مع مصر، حيث أعطت الولايات المتحدة الاولوية الواضحة لـ "الاخوان المسلمين" على اعتبار أنهم ممثلون شرعيون، ولم تؤيد الجيش والانقلاب الذي قام به.
كانت اسرائيل تفضل مصر بدون سيطرة الايديولوجيا الراديكالية لـ "الاخوان المسلمين" حتى لو كان البديل برئاسة السيسي يسيطر على مصر بيد قوية. عدم وجود توافق على اخطار الاسلام السياسي كان في جوهر الخلاف بين الدولتين.
الموقف الأميركي هو موقف ايديولوجي، في اساسه رفض الاعتراف بوجود مشكلة لدى الاسلام وأن الاسلام الراديكالي يشكل أحد وجوه الاسلام المهمة. لذلك فان تعبير "الارهاب الاسلامي" مُحي من القاموس السياسي في واشنطن اثناء ولاية الرئيس التارك.

يجب وقف ايران

من الواضح انه سيكون اسهل لاسرائيل التعامل مع الادارة الجديدة في موضوع ايران وموضوع المستوطنات.
اشخاص كثيرون ممن يحيطون بالرئيس الجديد يعرفون أنه ليس بسبب البناء في المستوطنات يمتنع أبو مازن عن استئناف المفاوضات مع اسرائيل. لذلك لا حاجة الى التخاصم حول موضوع لا أهمية له، وأنه بدل ذلك يجب تركيز الجهود على الخطوات التي ستؤدي الى المفاوضات، هذا اذا كان الامر ممكنا أصلا.
حسب رأيهم، على أبو مازن ايضا أن يفعل لا أن يتحدث فقط، بدءا بعدم دعم عائلات "القتلة" وحتى الغاء التحريض الذي تقوم به السلطة وتحت رعايتها. وفي هذا السياق من المهم أن يقوم الرئيس الأميركي الجديد بالايفاء بوعده نقل السفارة الأميركية الى القدس. هذه ستكون اشارة واضحة الى الالتزام باسرائيل والاعتراف بالقدس الغربية على الاقل كعاصمة لها. بعد الخطوة التي قامت بها الادارة المغادرة في الامم المتحدة وخطاب كيري حول المستوطنات، يجب اتخاذ قرار نقل السفارة الى عاصمة اسرائيل.
في موضوع ايران يبدو أن موقف الكثيرين في الادارة الجديدة المنتخبة هو أن الاتفاق سيئ للولايات المتحدة بالقدر الذي هو سيئ فيه بالنسبة لاسرائيل. لذلك يتوقع أن تعمل الادارة في ثلاثة اتجاهات: استنفاد ما يمكن عمله خارج اطار الاتفاق (عقوبات ضد تطوير الصواريخ في ايران واستمرار رعايتها للارهاب).
من اجل مستقبل علاقة الدولتين، ليست اسرائيل هي التي يجب عليها المبادرة الى الغاء الاتفاق السيئ الذي تعهد به الرئيس التارك، بل المطلوب هو خطوة تنبع من اعتبارات الولايات المتحدة، وهي متوفرة.
ايران الآن هي القوة الاكثر نجاعة في الشرق الاوسط، وتعمل بشكل دائم من اجل السيطرة على الخط بين طهران وبغداد، ومن هناك الى سورية ولبنان. واذا لم يتم وقفها فان الشرق الاوسط العربي في شرق البحر المتوسط سيكون خاضعا لتأثير ايران، بهذا الشكل أو ذاك.
سيكون هذا الامر تغييرا تاريخيا يضر بحلفاء الولايات المتحدة ويدفع الكثير من السنة الى الاذرع المتطرفة أمثال "داعش". وفي هذا الموضوع ايضا سيكون هناك دور مركزي للتعاون بين اسرائيل والولايات المتحدة، حيث يجب ضم الدول العربية السنية التي تبحث عن دعامة مستقرة في المنطقة. هكذا سيمكن التوصل الى عملية أكبر تسمح بادخال الفلسطينيين الى المفاوضات تحت مظلة واسعة.