إنفاذ القانون منقذ للنقاش حول مكانة السكران

صلاح هنية
حجم الخط

انشغلت رام الله الأسبوع الماضي بملصق ثبت على بعض الجدران في المدينة محتواه الآثار السلبية للكحول على رام الله وسمعتها ونضالها، وبات النقاش دائرا حول أحقية من ثبت الملصق بتثبيته وهل هو حقيقي أم انه مزور، وبات النقاش يتمحور حول قضايا التعصب، ووصل النقاش مواقع التواصل الاجتماعي وأخذ أبعادا ليست محمودة، وبات من يناقش من باب التعصب وكأنه مؤيد لانتشار الكحول دون رادع، ومن بات يناقش من باب مكانة رام الله نضالا وتاريخا ومن باب الضوابط ومنع الاعتداء على حرية الآخر في الأحياء السكنية وكأنه نصير التعصب ونصير الانغلاق.
مفتاح الحديث والذي يجمع عليه المدركون لابعاد أي مسألة ان سيادة القانون وإنفاذ القانون بحزم وإصدار تعليمات واضحة وصريحة سيبعد عن رام الله وبقية الوطن السوء، لا يعقل ان تظل حالة السرعة الفائقة في السيارات في أحياء المدينة وما يسمى "التفحيط" و"التخميس" سائدة ولدى العقلاء هي مرتبطة ارتباطا وثيقا بأن أيا كان بغض النظر عن عمره يستطيع ابتياع الكحول ومن ثم يقود سيارة ومن ثم يلقي بالعبوات من نافذة السيارة، وهنا تقع الإشكالية، هل من حقي كمواطن في المدينة ان أسير في أي مكان بأمان من خطر حادث سير من شخص يقود سيارته بتهور، هل من حق تلك الأسرة ان تدرأ عن نفسها مظاهر الإزعاج، التي بات الإجماع الواعي يربطها بشرب الكحول دون رادع وفقط من اجل الشرب.
مفتاح النقاش أننا كنا على مستوى الوطن عموما وفي رام الله خصوصا ننبذ فلانا لأنه سكير يتمايل في الطريق ويرتمي على الرصيف، إلا يتذكر أبناء جيلنا والأكبر من جيلنا كيف كانت تنبذ تلك الظاهرة وتربط ببعد وطني، ألم تُكتب نصوص مسرحية وتؤدى على المسرح من قبل مؤسسات فنية وثقافية وكشفية تشخص حالة السكير وتربطه بالبعد الوطني مباشرة، وكانت تلك من الواقع وأداء المؤسسات ضد هذه الحالة يوم كانت الثقافة والفن بأشكاله تعبيرا عن الواقع ويسعى لتغيره عبر رفع درجة الوعي.
واذكر في العام 1994 انه فتح نقاش حول هذا الموضوع حتى ان تربويا يحمل درجة الدكتوراه في التربية، ناقش مسؤولا امنيا عن أسباب عدم اتباع نموذج أوروبا والولايات المتحدة الأميركية بعدم بيع الكحول لمن هم دون 21 عاما والسجائر والأراجيل لمن هم دون 18 عاما، وجاء بأدلة واضحة صريحة حول إمكانية بيع الكحول لمن هم اقل من ذلك سواء في المتجر او في المطعم وهذه حالة متناقضة مع تقاليد بقية العالم.
وفي العام 2007 شكلت اللجنة الوطنية لمكافحة التدخين في فلسطين تحت شعار "فلسطين خالية من التدخين" برئاسة وزارة الصحة وشاركنا عبر ممثلنا في جمعية حماية المستهلك إلا أن شيئا لم يحدث على صعيد إنفاذ القانون في هذا الجانب لمن يخالف، وثبتت ملصقات على أبواب المتاجر والمقاهي تحمل المسؤولية القانونية له اذا باع سجائر او أراجيل لمن هم اقل من 18 عاما، إلا ان إنفاذا للقانون لم يقع، ونرى ان هناك من يرتادون المقاهي اقل من هذا العمر وعندها يقال: دعوا عائلاتهم تؤدبهم "احنا بدنا نبيع".
وحال الكحول ليس بعيدا لأن القانون لم ينفذ والتعليمات بخصوص مواعيد إغلاق المطاعم والمقاهي لم تتابع وتفاقمت الأمور حتى بتنا نشهد بداية ظاهرة ليس فقط في رام الله بل في الوطن تزعج السكان والأحياء والسبب مرتبط بالكحول أساسا.
وحتى اكون أوضح، فقد بالغ البعض بالنقاش، فالموضوع سلوكي بالأساس وعلاجه بإنفاذ القانون وتعديل السلوك وذو أبعاد تربوية، وليس مرتبطا بجنس او لون او عرق او دين.
الحل باختصار إعادة الاعتبار لدور ومكانة المؤسسات الشبابية والثقافية والفنية والتطوعية. يجب فورا بدلا من ترحيل القضية الى نقاش مجتمعي يتفنن فيه من شاء ان يتفنن، وهناك عشرات ممن يعانون وظيفيا وفي تنظيماتهم السياسية وفي حياتهم العائلية سيخوضون النقاش ويحملون الأمور ما لا تحتمل تارة من خلال باب محاربة التعصب ومن باب الحريات الشخصية بالتالي فإن الشرطة ولها منا كل الاحترام، والقضاء أيضا يجب ان يتشددا في هذا المجال كما يحدث في بقية العالم، حتى لا يتحول هذا الأمر الى نقاش تُفصل له أياد وارجل ويطول ويطول وتصبح آثاره الجانبية معقدة والأسهل إنفاذ القانون.