بدأت هذه الحرب مبكراً، من بين ١٧ قراراً اتخذها الرئيس دونالد ترامب خلال اليومين الأولين من ولايته، كانت هناك 4 قرارات تجارية تتعلق باقتصاد العالم والدور الأميركي فيه، وبينما كانت إحدى الأوراق التي تم تقديمها لترامب من قبل طاقمه الاقتصادي تشير الى ان الوقت اللازم للإعلان عن الحرب التجارية بين أميركا ومختلف القوى والاتفاقات الدولية الاقتصادية، هو حوالى ٢٠٠ يوم من حكم ترامب، إلا أن منح أولوية واضحة لبدء هذه الحرب بشكل مبكر، يجعل من نهاية هذه الحرب لصالح أميركا، كما يعتقد ويقرر ترامب، اقرب من ذلك بكثير.
العنوان الأهم في هذه الحرب، هو الصين، وتم التركيز عليها من خلال ثلاثة مناصب أقرها ترامب لتلعب الدور الأساسي في تنفيذ سياسته «الحربية» هذه، رئيس المجلس الوطني للتجارة في البيت الأبيض بيتر نافارو، ويطلق عليه «قيصر التجارة» أكاديمي مناهض للصين، وواضع الخطط الهجومية في هذه الحرب وهو مرشح ترامب لتولي منصب وزير التجارة، والثاني هو ويلبور روس، ملياردير ايضاً، ويحمل آراء قومية متعصبة تجاه الصين، ويطلق عليه اكبر محتال تجاري على الصعيد الدولي، اما الثالث فهو روبرت لاتيزر، وهو الوحيد من بين الثلاثة الذي سبق وان عمل في السلك الحكومي الإداري، وكانت له وجهات نظر تنم عن قومية متطرفة رافضاً كل أشكال الاتفاقيات الدولية بين الولايات المتحدة والتكتلات الاقتصادية العالمية، وخبير في أمن استخبارات الاقتصاد!
في الحرب التجارية على الصين، فإن ادارة ترامب، تعصف بحليفها في جنوب شرق آسيا اليابان، وحلفاء اقل شأناً في تلك المنطقة التي كانت تشكل تكتلاً اقتصاديا كبيراً تقوده الولايات المتحدة عبر «اتفاقية الشراكة عبر الباسفيك» وهي الاتفاقية التي قرر ترامب في احد قراراته الـ ١٧ المشار اليها، الانسحاب منها، ما يعني عدم قيام هذه الاتفاقية من الأصل، حيث ان مفعولها يبدأ خلال اشهر قليلة، وبانسحاب اي من اعضائها، تصبح الاتفاقية في خبر كان، اليابان المتضرر الأساسي من غياب هذه الاتفاقية، أشارت مباشرة بعد قرار ترامب هذا، الى انها ستسعى الى إعادة المشاورات لتشكيل جديد للاتفاقية، وأنها ستبدأ الحوار مع الصين لاستبدال الولايات المتحدة، ومن حيث لا يدري ترامب فإن استبدال الصين كقيادة تجارية لمثل هذه الاتفاقية، يعني تراجع «التوتر» القائم بين الصين واليابان اثر الخلاف حول ملكية الجزر بين البلدين، لصالح الصين، التي ستستخدم مسألة الحدود كعنصر ضاغط على اليابان للقبول بالمشاركة في اي اتفاق جديد!! ومن الناحية السياسية، فإن ذلك يشكل غيابا للتوتر الذي كان يسهم في تقوية النفوذ العسكري الأميركي في تلك المنطقة من العالم!؟
تستبدل إدارة ترامب الاتفاقيات التجارية والاقتصادية الدولية بعد الانفضاض عنها، باتفاقيات ثنائية مع دول مختارة، الاتفاقيات الدولية هي شكل من أشكال العولمة الاقتصادية، وهو شكل مرفوض قطعيا في إطار العودة الأميركية الى الداخل الأميركي، فالاتفاقيات الدولية، بما فيها منظمة التجارة الدولية، شكلت خيراً كبيراً على المستثمرين الكبار، الأمر الذي أدى، من وجهة نظر ترامب وفريقه، الى إفقار الطبقة الوسطى والعمال الأميركيين، اذ إن المستثمرين يبحثون عن مناطق يقيمون بها صناعاتهم بحثا عن الأيدي العاملة الرخيصة من جهة، وفي حال قاموا بإنشاء صناعات ومؤسسات تجارية داخل الولايات المتحدة، فإنهم يشغلون العمال المهاجرين كايدٍ عاملة رخيصة على حساب العمال الأميركيين، وهذا احد أهم العوامل التي جعلت ترامب يشن هجوما كاسحا على الهجرة!!
ومن وجهة نظر ترامب وفريقه، فإن قيادة الولايات المتحدة لهذه التجمعات والمعاهدات والاتفاقيات التجارية الدولية، يعني انها تعطي الكثير من دون ان يعود لها الا القليل، ودورها يتجلى في الاستفادة سياسياً، الأمر الذي يتطلب المزيد من الإنفاق عسكرياً، بينما تستمر الصين في الغزو التجاري لكل العالم بما فيه الولايات المتحدة، هذه الأخيرة فشلت في أسهل الأمور اثناء تعاملها مع الصين، خاصة في سباقين أساسيين، العملة الصينية مقابل الدولار، الأمر الذي سهل للصين الاستفادة من التوازن التجاري مع أميركا والعالم، لصالحها، والثاني يتعلق بقدرة الولايات المتحدة على وضع آليات تتحكم ببعض الصناعات «المستنسخة» والتي برعت بها الصين، وشكلت بديلاً للصناعات الأميركية والأوروبية، ناهيك عن اتفاقيات أدت الى تراجع قدرة الولايات المتحدة على فرض ضرائب كافية على المستوردات من معظم الدول، بما فيها الصين.
النظرية التي ينطلق منها ترامب في ميدان «الحرب التجارية» تنطلق من شعاره «أميركا اولاً» الذي رفعه اثناء حملته الانتخابية، واكده في خطاب تنصيبه، ويقال على نطاق واسع، ان هذا الشعار هو الذي مكنه من الوصول الى البيت الأبيض، الأمر الذي فاجأ معظم المراقبين والمتابعين واستطلاعات الرأي.
الحرب على الصين تجارياً، هي الأولى والاهم في حروب تجارية تم الإعداد والتخطيط لها بعناية، اذ أن الحرب القادمة، والتي لن تتأخر كثيراً، هي التي ستندلع مع كل من كندا ودول أميركا اللاتينية في إطار اتفاقية النافتا، تحديد موعدين لاجتماع قادة كندا والمكسيك خلال الأسابيع القادمة سيفتح خروج أميركا من هذه الاتفاقية على مصراعيه، ما يعني أن الحروب التجارية ستسود في السنوات القادمة لتتوازى مع الحروب الدموية التي بدأت ربما تتراجع قليلاً!!