"المثقف" المتغيب

رامي مهداوي
حجم الخط

هناك ممارسات يومية نشاهدها تخرج "الداعشية الكامنة" على السطح أمام أعين المجتمعات العربية، والمجتمع/ات حسمت أمرها مسبقاً بعدم التدخل بهذه المشاهدات، مكتفية بالصحافة الصفراء أو التعليق من خلال صفحات الفيسبوك و/أو التويتر. ثقافة غارقة بالدم والعنف تجتاح مجتمعاتنا ليس بيد جيش داعش، وإنما بأيدي المجتمع ذاته بذاته، وكلما طال صمته ازداد نمو الفكر الداعشي كأنه قنبلة إنشطارية تزداد بازدياد الصمت والخوف، وربما بتواطئ الحكومات العربية وإنسحاب المثقف العربي من المشهد مما جعله إسم دون فعل.
على الرغم من إختلافي معه بالشأن الفلسطيني؛ أستذكر هنا كلمات شهيد حرية الرأي والتعبير الكاتب والسياسي الأردني ناهض حتر:"الواقع أن مشروعي هو أن أكون مثقفاً مستقلاً، وهذا المشروع ينطلق من قناعة بأن المجتمع دائماً، بحاجة إلى نموذج المثقف المستقل، يحتاج الى مثقفين يرفضون التعامل مع التواطؤ العام". وهنا للأسف وبحزن أقول بأن المثقف العربي الذي وصفه حتر شخصية وهمية خيالية وإن وجدت فهي نادرة ومنعزلة على ذاتها.
ومن زاوية أخرى يشتبك "المثقفون الجدد" مع داعش كجماعات قتالية في الفضائيات، ولا يتستطيع مواجهة "الداعشية الكامنة" في مجتمعه، والمضحك المبكي بأن هؤلاء المثقفين يستطعيون نقد أبو بكر البغدادي_زعيم داعش_ في وسائل الإعلام المحلية والدولية، لكنهم لا يستطيعون نقد سلوكيات داعشية في مجتمعاتهم. وهنا أتفق بشكل كامل مع حتر بأن على المثقف أن يرفض التواطؤ العام، من خلال النقد والكشف عما هو مضمر من خلال قلمه أو صوته وحتى مشاركاته المجتمعية في الميدان والشوراع وعدم التقوقع في الغرف والصالونات المغلقة.
هناك ثقافات مختلفة تتوغل في مجتمعاتنا وسلوكياتنا من قتل وعنف وكره واختطاف وفتاوى بعيدة كل البعد عن الدين والتمرد على القوانين وإزدياد الطائفية والحزبية وإلغاء الآخر، وعدم احترام الإختلاف وحتى الحريات الشخصية، مما جعل البعض أن يضع ذاته وكأنه الآمر الناهي في أبسط الأمور والحريات.
تلك الموجة لم يتصد لها المثقفين، وللأسف ليس جميعهم يمتلك شجاعة التصدي للفكر المجتمعي الذي تنمو به الداعشية السلوكية، بل قلة قليلة تتحرك فقط على مستوى مؤتمرات وتوقيع بيانات هنا وإستنكار هناك، ليصبح التعامل مع هذه الممارسات الداعشية كشل من أشكال الترف والرومانسية البرجوازية، دون أن يتم خلق أدوات ضاغطة على الحكومات العربية بأن تستيقظ وتشاهد هذا النمو الداعشي في المجتمعات.
برأيي أبو بكر البغدادي متواجد في كافة المدن العربية ليس فقط بجيوشه وإنما بعقليات متخلفة وغوغائية جاهلة تريد أن تثبت هويتها بإسم الدين ورفضها للقوانين الدنيوية، مما جعلنا نسمع يومياً حالات القتل تحت مسميات مختلفة دون أن تتحرك السلطات الثلاث _التشريعية، القضائية، التنفيذية_ بتطبيق ما عليها من مهام، بل تم توكيل المهام للعشيرة والقبيلة العربية!!
الحكومات العربية تتخبط بإتجاه كل شيء، وهي لا ترى من المشاكل سوى الإقتصاد والأمن، دون أن تشاهد هذا النمو الداعشي، مكتفية بمؤتمرات وزراء الدفاع أو الداخلية العرب في كيفية مواجهة داعش، متناسية بأن داعش ينمو في مجتمعاتها دون أي علاج، معتقدين بأن بالطائرات والدبابات يتم مواجهة الفكر الداعشي، دون أن تكون هناك خطوات استباقية غير تقليدية لمواجهة الظلاميين الذين يأخذون الحق باليد. لهذا على الحكومات دعم المثقف العربي دون شرائه، ودعم أدوات الثقافة دون توجيهها.