لماذا على ترامب نقل السفارة ؟!

هاني حبيب
حجم الخط

إذن تراجعت إدارة الرئيس دونالد ترامب عن نقل سفارة بلادها من تل أبيب إلى القدس المحتلة، ووقفنا في مقالنا السابق الأحد الماضي في «الأيام» على ما نعتقد أنها الأسباب التي أدت إلى هذا التراجع الذي من المرجّح أن يكون مؤقتاً، إلاّ أن هناك أسباباً أخرى، ربما لا تقل أهمية، تحث هذه الإدارة على الإيفاء بتعهدات رئيسها بضرورة نقل السفارة، واعتبار أن الأسباب التي أدت إلى تراجع الإدارة الأميركية، غير كافية وغير مقنعة والأهم أنها لا تتجاوب مع المصالح الأميركية والعلاقات الاستراتيجية مع دولة أكثر من صديق وحليف، بل جزء من «الذات» الأميركية، ليس لها نجمة على علم أميركا، لأنها لا تعيش على قماش العلم، بل في قلب وصلب البلاد الأميركية من وجهة نظر القيادات الأميركية المتعاقبة، إذ كثيراً ما نظر إلى المصالح الإسرائيلية في حال تجاوزها أو تعارضها مع المصالح الأميركية باعتبارها أولوية، ما عدا القليل من الأحداث والمواقف، وقليلاً ما توقف دافع الضرائب الأميركي عندما تكلفه هذه الدولة من أعباء مادية على حساب رخائه وإمكانياته!
لذلك، رأى بعض المحللين السياسيين في بعض وسائل الإعلام الأميركية، أن إقدام ترامب على مرسومه وقراراته بشأن وقف تدفق اللاجئين بمن فيهم حاملو بطاقات الإقامة من دخول الولايات المتحدة من سبعة بلدان إسلامية، كان هو السب وراء عدم اندفاع الرئيس الأميركي، وفي نفس الوقت والفترة على الوفاء بتعهده بنقل السفارة، لأن في ذلك تحدياً أكثر سفوراً في انحيازه الأكثر وضوحاً في مواجهة مع المسلمين في شتى أصقاع المعمورة، مكتفياً في هذا الوقت بقرار واحد، على أن يتم الوفاء بنقل السفارة في وقت لاحق، خاصة وأن القرار المتعلق باللاجئين المسلمين، يمكن أن يعتبر مقياساً لردود الفعل المحتملة لدى اتخاذ القرار المتعلق بنقل السفارة!
من المعيب، إزاء وحدة الانتماء السياسي، بين أميركا وإسرائيل، أن لا يكون للولايات المتحدة وجود رسمي في عاصمة الدولة الصديقة، إسرائيل، وحتى القنصلية الأميركية في القدس، ما هي إلاّ إحدى أدوات أميركا لخدمة مواطني الطرف الآخر، الفلسطيني، وهي مفارقة ظل الصمت طوال العقود الماضية مسيطراً عليها، على الرغم من أن إسرائيل اعتبرت الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة التي عليها أن تقدم النصح والوساطة في عملية تفاوضية بين الجانبين، الفلسطيني والإسرائيلي بشكل مباشر، الأمر الذي يتطلب دوراً نزيهاً ومتوازناً، غير أن ذلك لم يحدث، إذ أن أميركا في مثل هذا الوضع وقفت إلى جانب الفلسطينيين (روبرت ساتلوف، المدير التنفيذي لمعهد واشنطن ـ 25/1/2017. «واشنطن بوست»).
هذه هي اللغة التي يحاول بعض الباحثين الأميركيين صياغتها لمساعدة ترامب على الوفاء بتعهده بنقل السفارة، بعيداً عن كل أسباب التأجيل، من وجهة نظر هؤلاء، فإن نقل السفارة، ما هو إلاّ تصحيح خطأ استمر طويلاً وآن الأوان للإقدام على هذا التصحيح في ظل إدارة ترامب الأكثر صدقاً في تنفيذ وعودها بخلاف رؤساء آخرين، ديمقراطيين وجمهوريين لم يتمكنوا من التحلي بالجرأة الكافية للوفاء بتعهداتهم بهذا الصدد!
هذا الخطأ التاريخي، بنظر الكاتب ومن هم على شاكلته، كان في أصل اعتراف أميركا بدولة إسرائيل، فعندما اعترف الرئيس هاري ترومان بعد الإعلان عن قيام إسرائيل بـ 11 دقيقة عام 1948، لم يتعد هذا الاعتراف إقراراً بأمر واقع ليس إلاّ، إلا أن الاعتراف الأميركي الرسمي بالدولة العبرية جاء في كانون ثاني العام 1949 في خطوة أكدت فيها أميركا قبولها بالسيطرة الإسرائيلية على كامل الأراضي التي أخضعتها بما في ذلك تلك التي كانت خارج نصيبها من قرار التقسيم ـ مع استثناء واحد، وهو الجزء الممتد على مساحة 38 كيلو مترا مربعا والذي سيطرت عليه إسرائيل في مدينة القدس، والذي عرف فيما بعد بالقدس الغربية، هذا هو مكمن الخطأ التاريخي، حسب هؤلاء، والذي من خلاله ظهرت أخطاء عديدة طوال سبعين عاماً من قيام الدولة العبرية، ومن شأن نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، إصلاح هذا الخطأ التاريخي.
ثم ان الكونغرس الأميركي، حاول أن يصحح هذا الخطأ منذ عام 1995 عندما اتخذ قراراً بنقل السفارة إلى القدس، إلاّ أن معظم الرؤساء الأميركيين الذين أكدوا خلال حملاتهم الانتخابية على الالتزام بهذا القرار، لم يفوا بتعهداتهم، بذريعة أن هذا القرار، تعدٍ من السلطة التشريعية على صلاحيات السلطة التنفيذية، ولم تظهر هذه الذريعة إلاّ بعد وصولهم إلى البيت الأبيض، وليس خلال إطلاق وعودهم الانتخابية!
من وجهة نظر هؤلاء، أن هناك مصلحة شخصية للرئيس ترامب بنقل السفارة، إذ أن ذلك دليل على الجرأة والوفاء بالعهد والوعد، وهو الأمر الذي سيفيده عند عقد تحالفات مع أطراف أخرى، وهو بحاجة إلى مثل هذه الثقة حتى يتمكن من نسج علاقات تحالفية مع أطراف لا تزال تحمل سلبيات عدم الثقة التي اعتمدت عليها الإدارات السابقة، خاصة إدارة أوباما!!