عدة تلال إلى الغرب من قريتي عين عريك وكفر نعمة، وعلى قمة كل تلة أقيمت ثلاث مستوطنات (حتى الآن)، هي: "دولب1"، "دولب 2"، "دولب 3".
في الاستيطان المتمادي، إذا أقيمت مستوطنة على رأس التلة (تذكروا صيحة شارون للمستوطنين: اصعدوا إلى كل تلة، فإن سفوح كل تلة هي "المجال الحيوي" لتوسعها اللاحق، ولربط مستوطنات "دولب" الثلاث لتصير كتلة، ويشمل المجال الحيوي للمستوطنة سفوحها حتى خط قعر التلة.
من القمم الثلاث إلى خط القعر ممنوع أي بناء فلسطيني، وبين القمم والقعر مسافة مئات الأمتار صارت مزروعة بكروم العنب للمستوطنين في المستوطنات الثلاث.
في حياة اسحاق رابين وياسر عرفات، تفاهما، شفهياً على الأغلب، لإقامة سياج يبعد عن آخر بيت في كل مستوطنة مسافة 100 متر، يجب أن لا تتعداها بيوت المستوطنة، ريثما يتم الاتفاق على الوضع النهائي عام 1998.
الآن، بين مستوطنات "دولب" الثلاث على القمم الثلاث، وخط قعر الوادي مئات الأمتار، كما هو حال معظم مستوطنات "اصعدوا كل تلة" أقيمت شرق الجدار الفاصل.
حسب منظمة "السلام الآن ـ شلوم أخشاف" الإسرائيلية في تعقيبها على نظرة إدارة ترامب الجديدة للمستوطنات، التي لا تشكل في مجموعها "عائقاً أمام السلام؛ فإن مساحة المستوطنات المبنية شرق الجدار ـ وهي حوالي 450 مستوطنة وبؤرة ـ حوالي 1% من مساحة الضفة الغربية، لكن مع "مجالها الحيوي" تشكل 10%، علماً أن إسرائيل تقول إن "أراضي الدولة" المسموح استيطانها في الضفة مساحتها مليون دونم، من اصل أكثر من 6 ملايين دونم مساحة الضفة.
في الخلاصة، حسب "السلام الآن" فإن تعريف إدارة ترامب للمسموح والمحظور في التوسع الاستيطاني ستعني توسعا ديمغرافيا وجغرافيا للمستوطنات يزيد على ما حققه الاستيطان خلال نصف قرن من الاحتلال!
لاحظوا أن الاستيطان في "الكتل" يتخذ شكل ابنية متراصة متعددة الطوابق، كما في مستوطنات القدس الشرقية و"معاليه ادوميم" و"اريئيل".. إلخ. أما الاستيطان شرق الجدار، فهو يتخذ شكل دارات (فلل) للتوسع الأفقي أولاً، ثم لاحقاً وحدات سكنية متعددة الطبقات، لاستيعاب مزيد من المستوطنين بالبناء العمودي، الذي من شأنه تحشيد مليون مستوطن وأكثر شرق الجدار بذريعة التكاثر الطبيعي للمستوطنين، كما تزعم إسرائيل. المستوطنات مفارخ ديمغرافية.
كان بوش ـ الابن كافأ شارون بالاعتراف بأن الكتل الاستيطانية صارت أمراً لا رجوع عنه في أية مفاوضات لاحقة، على أن يتم شكل ما من التعويض الأرضي، الذي سيكون غير متكافئ قيمة ومساحة!
بعد يومين من إخلاء بؤرة "عمونا"، لأنها أقيمت على أرض خاصة "مطوّبة" للفلسطينيين، كافأت إدارة ترامب حكومة نتنياهو بتوسيع مستوطنات شرق الجدار، بما يسمح لها بإطلاق حرية البناء فيها، دون قيود، ودون احتجاجات الإدارات الأميركية السابقة. من تسويغ الكتل إلى تسويغ المستوطنات!
على ذلك، فإن مستوطنات "دولب" الثلاث، ستصير كتلة كبيرة، مسموح فيها ببناء وحدات سكنية متعددة الطبقات من رؤوس التلال حتى خط القعر في الوادي.
بما أن إسرائيل بنت 700 مدينة ومستوطنة في حدود 1967، دون بناء مدينة أو بلدة فلسطينية لمواطنيها الفلسطينيين ـ ما اضطرهم بعد ازديادهم سبع مرات ـ إلى البناء العمودي، في غياب شبه تام للمخططات الهيكلية للتوسع العمراني؛ فإن مفهوم إدارة ترامب الجديد للمستوطنات يسمح بتسمين المستوطنات بحرية البناء العمودي فيها، ولكن دون إقامة مستوطنات جديدة.. ربما في هذه المرحلة!
وجه الخطورة الأشد في المفهوم الجديد للتوسع الديمغرافي الاستيطاني، أن الإدارة الترامبية لم تعد تتحدث عن "حل الدولتين" بل عن "السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين"، أي بين دولة إسرائيل وكتلها ومستوطناتها، وبين السكان الفلسطينيين!
سبق تسويغ إدارة ترامب للمستوطنات شرق الجدار، أن حذرت إدارته السلطة الفلسطينية من عقوبات أميركية حال لجوء السلطة إلى محكمة الجنايات الدولية، ويشمل ذلك وقف تمويل كل منظمة دولية تقبل عضوية فلسطين فيها، مثلما عاقبت "اليونسكو" علماً أن واشنطن انسحبت من المحكمة الجنائية الدولية في إدارة بوش الثاني، وروسيا ليست عضواً فيها، وكذلك الصين وإسرائيل طبعاً.. وسوف ينتصب "جدار الفيتو" من جديد أمام فلسطين!
في محصلة المفهوم الترامبي للاستيطان اليهودي ستصبح الضفة دولة مشتركة لإسرائيل ومستوطنيها والفلسطينيين فيها، أي دولة مزدوجة القومية، وأما دولة إسرائيل فهي "يهودية وديمقراطية" دون مساواة اليهود والفلسطينيين فيها.
طوت إدارة ترامب موقف سابقاتها من القول إن الاستيطان يهدد "حل الدولتين" إلى التمييز بين التوسع الجغرافي بإقامة مستوطنات جديدة، وبين النمو السكاني للمستوطنين.
كان "حل الدولتين" مشروعاً أميركياً، من العام 2003، والآن انسحبت منه الولايات المتحدة عملياً في العام 2017، بما يبرر لإسرائيل الانسحاب منه رسمياً.
الترامبية مرحلة جديدة في أميركا والعالم... وفلسطين أولاً!
ريهام سعيد تنسحب من قناة "الشمس" لظروف شخصية
28 سبتمبر 2023