على الرغم من الوعود الكبيرة التي قطعها دونالد ترامب خلال حملته الإنتخابية، بدأ الرئيس الجديد يوضح إلى حد ما أنه لن يسارع إلى نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، ولن يطلق العنان كذلك لإسرائيل في القضية الفلسطينية.
ويبدو بشكل واضح ميل ترامب وفريق السياسة الخارجية الخاص به إلى الإعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل أكثر من الإدارة السابقة. ومن الواضح أيضا أنهم لا يتفقون مع سياسة باراك أوباما التي أدانت البناء خارج حدود العام 1967.
وبالفعل، في بيانها الأول حول المستوطنات الإسرائيلية الذي اتسم بالحذر، يبدو أن إدارة ترامب انحرفت بشكل كبير عن الموقف الثابت لجميع الإدارات الأميركية السابقة؛ القاضي بأن التوسع الإستيطاني يشكل عقبة أمام السلام، ويجب أن يتوقف.
ومع ذلك، ابتهاج اليمين المتشدد في إسرائيل بسياسة ترامب المتوقعة تجاه إسرائيل قد يكون مبالغا فيه.
قال المتحدث باسم البيت الأبيض، مؤخراً، شون سبايسر: «في حين أننا لا نعتقد أن وجود المستوطنات يشكل عائقا أمام السلام، فإن بناء مستوطنات جديدة أو توسيع المستوطنات القائمة إلى ما وراء حدودها الحالية قد لا يكون مفيدا». وأكد سبايسر على أن الإدارة الجديدة «لم تتخذ موقفا رسميا حول النشاط الاستيطاني»، مضيفا أن ترامب يتطلع إلى مواصلة نقاش المسألة مع نتنياهو خلال الزيارة التي سيقوم بها الأخير إلى البيت الأبيض في 15 شباط.
سيتوقف الكثير على اجتماع الرئيس الأميركي في 15 شباط مع نتنياهو في البيت الأبيض. ربما سيتمكن رئيس الوزراء من إقناع ترامب بأنه من مصلحة إسرائيل البناء قدر الأمكان في جميع أنحاء الضفة الغربية.
من الممكن أن نتنياهو، الذي يدعي أنه يعارض حل الدولة الواحدة، سيشرح لترامب إنه في الأسبوع الذي اضطرت فيه حكومة اليمين التي يترأسها إلى هدم مستوطنة يعود عمرها إلى 20 عاما بسبب أمر محكمة، كان عليه المصادقة على بناء واسع النطاق في أماكن أخرى في الضفة الغربية. قد يزعم رئيس الوزراء أن صموده السياسي يعتمد على ذلك. ولكن الآن بعد انقشاع الغبار، سوف يبطئ من وتير التوسع الاستيطاني، خاصة خارج الكتل، للحفاظ على خيار إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح في المستقبل.
سيسمح ترامب على الأرجح لإسرائيل بالبناء في الكتل الاستيطانية، وربما في بعض الأحيان خارجها أيضا، وسيواصل التعهد بنقل السفارة في الوقت المناسب – كما فعل الرؤساء السابقون – من دون القيام بذلك فعلياً. وعندما يبدأ بمناقشة الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني مع قادة العالم قد ينتهي به الأمر في نهاية المطاف إلى احتضان فكرة حل الدولتين، إذا يكن قد فعل ذلك أصلا.
السماح لإسرائيل بتقوية المستوطنات، التي يُفترض بشكل عام أنها ستكون جزءا من إسرائيل في أي اتفاق سلام يمكن تصوره، مع فرض قيود على النمو في المستوطنات النائية، ستبدو أيضا سياسة تتماشى مع نية ترامب المعلنة بالتوصل إلى اتفاق سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
بعد المحادثة الهاتفية التي جرت بين ترامب ونتنياهو قال البيت الأبيض إن اتفاق سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين «يمكن التفاوض عليه فقط بشكل مباشر بين الطرفين». من الصعب تصور قيام الولايات المتحدة بمحاولات لاستئناف محاثات السلام مع الفلسطينيين في الوقت الذي تشجع فيه إسرائيل، حتى لو كان ذلك من خلال موافقة صامتة، على البناء في مستوطنات الضفة الغربية. في حين أن الإدارة الأميركية لا تعتبر المستوطنات الإسرائيلية القائمة عقبة أمام السلام – هناك سبل للتعامل معها في اتفاق سلام نهائي – لكن ترامب لن يعلن أبدا رفضه لحل الدولتين.
امتناع ترامب عن التسرع في نقل السفارة، بالإضافة إلى تصريح المتحدث باسمه أن البيت الأبيض سيقوم «بالتشاور مع» وزارة الخارجية الأميركية و»أصحاب مصلحة» آخرين – ربما قادة الدول العربية – يدل على أن ترامب قد يكون ضم نفسه إلى صف المجتمع الدولي في تأييده لصيغة حل الدولتين.
حتى بعض قادة المستوطنين يدركون أن ترامب قد لا يكون كل ما تمنوه. عوديد رفيفي، المسؤول عن السياسة الخارجية في مجلس «يشع» الذي يمثل المستوطنات في الضفة الغربية، قال: «علينا أن نفهم أن للولايات المتحدة مصالحها الخاصة بها، التي لا تتماشى دائما مع مصالحنا».
الكثير من الأشخاص الذين يقدمون المشورة للرئيس حول شؤون الشرق الأوسط – مثل جاريد كوشنر وجيسون دون غرينبلات وديفيد فريدمان - يدركون تاريخ الصراع جيدا، ويبدون تعاطفا كبيرا مع إسرائيل والحركة الاستيطانية.
وقال رفيفي: «إذا نظرت إلى نائب الرئيس وبعض أعضاء الإدارة – جميعهم من المؤيدين الأقوياء، حتى أن بعضهم قاموا بإدخال أيديهم في جيوبهم والتبرع لمؤسسات في يهودا والسامرة»، مع ذلك، «بين ذلك وبين التبني الكامل لموقف (الحركة الاستيطانية) أو الحكومة الإسرائيلية لا يزال هناك فارق كبير»، على حد تعبيره.
فهل سيتبنى ترامب نسخة من رسالة بوش في العام 2004؟
ترامب رجل مفاجآت، لذلك من المفضل أن يستعد القادة الإسرائيليون للاحتمالات كافة. سيواصل الرئيس الجديد بكل تأكيد إعلان الدعم الثابت للدولة اليهودية، لكن على صناع القرار في القدس أن لا يُؤخذوا على حين غرة عندما يعلن فجأة عن دعمه لحل الدولتين والحض على تجميد التوسع الاستيطاني خارج الكتل الكبرى.
على غرار ما فعله جورج دبليو بوش في الرسالة التي بعث بها في العام 2004 إلى رئيس الوزراء حينذاك، أرئيل شارون، قد يعلن ترامب «أنه من غير الواقعي توقع أن تكون نتيجة مفاوضات الحل النهائي عودة كاملة إلى خطوط هدنة العام 1949» – وهو اعتراف عمليا بأن الكتل الاستيطانية ستبقى تحت السيادة الإسرائيلية – في حين أنه في الوقت نفسه سيعيد التأكيد على أن الولايات المتحدة «تؤيد إقامة دولة فلسطينية قابلة للنمو وذات تواصل وسيادة ومستقلة».
أو أنه قد يُصاب بالإحباط – بعد فشل حتمي لمحاولة استنئاف محادثات السلام – ويقوم بنقل السفارة إلى القدس، ويمنح نتنياهو حرية التصرف في الضفة الغربية.
ولكن بالنظر إلى التصريحات الحذرة من المسؤولين في البيت الأبيض خلال الأيام القليلة الماضية، يبدو السيناريو الأول مرجحا أكثر.