قمة نتنياهو ـ ترامب .. تردد وحذر !!

hani_habib
حجم الخط

 

 

تجاوزت قمة نتنياهو ـ ترامب البروتوكول وحسن الضيافة وتبادل الكلمات الخاصة بالمجاملات الدبلوماسية، كان اجتماعاً عائلياً بامتياز، حتى أن السيدة نتنياهو تعاملت وكأنها تجلس في بيتها، لا بأس في ذلك، فكل من نتنياهو وترامب صديقان منذ فترة طويلة، هذه هي المرة الأولى التي يجتمعان بها بحكم المنصب، المؤتمر الصحافي الذي أعقب قمتهما عبّر عن دفء العلاقات بوضوح لا يقبل التأويل.
قراءة سريعة لنتائج هذه القمة، تشير إلى تفاهمات واتفاقات وتقاطعات تدل على أن مصالح الطرفين تكاد تكون متطابقة إزاء كافة الملفات، معظم المراقبين والمحللين اتفقوا على أنه لم تكن هناك أية خلافات ذات دلالة يمكن التوقف إزاءها بين الجانبين، سواء لجهة الموقف من إيران، أو الصراع العربي ـ الإسرائيلي خاصة حول الملف الفلسطيني وعملية التسوية وعملية الاستيطان، الخلافات ظهرت في رتوش وهوامش هذه الملفات.
غير أننا نرى عكس ذلك، فاللقاء كان ودياً وحميمياً بالفعل، إلاّ أننا نعتقد أن الحذر والتردد واختيار الكلمات والمواقف بشكل أكثر تدقيقاً كان هو السائد، عدم الثقة بين الجانبين، نتنياهو وترامب كان هو السائد، رغم كل الكلمات والتوافقات، إذ أن كل منهما كان يرى في منصب الآخر، منصباً زائلاً بعد أسابيع، أو شهور أو عام، كل منهما استعد لهذا اللقاء بكل ما من شأنه أن يسبغ القمة بالشك والحذر.
الرئيس الأميركي، وفور تحديد موعد عقد اجتماعه مع نتنياهو، طلب ملف هذا الأخير المتعلق بالتحقيقات الجنائية الجارية معه على خلفية شبهات فساده.
القناة الثانية الإسرائيلية قالت: إن هذا الطلب، جاء بعد تصريحات لنتنياهو في الكابينيت بأن ترامب رغم أنه يظهر توجهاً أكثر ودية من إسرائيل، إلاّ أنه متردد إزاء العملية الاستيطانية، «يديعوت أحرونوت» قالت: إن المقربين من ترامب اعتبروا هذه التصريحات بمثابة تجاوز للخط الأحمر، ويوحي بعدم الصدق والثقة بين ما يفترض أنهما صديقان... إلاّ أن الصحف الأميركية إجمالاً، اعتبرت طلب ترامب لملف التحقيقات المتعلقة بنتنياهو، هو الشك من أن هذا الأخير لن يمكث في منصب رئيس الحكومة طويلا، لذلك، ليس من الصحيح أن يعقد معه اتفاقات ذات طبيعة استراتيجية طويلة الأمد، خاصة وأن ولايته لا تزال في أيامها الأولى، فلم يمنح نتنياهو كل ما في جعبته مع إمكانية خروجه من المنصب بعد وقت ليس بالطويل ولا الكافي لتنفيذ الاتفاقات والتعهدات؟!
على الجانب الآخر، الإسرائيلي، وفي اجتماع الكابينيت لوضع جدول أعمال مقترح لما سيطرحه نتنياهو أثناء القمة، تبين أن هناك شكوكاً إسرائيلية حول ترامب، فقد تم وصفه بالمزاجي والمتقلب، وان تماهي إسرائيل مع سياسته ربما يلحق بها بعض الأضرار الصعبة، صديق من هذا النوع يجب التعامل معه بحذر شديد، ومع أن صديقا مشتركا، هو المليونير شيلدون اديلسون، اجتمع مع ترامب وعائلته قبل يومين من لقاء القمة في البيت الأبيض، وأوحى لنتنياهو بعد اللقاء، بأن كل شيء على ما يرام، إلاّ ان ذلك لم يخفف من لغة التشكيك في الكابينيت الإسرائيلي حول ترامب والصفات التي ألصقوها به والتي من شأنها، أن تجعل نتنياهو أكثر حذراً وتردداً في بيع ترامب كل ما في جعبته، وما زاد في هذا التشكيك طابع الحذر الذي بات سلوكاً واضحاً من كبار الحزب الجمهوري إزاء ترامب، إلى درجة أن كثيراً من المراقبين راهنوا على أن ترامب لن يكمل ولايته الأولى، ليس بسبب سياسته الخارجية أو الداخلية، ليس بسبب هذا الموقف أو ذاك، ولكن بسبب اضطراب هذه الإدارة والتي تحدث عنها صراحة، رئيس لجنة القوات المسلحة في الكونغرس، الجمهوري القوي جون ماكين في مؤتمر ميونيخ للسياسات الأمنية والدفاعية، عندما قال: إن استقالة مستشار الأمن القومي مايكل فلين تعكس اضطراب إدارة ترامب وأن لا شيء يسير كما يجب، بالإضافة إلى أن أحد المرشحين الكبار لتولي منصب فلين، رفض ترشيحه في إشارة إلى أن الحزب الجمهوري ما زال يتشكك في قدرة ترامب على إدارة دفة الحكم، الأمر الذي سينعكس سلباً في أي انتخابات قادمة على فوز الحزب الجمهوري بالرئاسة أو في انتخابات النواب والشيوخ، الأمر الذي قد يدفع قدماً، بإيجاد وسائل لإزاحة ترامب، وتسليم مقاليد الرئاسة إلى نائبه.
في مثل هذه الأجواء، عقدت قمة نتنياهو ـ ترامب، انعدام الثقة بين الصديقين، تردد وحذر في التعاطي مع الملفات الأساسية، ما خرج به اللقاء الصحافي لم يخرج عمّا كان متوقعاً، هناك توافقات وخلافات محدودة، غير أن المسائل لم تبحث في العمق لأن كليهما لا يرغبان بذلك للأسباب التي أشرنا إليها.
لذلك، يجب الانتظار، بل مزيداً من الانتظار قبل أن ترسم واشنطن سياستها الجديدة، هذا لا يعني على الإطلاق الركون إلى سياسة أميركية أقل انحيازاً لإسرائيل، بل لأن هذه السياسة ترتكز على المفاهيم وهنا فإن تفاصيلها بالغة الأهمية، لرسم سياسة فلسطينية مدروسة يتطلب الأمر، عدم الرهان على الموقف الأميركي من ناحية، وعدم الرهان على أن كل ما يقال هنا أو هناك، هي سياسة أميركية ناضجة ومحددة!!