حسب الرزنامة الشعبية، سيبدأ سعد الخبايا في غضون أيام، وستخرج الكائنات اللطيفة من جحورها التي اختبأت فيها من برد الشتاء، إيذانا ببدء ربيع فلسطين الأجمل، حيث تخضرّ الروابي والسفوح، وتفيض بالزعتر والميرمية والبابونج، وتسيل الوديان، ويُزهر اللوز، ويحمرّ الحنّون، وتتفتح أزهار الأقحوان والنرجس وعصا الراعي، وتجدّد العصافير أعشاشها، ويكون موسم تكاثر الغزلان والشنانير وعشرات الكائنات الجميلة..
تتميز فلسطين بتنوع نظمها المناخية والبيئية، وتعدد أنواع النباتات والحيوانات وكثرة أعداد بعضها، ويقدر المختصون عدد أنواع الكائنات الحية فيها حاليا بنحو 47 ألف نوع؛ منها 2700 نبتة برية، و116 نوعاً من الثديّات، و511 نوعا من الطيور، و110 أنواع من الزواحف والبرمائيات، أما الأسماك فهناك 32 نوعا، ونحو 30 ألف نوع من اللافقاريات.
تعيش هذه الكائنات في بيئتها الطبيعية بتوازن دقيق، يعرف بالتنوع الحيوي، وهو مهم جدا في الحفاظ على البيئة وحفظ الكائنات الحية بمختلف أنواعها.
لكن ما يهدد هذا التنوع الحيوي ويعرض بعض الكائنات لخطر الانقراض بالإضافة للعوامل المناخية والطبيعية، ممارسات خاطئة يقوم بها بعض الأفراد والمجموعات، لعل أبرزها عمليات الرعي والجمع الجائر، والصيد غير المنظم، وهي عمليات ما زالت تثير الجدل.
الصيادون وجامعو النباتات يبررون ذلك إما بدوافع اقتصادية، أو للرياضة والتسلية، المشكلة ليست في الصيد بحد ذاته، أو في جمع النباتات؛ بل في الصيد الجائر، وعدم اتباع الممارسات الصحيحة في الجمع. لذلك تنظم الدول عمليات الصيد والجمع بالشكل الذي يسمح بممارستهما كرياضة وهواية، بحيث لا تلحقان الأذى بالطبيعة، ولا تهددان أي نوع لخطر الانقراض، فتحصرهما في محميات محددة، وفي مواقيت معروفة، وبحيث يقتصران على أنواع معينة وبأعداد وكميات مدروسة، وتحت طائلة القانون.
وبالنسبة للحيوانات المفترسة أو الخطرة فتنصح بضرورة الابتعاد عنها، وتركها حرة في بيئاتها الطبيعية، فالضباع والأفاعي مثلا لا تهاجم الإنسان عادةً، إلا في حالات نادرة جداً، وبالتالي لا مبرر لقتلها.
في حين يرى علماء نفس أن ممارسة الصيد تعد ضربا من من تفريغ العنف والكبت والغضب المختزن لدى البعض، إذ يلجأ هؤلاء لتفريغ كبتهم في المجالات التي يستسهلونها، وضد الكائنات الضعيفة التي لا تستطيع الدفاع عن نفسها، وأحيانا تكون لمجرد المباهاة والاستعراض، أو لممارسة العنف من أجل العنف (سادية)، خاصة لمن لا يحترم البيئة والطبيعة، ولا يقدر أهميتها، ولا يتذوق جمالها، وأغلب هؤلاء أنانيون، جُل همهم إشباع رغباتهم، بغض النظر عما يسببه ذلك من ضرر على البيئة وتنوعها الحيوي.
والحيوانات والطيور التي يستهدفها الصيادون: الأرنب البري، الغزلان، طائر الشنار، البط، الاوز، الطيور المهاجرة، بعض أنواع العصافير مثل الحسون والبلبل، الحمام البري، الخنازير، الثعالب، وبعض الحيوانات الكبيرة كالضبع والذئب.
والحياة الحيوانية البرية في فلسطين بالرغم من تنوعها، إلا أن أعدادها محدودة بسبب محدودية المساحة، وتعدي النشاط البشري.
وبشكل عام فإن بعض الحيوانات الثدية في فلسطين مُهددة بالانقراض بسبب الصيد، وقلة الأحراش والغابات، وقلة مصادر المياه، وكذلك لكثافة المُنشآت السكنية في أغلب المناطق.
وتدل الإحصائيات على أن حيواناً واحداً ينقرض كل عشرين عاماً في فلسطين، وإذا لم ينقرض فإنه يختفي بانتقاله إلى موطن آخر تتوفر فيه ظروف أفضل.
ومن أبرز الحيوانات التي ما زالت موجودة في فلسطين الطيور؛ حيث يوجد منها حوالى ثلاثمائة وخمسون نوعاً متوطنا، منها الحجل والصقر والبوم.. ومن الحيوانات آكلات اللحوم القط الصحراوي، وهر الرمال العربي، والذئب، وابن آوى، والثعلب، والضبع. وهي مُهددة بالانقراض.
ويعيش في فلسطين أيضاً الظربان (آكل العسل)، وثعلب الماء الفارسي، والرباح الفلسطيني (الزريقاء)، والنمس، والنيص، والقنفد، وقط الأدغال، والوشق (الوعوع السُوري)، والكلب الكنعاني.
ومن الحيوانات آكلات الأعشاب الغزال الأحمر، والغزال العربي، والوعل النوبي، والمها، إضافة إلى أنواع عديدة من البرمائيات والسلاحف، والزواحف.
وتشير الدراسات إلى أنه قبل نحو سبعة آلاف سنة، كان الكثير من الحيوانات الجميلة يعيش في فلسطين مثل: فرس النهر، الكركدن، الأسد، النمر، الدب، الأيل، الثور البري، الحمار الوحشي، الزرافة، الفيل، وحتى النعامة والتمساح والخيول البرية. وهذه الأنواع اختفت بسبب الصيد وتدمير الغابات. الأسد مثلا شوهد لآخر مرة في الغور عام 1630، الفهد شوهد لآخر مرة في صحراء النقب العام 1959، النعامة انقرضت في أوائل القرن العشرين، كما أن الدب شوهد لآخر مرة في شمال فلسطين في القرن التاسع عشر.
وليست الحيوانات فقط معرضة للانقراض، العديد من النباتات الطبية والغذائية كالميرمية والزعتر والعكّوب وغيرها أيضا معرضة لخطر الانقراض نتيجة عمليات الجمع الجائر.
وخطر الانقراض لا يهدد الحياة البرية في فلسطين وحدها، فمن المرجح أن الحياة على كوكب الأرض تتعرض حالياً لانقراض كبير، فخلال الخمسين عاما الماضية، اختفت مئات الآلاف من الكائنات الحية، وزاد معدل تناقصها وانقراضها 40 مرة عمّا كان عليه الوضع قبل مائتي عام، وفي كل 20 دقيقة تمر علينا ينقرض حيوان معين أو نبات ما فريد وذو فائدة كبيرة للبشرية.
وحاليا فإن جملة الكائنات المهددة بالانقراض تصل إلى أكثر من 12 ألف نوع، من أبرزها وحيد القرن والباندا.
ومعلوم أن انقراض نوع واحد من الأنواع الحيّة يؤدي إلى تفكيك مكونات النسيج الأحيائي البيئي وخلخلته، ولا يقتصر هذا الضرر على نفس المنطقة التي يحدث فيها خلل التوازن البيئي فقط، وإنما ينتقل هذا الضرر إلى المناطق الأخرى المجاورة، كما أن تأثيره لا يقتصر على نوع واحد، بل يمتد ليؤثر على بقية الأنواع التي كانت تتعايش معا بطريقة طبيعية.
فمثلا، انقراض النحل سيؤدي إلى فناء الحياة بأكملها على كوكب الأرض خلال أربع سنوات فقط، حيث إن النحل هو المسؤول عن تلقيح النباتات، ودون تلقيح لن يكون هناك عقد أزهار ولا ثمار، وبالتالي فإن المحاصيل الحقلية ستختفي، ما يعني أنه لن يكون هناك غذاء كافٍ للحيوانات ولا للإنسان، وخلال سنوات قليلة جدا، ستختفي النباتات والحيوانات ومعها الإنسان.
بلادنا جميلة، وتستحق أن نحافظ عليها، فلنتمتع بجمالها، ولندع غيرنا يتمتع بها أيضاً.