على الرغم من أن نتنياهو كان دائماً ولا يزال عنواناً للشؤم وسوء الطالع، إلا أنه حين يحظى برضى نفتالي بينت، الذي يقف على أقصى اليمين، فإنه قد يتحول إلى بطل قومي، في نظر حلفائه في الحكومة، لكن يوماً سيأتي ليقرر أن ذلك «البطل»، لم يكن سوى شمشون الذي هدم المعبد على من فيه.
قد يعرف أو لا يعرف نتنياهو هذه الحقيقة، لكنه اليوم يشعر بسعادة غامرة وهو يعود من الولايات المتحدة بكل ما تحقق له من إنجازات. هو من النوع الأناني الذاتي، الذي يفكر فيما هو عليه اليوم، فهو بالإضافة إلى العديد من الصفات السيئة، رجل تكتيكي، لا علاقة لأفكاره بالإستراتيجيا.
قد يعتقد نتنياهو وصحبه اليوم بأنه بات قريباً من كسب الجولة الأخيرة في الصراع التاريخي الدائر على هذه الأرض، لكن جذور الصراع، ومجرياته، وآفاقه ستقرر في النهاية أنه ربما كسب جولة ولبعض الوقت، فثمة شعب قال عنه الراحل ياسر عرفات إنه شعب الجبارين.
في الحقيقة لا يدرك نتنياهو وفريقه، وأيضاً حديث العمل في السياسة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أن حل الدولتين بالمواصفات التي وردت في وثائق أوسلو، وفي تفاصيل الخطاب الدولي الذي يتبنى رؤية الدولتين، كان هو الحل الأمثل، لضمان بقاء دولة إسرائيل لفترة أطول، ولست مقتنعاً في كل الأحوال أنها ستبقى إلى الأبد. ولا يفهم نتنياهو وفريقه، وترامب وفريقه، هذه الحقيقة.
إن تبني الدول الأوروبية التي خلقت ورعت وحمت المشروع الصهيوني لم يكن بسبب قناعة راسخة بحقوق الفلسطينيين وإنما كان لقناعة منها أنه الأفضل لحماية المشروع الاستعماري الذي تمثله دولة إسرائيل وأن هذه القناعة ما كانت لتكون لولا أنها تستند إلى قناعة بأن الشعب الفلسطيني قد بلغ سن الرشد وبات عصياً على التغييب أو الإذابة أو التشريد.
نتنياهو عاد إلى تل أبيب بحصيلة جيدة، لكنه لم يأت بالذيب من ذيله، فأسياد البيت الأبيض الجدد، كانوا قد توصلوا إلى ما أرادوا أن يقدموه لإسرائيل، وأن يعودوا بالسياسة الأميركية إلى ما كانت عليه قبل اتفاقية أوسلو.
وفي الأصل فإن انقضاء ما يقرب من ربع قرن على اتفاقية أوسلو، بدون أن تتحقق رؤية الدولتين، وفي ضوء استمرار سياسات التهويد والاستيطان المكثف الذي تمارسه الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، كل ذلك كان له معنى واحد وهو أن الحل السياسي القائم على رؤية الدولتين قد انتهى نظرياً وعملياً.
بالتأكيد ثمة فارق في الخطاب بين الإدارة الحالية والإدارة السابقة، فكلاهما لا تفعلان شيئاً لتحقيق رؤية الدولتين، لكن الإدارة السابقة احتفظت بخطاب حل الدولتين، وانتقدت السياسة الاستيطانية وتوجت ذلك بعدم استخدام الفيتو في مجلس الأمن القرار 2334، لكنها لم تفعل شيئاً لمنع إسرائيل من مواصلة هذه السياسة، بينما الإدارة الحالية تشجع إسرائيل على مواصلتها، وتتبنى الرؤية الإسرائيلية للسلام.
هذه هي في الجوهر السياسة الأميركية الجديدة التي لم تعد ترى أن حل الدولتين هو الحل الوحيد، وتتبنى حلاً واسعاً مع الدول العربية. الحل الواسع مع الدول العربية الذي يطرحه نتنياهو وتتبناه إدارة ترامب، لا يعتمد مبادرة السلام العربية، التي تطرح الحل الواسع والشامل، وإنما تتبنى سياسة تقوم على اعتراف الدول العربية بإسرائيل أولاً، وبدون أن ينتهي ذلك إلى دولة على الأراضي المحتلة عام 1967.
وبموازاة ذلك تستمر إسرائيل في العربدة، وتجاهل الإرادة الدولية وقرارات الأمم المتحدة، وتمضي نحو تكثيف الاستيطان والتهويد، وتقليص صلاحيات السلطة، التي ينبغي أن تتحول إلى إدارة بلدية. الشؤون المدنية الإسرائيلية بدأت بإجراءات عملية لتنفيذ ما كان طرحه وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان، في اتجاه سحب صلاحيات السلطة، وفتح الباب واسعاً أمام التعامل مع الجمهور الفلسطيني بكل فئاته ومصالحه.
وفي الوجهة ذاتها يأتي حديث الليكودي أيوب قرا الذي كان تكراراً لأقوال مسؤولين سبقوه في الحديث عن دولة غزة. حيث نفى نتنياهو ما ورد على لسان القرا، كان يقصد أن الرئيس المصري ومصر، ليس لديها مشروع بتوسيع قطاع غزة في سيناء، وهو ما أكدته مصر بلسان عربي فصيح، لكن النفي لإبطال فكرة دولة غزة. هذا يعني أن المرحلة القريبة المقبلة ستشهد إعلانات وقرارات متلاحقة بضم كتل استيطانية، طالما أن الولايات المتحدة لا تعترض بل تشجع إسرائيل على ذلك، فالمستوطنات بالنسبة لإدارة ترامب قد لا تخدم السلام، وهي بالتالي ليست وصفة أكيدة لتدمير عملية السلام.
الطمع الإسرائيلي ذهب إلى حد الاعتقاد بأن الولايات المتحدة قد توافق على قرار إسرائيلي بأن تبسط إسرائيل سيادتها على الجولان. أما فيما يتعلق بالعملية السياسية مع الفلسطينيين فإن نتنياهو زاد من شروطه. يريد نتنياهو اعتراف الفلسطينيين بيهودية الدولة، وأن تسيطر إسرائيل على غور الأردن، وأن يكف الفلسطينيون عن التحريض والدعوة لتدمير إسرائيل.
هذه هي التباشير الأولية لسياسة الولايات المتحدة في عهد ترامب، وهي تتقدم بوضوح نحو تبني السياسة الإسرائيلية بالكامل، ما قد يعزز من الاستنتاج الذي يطرحه البعض من أن إسرائيل هي التي تقرر السياسة الأميركية إزاء ملف الصراع الفلسطيني والعربي الإسرائيلي.
وعملياً يعود بنا هذا الحال إلى أيام غابرة حين كان الخطاب الفلسطيني والعربي يقوم ابتداءً على الحكم بأن الولايات المتحدة هي العدو الأول للشعب الفلسطيني وشعوب الأمة العربية، وأن هذه الدولة الاستعمارية لا يمكن أن تغادر موقعها المعادي للشعوب المكافحة من أجل تقرير مصيرها ونيل حرياتها.
الآن لا مناص للفلسطينيين من أن يقرروا وجهتهم اللاحقة، ولا يكفي تصريح الدكتور صائب عريقات الذي يقول بأن البديل هو دولة واحدة ديمقراطية يتساوى فيها الجميع، إذ إن إسرائيل لن تكون إلا دولة عنصرية، وغير ديمقراطية، وهو ما تؤكده حقائق تعامل الدولة في إسرائيل مع الأقلية العربية فيها التي تشكو كل الوقت من تمييز عنصري واضح وبشع.