في أعقاب اللقاء "التاريخي" بين نتنياهو وترامب يمكن لمعسكر السلام أن يكون هادئا: فالفرح في المعسكر الوطني عديم الاساس. ما حمله نتنياهو في جعبته، بالنسبة لليمين ليس سوى صندوق مفاسد.
"اللقية" الاولى التي جلبها هي "المؤتمر الاقليمي" مع مصر، السعودية، الاردن وامارات الخليج، والتي يتحدث عنها بعيون لامعة. صحيح أن احتياجات الدفاع لديها حيال ايران وداعش تجبرها على تلقي المساعدة من اسرائيل، ولكن أين رأينا أن مانح المساعدة هو أيضا من يدفع لقاءها؟
اضافة الى ذلك فان آلية مثل هذه المؤتمرات تؤدي بالضرورة الى "إغتصاب جماعي" لاسرائيل، وهذا هو السبب الذي من أجله أصرت حكومات إسرائيل على المفاوضات المباشرة. فلما كانت الدول السنية عرضة ليس فقط لتهديد وجودي من الخارج، فانها ملزمة بان تحمي نفسها في آن واحد من الخطر من الداخل – الا وهو التطرف الاسلامي. فاذا ما تجرأوا على التنازل في المؤتمر الاقليمي حتى ولا عن حرف واحد من المبادرة السعودية – العربية أو عن بيت واحد في القدس، سيوجد على الفور من يحرض الجماهير ضدهم، وعندها ماذا ستجدي "الصداقة" مع إسرائيل؟ للعرب سيعطي المؤتمر في أقصى الاحوال "كلام فاضي" – ولكننا سنخرج متضررين حتى قبل ان يبدأ.
الضرر الأول – الغاء نقل السفارة الأميركية الى القدس، على ما يبدو كي لا يخرب هذا على فرص مؤتمر الكلام الفاضي. هذا ما شرحه بالتأكيد لترامب الملك الاردني، وبزعم مندوب الحزب الجمهوري في البلاد مارك تسل، نتنياهو نفسه أيضا.
الضرر الثاني، والذي قد لا يكون قابلا للاصلاح هو في اخراج صلاحيات البناء في القدس وفي المناطق من ايدي اسرائيل وتسليمها لـ "طاقم" او "آلية" إسرائيلية – أميركية. من الان فصاعدا كل بيت جديد سيكون متعلقا بموافقة أميركية مسبقة. ونتائج الخصي الذاتي هذا اسوأ من قضاء أوباما. هذه المفسدة، التي جلبها نتنياهو في صندوقه من واشنطن، معناها تجميد تام، وليس بالذات بسبب الرغبة الشريرة للأميركيين، بل لان هذه التسوية لا تبقي في أيديهم بديلا آخر، لانه في وضع يكون فيه كل شيء منوط بموافقتهم، فان كل قرار من الآلية المشتركة سيحسب كقرار لهم. لن يقولوا – اسرائيل تبني الاف الشقق في جفعات همتوس او في E1 في معاليه ادوميم، بل أميركا تفعل هذا؟ القوة العظمى مع المصالح العالمية لا يمكنها ان تسمح لنفسها بوضعية كهذه، وهكذا ينزل نتنياهو الاستيطان اليهودي الى نقطة الصفر.
بقي قول ترامب في المؤتمر الصحفي الذي بسببه يذوب اليمين: دولة واحدة، أو اثنتين، لا يهمني، أقبل ما تتفقون عليه فيما بينكم. ما الذي تغير منذئذ؟ السفير المرشح، ديفيد فريدمان، في الاستماع في مجلس الشيوخ اضطر لان يسمع "أنا أعتقد" عن "الدولتين"، ومثله سفيرة الولايات المتحدة في الامم المتحدة. ليبرمان في مؤتمر في ميونخ مجد "الدولتين"، وكذا نتنياهو بنفسه في مقابلة مع شبكة تلفزيونية أميركية، أعاد بكلمة بكلمة الشعار القديم: دولة فلسطينية، سيطرة أمنية في غور الاردن واعتراف عربي باسرائيل كدولة يهودية.
اصراره الدقيق على ان يبقى في الغور سيطرة اسرائيلية امنية فقط لا يقول كل شيء. فاذا بقيت لاسرائيل استحكامات عسكرية فقط، فمنطقة الغور لمن ستكون، إن لم تكن لدولة فلسطينية؟ هل للقيصرية النمساوية الهنغارية؟ ينجم عن ذلك أن فرحة اليمين عن اخراج الشيطان الفلسطيني هو وهم، "كلام فاضي".
في ضوء الخطوات الكبرى التي اتخذها نتنياهو في زيارته لأميركا لتحقيق اهداف اليسار، لعله من المجدي لمعسكر السلام اعادة التفكير اذا كان مجديا اسقاطه. لعله من الافضل التخفيف عنه في قضية السيجار والشمبانيا، موني موزيس والغواصات، كي يكون متفرغا لما يجيد عمله حقا: الدفع الى الامام بالدولة الفلسطينية.