العرب وقضية الوقت

thumbgen (1)
حجم الخط
 

كلما لاحت فرصة للتسوية السياسية للقضية الفلسطينية، تجد دائماً من يخرج عليك بالقول لا ينبغى للأجيال الحالية أن تحجر على قادم الأجيال، وإذا كان الجيل الحالى قد عجز عن استرداد فلسطين من البحر المتوسط إلى نهر الأردن، فعليهم تجميد القضية ورفض كل محاولات التسوية السلمية، لأنها لن تؤدى إلى تسوية عادلة وشاملة، بل ستكون التسوية السياسية فى مصلحة إسرائيل التى ستحصل على أجزاء من الضفة الغربية المحتلة فى عدوان يونيو ١٩٦٧، وأجزاء من مدينة القدس الشرقية أو على الأقل نوع من السيادة المشتركة على المدينة المقدسة. يطالبون بترك المعركة للأجيال المقبلة التى عليها تحمل المسئولية التاريخية وحسم الصراع مع إسرائيل عسكرياً. هذا الحديث يكشف طبيعة العقلية العربية المستعصية على الفهم، تلك العقلية التى تعادى المعرفة وتتسم بسرعة النسيان ولا تستوعب دروس التاريخ المعاصر ناهيك عن الحديث والقديم، فهذه العقلية تتعامل مع الصراع العربى الإسرائيلى بجمود فكرى منقطع النظير، وعلى الرغم من سرعة إيقاع التغيير على أرض الصراع، فإن العقلية العربية تنطلق من وهم «الثبات فى طبيعة الصراع» يرفضون الحلول السياسية، ويطالبون بترحيل المسئولية إلى عاتق الأجيال المقبلة، وكأن الأوضاع تتسم بالثبات أو كأن قدرات العرب تتطور وتقترب من القدرات الإسرائيلية، لا يرون ما يجرى من تطور متسارع لمكونات القوة الإسرائيلية، من التهام متواصل للأراضى الفلسطينية، من بناء مستعمرات وتهديد للأرض، وأن العرب يقبلون ما كان معروضاً عليهم بعد أن يسحب من على طاولة البحث، فيعرض عليهم الأقل، ويرفضون، ثم يقبلون بعد سحب الأقل من على الطاولة، ليظهر الأقل منه وهكذا، دون أن يبادر من بيدهم القرار بالدخول جدياً فى تسوية سياسية تفرض تجميد الأوضاع ووقف عمليات التهويد والوصول إلى تسوية سياسية بحكم ما تقتضيه ظروف الواقع القائم، ثم بعد ذلك يبحث فى سبل التحسين والتجويد مثلما فعل الرئيس الراحل أنور السادات عندما قبل عام ١٩٧٩ استعادة سيناء منقوصة السيادة، ففى ذلك الوقت كانت هناك مستعمرة يهودية واحدة فى سيناء (مستعمرة ياميت) وقاد شارون بنفسه الجرافة التى بدأت فى هدم المستعمرة، ودخلت مصر فى قضية تحكيم دولى لاسترداد الكيلومتر الأخير من سيناء، وهى منطقة طابا وكسبت القضية، وهكذا استعادت مصر سيناء كاملة متكاملة بمساحة نحو ٦٤ ألف كيلومتر مربع، أى قرابة أربعة أضعاف مساحة إسرائيل بحدود الرابع من يونيو ١٩٦٧. هذا بعكس الحال فى الضفة الغربية والجولان السورى المحتل، ففى الضفة الغربية انتشرت المستعمرات اليهودية والتهمت قرابة نصف المساحة (البالغة نحو ٥٥٠٠ كيلومتر مربع) وكذلك الحال فى الجولان السورى المحتل.

ففى الصراع مع إسرائيل لم يتعلم العرب أن للوقت قيمة، وأن السياسة لا تقبل الأسر الفكرى والشعارات البراقة، فقد صدر قرار التقسيم رقم ١٨١ عام ١٩٤٩، الذى قسم أرض فلسطين بين اليهود (نحو ٥٤٪ من مساحة الأرض، والعرب ٤٥٪ من مساحة الأرض) مع تدويل مدينة القدس، وما حولها (١٪)، لم يكن قراراً مقبولاً من العصابات اليهودية، ولكن بن جوريون أقنعهم بأن العرب سوف يرفضون القرار، ومن يقبله اليهود وتصبح دولتهم عضواً فى الأمم المتحدة ولكل حادث حديث بعد ذلك، وهو ما حدث بالفعل، واندلعت حرب ١٩٤٨ التى انتهت بسيطرة إسرائيل على نصف المساحة التى خصصها قرار التقسيم للدولة الفلسطينية، فسيطرت إسرائيل على ٧٨٪ من مساحة فلسطين، وبقى للدولة الفلسطينية ٢٢٪ فقط من المساحة، وهى التى جرى احتلالها من قبل إسرائيل فى عدوان يونيو ١٩٦٧، واليوم تنهض التسوية على انسحاب إسرائيل من نحو ٨٠٪ من الضفة الغربية مع منح الفلسطينيين مساحة تعويضية من أرض النقب مع حلول وسط واقعية لقضيتى القدس واللاجئين، وفى الوقت الذى يرفض فيه العرب هذه التسوية، تواصل إسرائيل التهام وتهويد ما تبقى من أرض فلسطين.

عن الوطن المصرية