مشروع هيرتسوغ تجميل لوجه اليمين البشع

عبد الناصر النجار
حجم الخط

زعيم المعارضة ورئيس المعسكر الصهيوني أو بقايا اليسار في إسرائيل إسحق هيرتسوغ يرغب في إنقاذ إسرائيل من كارثة الدولة الواحدة ذات الغالبية العربية، بالعودة إلى خيار حل الدولتين بخطة من عشر نقاط.
ولكن ما هما الدولتان اللتان يرغب بهما؟ الدولة الأولى هي دولة السيطرة والضم والقوة العسكرية والاقتصادية المطلقة، أي الدولة اليهودية التي لن تكتفي بحدود العام 1948 ولا بحدود قرار التقسيم، وإنما هي دولة التوسع والضم.
فلا فرق جوهرياً بين مطالب الليكود واليمين الإسرائيلي بضم مناطق «ج» وشرعنة الاستيطان، وبين ضم الكتل الاستيطانية وفق هيرتسوغ، إذا ما اعتبرنا أن هذه الكتل تصل مساحتها إلى أكثر من 80% من مساحة الاستيطان في الضفة الغربية، وأنها أساس منع أي تواصل جغرافي لأراضي الضفة الغربية المتبقية، والتي لا تزيد مساحتها على 20% من أرض فلسطين التاريخية.
بمعنى أن ضفة غربية مع كتل استيطانية ليست فقط كقطعة جبنة سويسرية سهلة الالتهام في أي لحظة، وإنما أسوأ من ذلك، لأن المساحات التي ستستولي عليها هذه الكتل تعادل في النهاية مساحة المنطقة «ج»، فما هو الفرق إذن في الرؤية الاستيطانية بين مفهوم الليكود واليمين الإسرائيلي للحل وبين مفهوم هيرتسوغ؟ الإجابة لا فرق إلا لغوياً.
أما بالنسبة للدولة الثانية، وهي الدولة الفلسطينية التي يتحدث عنها على أساس حل الدولتين، فإنه يلعب على حبل الكلمات والشكل لا الجوهر، بمعنى أنه لا فرق بينه وبين نتنياهو في هذ الموضوع.
نتنياهو في تصريحاته الأخيرة التي جاءت من أستراليا تحدث عن حكم ذاتي للفلسطينيين، لأنه لا يمكن أن يخاطر بدولة ربما ستتحول في المستقبل إلى دولة يسيطر عليها الإرهاب الإسلامي حسب تعبيره، فهو يحاول بكل قوة الاستفادة من مصطلح «الإسلاموفوبيا» لنفي إمكانية حل الدولتين.
نتنياهو امتداد لبيغن الذي اعتبر أنه تنازل في «كامب ديفيد» ليصل إلى حكم ذاتي للفلسطينيين في حينه، بمعنى أن يدير الفلسطينيون أنفسهم بأنفسهم على صعيد الخدمات، ولكن ليست لهم علاقة بشيء آخر لا الأرض ولا الماء ولا السماء حتى...
نتنياهو يعود إلى هذا المفهوم، ولكن في إطار مختلف، وهو أن تمارس السلطة الفلسطينية دور حكومة الحكم الذاتي.. ولا مانع من أن يكون فيها وزراء ومسؤولون وأجهزة أمنية، ولكن فقط ضمن ما يقدم من خدمات تبدأ بتنظيف الشوارع، وصولاً إلى إيجاد حلول للصرف الصحي وتحمل عبء الصحة والتعليم.. ولكن، أيضاً، تحت الرقابة العسكرية الإسرائيلية.
هيرتسوغ يضع كثيراً من مساحيق التجميل على وجه الحل الليكودي، ويغير مصطلح الحكم الذاتي إلى دولة فلسطينية، ولكن بالمهام نفسها تقريباً، فهو يتحدث عن دولة فلسطينية منزوعة السلاح وتحت قبضة الجيش الإسرائيلي، الأمر الذي يعني احتلالاً غير مباشر، وأن الدبابات الإسرائيلية ستطل خارج حدود المدن الفلسطينية أو المناطق المسماة «أ».
فما الفرق بينهما سوى التلاعب بالكلمات أو تغيير المسميات لأن النتيجة النهائية دولة مسخ يريدها زعيم المعسكر الصهيوني، لا تختلف كثيراً عن سلطة الحكم الذاتي التي يريدها نتنياهو واليمين الإسرائيلي.
هيرتسوغ وكما نتنياهو يتحدثان عن السلام الاقتصادي ويتفقان على مفاهيم واحدة... نتنياهو يعتبر أن السلام الاقتصادي هو المفتاح المفقود، وبالتالي يجب أن يساهم العالم في تحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية للفلسطينيين، من أجل ترسيخ الحل السياسي على المقاس الإسرائيلي.
هيرتسوغ، أيضاً، يطالب بضرورة تحسين أوضاع الفلسطينيين بشكل دراماتيكي وبأدوات إقليمية ودولية من أجل تسريع الحل السياسي... ولم يبق إلاّ أن يطالب الدول العربية الغنية بتحمل مسؤولياتها في حل القضية الفلسطينية وكأنها هي سبب نكبة الشعب الفلسطيني.
أكثر من ذلك، يحاول هيرتسوغ العودة إلى طريق أوسلو ويرى أن الحل يجب أن يكون على مراحل، معتقداً أن محاولات حل الصراع مرة واحدة فشلت سواء في محادثات «كامب ديفيد» خلال ولاية إيهود باراك أو خلال المحادثات التي جرت في ولاية رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، إيهود أولمرت. وبالتالي الحل في رأيه يجب أن يكون مرحلياً، وبعد أن يتم التأكد من نجاح كل مرحلة تبدأ المرحلة الثانية.. بمعنى نسخة طبق الأصل عن طريق أوسلو الذي بدأ بسياسة الخطوة خطوة، غزة أولاً ثم أريحا ثم الانسحاب من المحافظات ثم تحديد خارطة الضفة الغربية بمناطق (أ) و(ب) و(ج) مقسمة تحت السيادة الأمنية والمدنية الإسرائيلية أو الفلسطينية... هذة الطريق التي كان من المفترض أن تنتهي خلال 5 سنوات... طال عمرها إلى نحو 20 سنة دون أن نصل إلى بداية دولة حقيقية...
حسب خطة هيرتسوغ، فإننا سنحتاج إلى خمسين سنة قادمة إذا ما نجحنا في اختبار القدرة في كل مرحلة من هذه المراحل الإسرائيلية، والنجاح هنا حسب الفهم الإسرائيلي هو في محاربة الإرهاب والحفاظ على أمن الدولة اليهودية، والإقرار بالتنازل عن أكثر من 80% من أرض فلسطين التاريخية... لعل وعسى إذا ما تحقق ذلك أن نصل إلى دولة منزوعة السلاح تحت رحمة الجيش الإسرائيلي، أي دولة مسخ.
أما بالنسبة لقطاع غزة فلا خلاف مطلقاً بين ما يطرحه الليكود واليمين الإسرائيلي وبين رؤية هيرتسوغ، وهو إخضاع القطاع بشكل كامل وتفريغه من فلسطينيته وهُويّته كي يصبح «سنغافورة»... ولكن على الطريقة الإسرائيلية.
باختصار خطة هيرتسوغ العشرية ما هي إلاّ «الماشطة» التي تحاول تجميل الطروحات البشعة لليكود واليمين الإسرائيلي.