بعد انتظار ممل وترقب، نشر القاضي الإسرائيلي المتقاعد يوسف شابيرا أمس، تقرير مراقب الدولة حول عملية "الجرف الصامد"، أي الحرب الإسرائيلية الثالثة على قطاع غزة. من عنوان التقرير، فإنه يصف الحرب "بالعملية" مثل بعضنا الذي يطلق عليها "عدوانا"، مجرد عدوان عادي وليست حرباً ضروساً، أعادت كما الحروب الإسرائيلية السابقة القطاع إلى العصر الحجري مع آلاف الضحايا من الشهداء والجرحى والمشردين.
ورغم الانتظار، من قبل الإسرائيليين، كما الفلسطينيين لهذا التقرير، إلاّ انه لم يفاجئ أحداً بمضامينه التي تسربت تباعاً خلال الأيام الأخيرة قبل إصداره، وما بين أيدينا الآن من هذا التقرير الذي طالعناه، مجرد ملخص لما جاء في التقرير المطول، كما أننا لسنا على اطلاع على ردود الفعل لما تناوله بسبب عامل الوقت الذي نتناول فيه هذا التقرير بعد دقائق من إصداره، إلاّ أننا نعتقد أن زبدة التقرير تم تناولها في الملخص الذي بين أيدينا، ولسنا بوارد تناول ما جاء في هذا الملخص الذي سيكون بين أيدي الجميع، إلاّ أننا سنحاول التوقف على ما تجنبه التقرير.. مجرد محاولة أولية وقراءة سريعة!
لم يتناول التقرير، ميزان القوى بين دولة تمتلك أحد أكبر الجيوش في العالم والمزود بأحدث أنواع الأسلحة التي لا يمتلك حلف الناتو بعضاً من أهمها، وبين مقاومة مسلحة بسلاح خفيف وصواريخ محلية الصنع، ومع ذلك، كان هناك انتصار إسرائيلي باهت مشكوك في مدى اقتناع الجمهور الإسرائيلي بجدواه، خاصة وأن تلك الحرب استمرت لأكثر من خمسين يوماً.
وعلى ذكر استمرار الحرب لكل هذا الوقت، لم يتناول التقرير "العقيدة الأمنية" الإسرائيلية التي تتمحور حول "الحروب القصيرة" غير المكلفة من حيث الخسائر من القتلى والخسائر ذات الطبيعة الاقتصادية، ولم يذكر التقرير في هذا السياق أن طول فترة الحرب، ورغم أيامها الأخيرة التي كانت أكثر تدميراً للبنية التحتية في قطاع غزة والموجهة تحديداً ضد المدنيين، كان بالإمكان التوقف عند الأيام الأولى، لأن نتائج تلك الحرب، كانت واضحة منذ البداية، وكان من الأجدى إيجاد وسيلة للتوقف طالما أن استمرار الحرب لن يغير من المعادلة وميزان القوة بين الجانبين.
وبينما تناول التقرير مسألة الاتفاق، بحيث لم يتعامل الجيش الإسرائيلي مع تهديدها بالشكل المطلوب، حيث وجدت عيوب وتقصيرات كثيرة نتيجة لعدم جمع معلومات كافية عنها، إلاّ أن التقرير لم يذكر أن هذا التقصير لا يمكن تبريره، ذلك أن الجيش الإسرائيلي لم يستخلص العبر من حقيقة خطف جلعاد شاليت عن طريق نفق عام 2006، منذ ذلك الوقت، كان هناك ما يكفي للتصدي للأنفاق وبحيث تصبح جزءاً من العقيدة الأمنية، بالنظر إلى اتساع الظاهرة وتزايد مخاطرها، كان هناك إنذار واضح، وخطر محدق، رغم ذلك تم التغاضي عنه والتعامل معه بإهمال وتجاهل.
لم يتناول التقرير، بالشكل الكافي، ما يسمى إسرائيلياً ببنك الأهداف، من الواضح خلال مسارات تلك الحرب، أنه لم تكن هناك أهداف ولم يكن هناك بنك، وبالأحرى كانت الأهداف في مجملها أهدافاً مدنية عشوائية ظاهرة ومعلنة، الأمر الذي ادى الى خسائر لا مبرر لها في الجانب المدني الفلسطيني، وهذا بحد ذاته يشكل خطراً على الدولة العبرية على المستوى الدولي، وتنكشف إسرائيل وجيشها لجهة أنه جيش بلا مبادئ إنسانية، كما أنه يؤدي إلى مزيد من تعاطف الجمهور الفلسطيني والتفافه حول المقاومة.
لم نتمكن بمطالعة الملخص من معرفة فيما إذا قدم التقرير توصيفاً محدداً لنتائج الحرب الثالثة على قطاع غزة أم لا، انتصار، نصف انتصار، هزيمة، هزيمة محدقة، ولكن في كل الأحوال، ورغم أن هذا التقرير لم ولن يفاجئ أحداً في إسرائيل، إلاّ أنه يشكل دليلاً على أن في الدولة العبرية، مؤسسات قادرة على المراقبة والمتابعة والمحاسبة، دولة مؤسسات لا تترك في نهاية الأمر للأفراد والأحزاب التلاعب بمصيرها وتخضع للأهواء والمصالح الضيقة والحسابات الأنانية.
تقرير مراقب الدولة، هذه المرة، يضع معظم المعلومات بين أيدي الجمهور الإسرائيلي، حق الجمهور بالمعرفة مبدأ يجب تعميمه دائماً، ولا يظل بين كواليس المؤسسات السياسية والأمنية، من المؤكد أن التقرير لم يتناول بالتفصيل بعض الجوانب التي اعتبر نشرها قد تسبب أضراراً ملموسة بالأمن، إلاّ أن ذلك لم يمنع مَن صاغه التركيز على جوانب بالغة الأهمية دون التذرع بالأسباب الأمنية.
ومن المتوقع، رغم تسريب مسبق لأهم ما جاء في التقرير، أن يستخدم من قبل المجمع السياسي ـ الأمني في إسرائيل لتصفية الحسابات والتحالفات والاتهامات على خلفية ما تضمنه من عناوين تشير في مجموعها إلى إخفاقات وتقصيرات كان من الممكن تلافيها!