كما هو معروف فإن لدى إسرائيل شغفا بالحروب، ولديها من الأسباب «الخاصة» بها ما يبرر هذه الحروب، وما يدعوها لاستحضارها والتجهيز الدائم لها، وهذه حكاية طويلة.
الحرب القادمة على ما يبدو ستكون قبل صيف هذا العام، وأغلب الظن أنها ستكون ضد «حزب الله»، وربما (وهذا مجرد احتمال ضعيف) ستكون هناك معركة وليست حرباً شاملة ضد «حماس» في غزة.
لكن لماذا «حزب الله» ولماذا قبل أو أثناء صيف هذا العام؟
عادةً فإن الحروب التي تشنها إسرائيل هي حروب استباقية لمنع «تهديدات» محتملة، وأحياناً تكون حروبها ردعية انتقامية في شكل ردود على عمليات عسكرية ضدها لمنع تكرارها أو لردع القائمين عليها.
الحرب القادمة لها «أهمية» كبيرة من وجهة النظر الإسرائيلية، وهي حرب تنطوي على عناصر كثيرة من المغامرة، وقد تصل الأمور إلى المقامرة نفسها، لكنها على ما يبدو وعلى الرغم من كل ما تنطوي عليه من أخطار أصبحت الحرب «الإجبارية».
حسب التقديرات الإسرائيلية ـ وعادة ما تكون هذه التقديرات مستندة إلى منظومة متراصة من المعلومات الاستخبارية ـ فإن «حزب الله» بات يمتلك أكثر من 150,000 صاروخ بما فيها تلك الصواريخ الدقيقة الإصابة.
كذلك وفق تقديرات لمصادر مختلفة فإن «حزب الله» أصبح يتربع اليوم على ترسانة معقدة من الأسلحة المتنوعة يمكن استخدامها للدفاع والهجوم على حد سواء، ويمكن استخدامها في البرّ والبحر، وربما في الجو، أيضاً، وخصوصاً الطائرات من دون طيار.
ويجمع معظم المراقبين أنه بات لدى «حزب الله» عدة آلاف من مقاتلي الصاعقة الذين اكتسبوا أعلى درجات التأهيل العسكري من خلال المشاركة في الحرب السورية الداخلية، بصورة ميدانية ومباشرة ومستمرة. ويرى معظم المراقبين أن الحرب في سورية قد أكسبت هؤلاء المقاتلين خبرةً لا تضاهيها في كل العالم أية خبرة مماثلة، حتى أن بعض هؤلاء المراقبين يرون بأن «حزب الله» قد أشرك في القتال الدائر هناك عدة عشرات آلاف المقاتلين من خلال التبديل الذي أجراه لقواته في المناطق السورية المختلفة.
إزاء هذا الوضع فإن سكوت إسرائيل على هذا الواقع يعتبر بكل المقاييس مستحيلاً، وعدم الذهاب إلى حرب ضد «حزب الله» يعتبر بكل المقاييس ردعاً لم تعتد عليه، وهي ترفض الاعتياد عليه مع أية جهة معادية لها.
ليس واضحاً فيما إذا كانت إسرائيل قد استخلصت العبر، من حرب تموز، وليس واضحاً فيما إذا كانت تمتلك القدرة الحقيقية على هذا الاستخلاص!!!
على كل حال فإن ما يمكن أن يشجع إسرائيل على شن هذه الحرب خوفها من أن يتم التوصل إلى حل سياسي في سورية في النصف الأول من هذا العام، وهو أمر سيحتم عودة الجزء الأكبر من هذه القوات إلى لبنان، وهو أمرٌ ربما سيصعب الحرب على إسرائيل أكثر مما هي صعبة، كما أن عودة هذه القوات ستكون مترافقة مع نقل كميات كبيرة من الأسلحة معها.
كما أن «استثمار» الترامبية في المرحلة الأولى والمبكرة منها مسألة قد لا تتكرر فرصتها، خصوصاً وأن «العداء» بين ترامب وإيران يمكن أن يتبدد لاحقاً ليتحول إلى حروب كلامية، وإلى «مجرد» مقاطعات اقتصادية، وهو الأمر الذي سيضعف من فرصة إسرائيل على ذلك الاستثمار.
ليس وارداً على الإطلاق أن تكون هناك حرب مباشرة ما بين إيران وإسرائيل أو ما بين أميركا وإيران أو كليهما مع إيران فهذه الحرب كإمكانية دفنت مع الاتفاق النووي مع إيران.
لو كانت الحرب مع إيران ممكنة لما تم التوصل أصلاً إلى الاتفاق النووي. والحرب ستكون دائماً بالوكالة، وأغلب الظن أن حرباً ضد «حزب الله» يمكن أن تكون الحرب بالوكالة بموافقة ترامب وربما تشجيعه طالما أن الحرب المباشرة غير ممكنة.
وعلى ذكر استحالة الحرب مع إيران أو صعوبة حدوثها أود أن أذكر القارئ/ة، أن الدكتور أحمد زكي اليماني (وزير النفط السعودي الأسبق) في محاضرة له في القاهرة أورد خمسة أسباب تمنع الحرب المباشرة مع إيران:
1 ـ تحكّم إيران بمضيق هرمز، والذي تمر فيه شاحنات النفط إلى أوروبا والعالم، والذي في حالة إغلاقه إما بسبب الحرب نفسها أو بفعل إيراني مقصود، سيؤدي إلى أزمة طاقة عالمية جديدة وبمقاييس يصعب على الاقتصاد العالمي تحملها ودفع تكاليفها. على هذا الصعيد ذكر الشيخ اليماني أن سعر برميل النفط يمكن أن يصل إلى 500 وربما 1000 دولار وهو رقم لا يمكن لأي اقتصاد أن يتحمله.
2 ـ في حالة نشوب حرب بين إسرائيل وإيران أو بين أميركا وإسرائيل من جهة وإيران من جهةٍ أخرى، فإن إيران ـ على ما يبدو ـ (والكلام هنا للشيخ اليماني) لن تتردد في ضرب القواعد الأميركية في الخليج، وربما لن تتردد في ضرب إسرائيل بكل طاقتها، إضافةً إلى ضرب مراكز حيوية للبلدان الخليجية.
3 ـ إيران من الناحية الموضوعية وبغض النظر عن الأسباب أصبحت اليوم «تقود» الأقليات الشيعية في عموم منطقة الإقليم، والأقليات الشيعية في منطقة الخليج العربي تحديداً، وهو الأمر الذي سيؤدي ـ في حالة قيام حرب شاملة مع إيران ـ من تحرك هذه الأقليات بصورة غير مسبوقة وربما بصورة عنيفة، ما يهدد الواقع السياسي والاجتماعي في عموم تلك المنطقة، وهي معركة لا يحتاجها أحد وهي أخطر من كل حرب ومن أية معركة.
4 ـ في حالة قيام حرب كهذه علينا أن نعرف ومنذ الآن أن إيران تسيطر في الواقع على العراق، ولها يد طويلة في سورية، وأصبحت قادرة على اللعب في الملعب اليمني، وهي قادرة على فرض المعادلة المناسبة لها في لبنان، كما أن لديها نفوذاً متزايداً لدى حركة حماس ولدى بعض الفصائل الفلسطينية الأخرى، وكل هذه الأوراق يمكن أن تندرج في إطار مجالات قوة للجانب الإيراني.
5 ـ إن لدى إيران قوة عسكرية لا يستهان بها، وقد تمكنت في مرحلة ما (مرحلة هدنة وتعايش مع الغرب) أثناء الحرب على أفغانستان والحرب على العراق من تطوير قدراتها بصورة خاصة، ووصلت إلى مستويات يحسب حسابها في المعادلة العسكرية.
إضافةً إلى كل ذلك فإن العمق السكاني والجغرافي وتوزع الموارد العسكرية لإيران، في هذين العمقين يقللان موضوعياً من القدرة السريعة على حسم الحرب معها، وهو الأمر الذي يحسب لصالح إيران في المعادلة الشاملة للحرب.
لكل هذه الأسباب فإن الحرب مع إيران هي حرب بالوكالة ولن تكون ـ على ما يبدو ـ حرباً بالأصالة، وليس لدى إسرائيل سوى الحرب على «حزب الله» الذي يمتلك عملياً كل ما تمتلكه إيران ولديه من القدرات ما بات عقبة أمام الردع الإسرائيلي في كامل منطقة الإقليم.
اليمين المتطرف في إسرائيل قد يهرب من خلال هذه الحرب من الأزمات التي يواجهها، وقد يطمح من خلال حرب كهذه إلى محاولة «تتويج» تفوقه وترجمة هذا التفوق إلى إنجازات سياسية حاسمة.
أما الحرب على غزة، فلها أبعاد أخرى، وهي ليست ولن تكون في المديات المرئية أكثر من حرب تكتيكية هدفها وقف التسلح في القطاع، مع ضمان بقاء القطاع منفصلاً عن الجسم الوطني الفلسطيني، وهي لن تغامر أبداً بإعادة توحيد هذا الجسم لأن ربحها للمعركة في غزة أقل بكثير من مكاسبها من بقاء حالة الانفصال.