قبل أيام، وعلى مدى يومين، انعقد في القاهرة مؤتمر عربي - دولي بدعوة من الأزهر ومجلس حكماء المسلمين حضره أكثر من مائتي شخصية من ستين دولة، من النخب الدينية والمدنية والثقافية والسياسية الإسلامية والمسيحية في الوطن العربي والعالم، وذلك تحت عنوان: «الحرية والمواطنة... التنوع والتكامل»، وكل هذا على أساس أن العيش المشترك بين مكونات هذه المنطقة قد تعرض في الفترة الأخيرة لتحديات داخلية وخارجية كثيرة، أخطرها في ظل تراجع الانتماء القومي، بروز الأمراض الطائفية والمذهبية واستشراء ظواهر التطرف والعنف بعد ظهور كثير من التنظيمات الإرهابية كـ«القاعدة» و«داعش» و«النصرة».
والأخطر أن الانتكاسات التي حلت بكل المحاولات الوحدوية العربية وبالأحزاب القومية قد أظهرت وكأن الصراع في هذه المنطقة لم يعد بين العرب وإسرائيل ولا بين القوى الاستعمارية الكونية وحركات التحرر العربي، بل بين المسلمين والمسيحيين وبين السنة والشيعة، وهذا كله قد بدا وكأنه أصبح متجذراً خلال سنوات الحرب الأهلية اللبنانية التي ساد اعتقاد، بسبب الأخطاء المتبادلة وبسبب التلاعب الإعلامي الغربي المقصود، بأنها حرب!! إسلامية - مسيحية، وهنا فإن أسوأ ما حدث هو أنه تم إطلاق صفة «الانعزاليين» على النصارى - الموارنة الذين دُفع بعض رموزهم دفعاً، طلباً للحماية، للتحالف، وإن مؤقتاً مع «دولة الكيان الصهيوني».
ولعل ما يشير إلى خطورة تراجع الالتزام القومي وضمور الفكرة القومية وذبول الروابط العروبية أن الصراع الذي أصبح متجذراً في هذه المنطقة قد اتخذ الطابع المذهبي والطائفي والديني، وإذْ إنَّ كل هذا الذي يجري في العراق وفي سوريا وفي لبنان... وفي اليمن أيضاً لم يعد ينظر إليه على أنه امتداد لـ«الشعوبية» القديمة بين العرب والفرس بل على أنه تزاحم وتناحر بين السنة والشيعة، وبخاصة أن إيران، التي غدت منذ عام 2003 بعد الغزو الأميركي لبلاد الرافدين تتدخل تدخلاً شائناً في الشؤون العربية الداخلية، قد رفعت شعارات طائفية بوصفها عناوين لهذا التدخل الذي لا يزال مستمراً ومتواصلاً ولا يزال يتخذ أشكالاً خطيرة متعددة وكثيرة.
بعد انتصار الثورة الخمينية في فبراير (شباط) عام 1979 أحس معظم العرب، على صعيد الشعوب وليس على صعيد الدول والأنظمة، أنَّ عمق صراعهم مع إسرائيل قد تجاوز خراسان نحو الشرق، وإن عهد شاه إيران وتهديداته ومماحكاته قد ولى ولن يعود، لكن المؤسف أن الأمور ما لبثت أن اتضحت على حقيقتها وثبت أن هذه الثورة محكومة بتطلعات طائفية ومذهبية ربما منذ أن كانت فكرة جاهر بها صاحبها من «قُمْ» في إيران ومن تركيا ثم من النجف ثم من الكويت، وإن مروراً، ثم من فرنسا، وأن الهدف بالتالي وبالأساس هو هذا الذي يجري الآن، وحيث بدا العراق حوزة طائفية وليس حوزة شيعية، وأصبحت سوريا معسكراً واسعاً لأكثر من ستين تنظيماً مذهبياً وليس شيعياً، من بينها «حزب الله» اللبناني الذي كان أعلن زعيمه ذات يوم قريب بافتخاره بـ«أنه مقاتل في فيلق الفقيه» وكل هذا في حين أُقحم اليمن، الذي لم يعرف ولا في أي يوم من الأيام هذا المرض الخبيث، في هذه الحرب التي أرادتها إيران للإطباق على المشرق العربي كله من خلال «هلال» يبدأ من «المخا» على البحر الأحمر، وينتهي عند آخر نقطة في جنوب لبنان.
لقد كان الحضور المسيحي ومن كل الطوائف مميزاً في مؤتمر الأزهر ومجلس حكماء المسلمين الذي انعقد في القاهرة وعلى مدى يومين، ولعل ما كان لافتاً أنه كانت لرئيس أساقفة كنيسة كانتربري جستن ويلبي، كلمة في هذا المؤتمر كما كانت هناك كلمة للمجلس الوطني لكنائس الولايات المتحدة الأميركية، وهنا، فلعل ما يجب أن يقال هو أن هذا الحضور المسيحي في هذا المؤتمر قد كان على أساس أن كل المسيحيين الذين حضروه من هذه المنطقة عرب، وأن كنائسهم عربية وفي مقدمتها الكنيسة القبطية.
في بداية هذا المؤتمر، الذي لم يبالغ ولم يتجن على الحقيقة عندما وصفه أحد كبار المشاركين بأنه «مؤتمر قومي عربي»، قال مار بشارة بطرس الراعي بطريرك إنطاكية الماروني إنَّ «ابتعادنا عن العروبة قد فتح الأبواب لكل أمراضنا الطائفية والمذهبية والمعروف كما أشرنا آنفاً إلى أن أخطر ما جرى خلال الحرب الأهلية اللبنانية الأخيرة هو أنها قد اتخذت طابع الصراع الديني بين المسلمين والمسيحيين وذلك مع أنها كانت مواجهة سياسية بين طرف كان قد استقوى على باقي أطراف معادلة ذلك الصراع بالمقاومة الفلسطينية»، التي ما كان يجب أن تُسْتدرج إلى ذلك الخطأ الفادح، وطرف آخر ما كان أمامه حفاظاً على وجوده، إلا أن يستنجد بالغرب الذي لم ينجده، وإلا أن يضطر للاستنجاد بالإسرائيليين الذين كانوا وما زالوا يريدون أن يتحول الصراع في هذه المنطقة من صراع عربي - إسرائيلي إلى صراع إسلامي - مسيحي وإلى صراع مذهبي سني - شيعي.
لقد بقيت الفترة منذ بدايات سبعينات القرن الماضي فترة مريضة بالفعل، فالصراع قد تحول بعدما أصبح الحكم في سوريا حكم الطائفيين العلويين وليس حكم الطائفة العلوية وبعدما تفجرت الحرب الأهلية اللبنانية بمعادلة دينية مقيتة، ولاحقاً بعدما أغرق الإيرانيون هذه المنطقة بهذا الذي يجري الآن بصراع ديني وطائفي ومذهبي، وهذا كله قد أدى إلى ما يمكن اعتباره بداية صحوة قومية على كل القوى الخيرة، إنْ دولاً وإن أحزاباً وإنْ مجموعات وجماعات عروبية، أن تلتقطها وأن تبادر للبناء عليها ليس بعقلية «الفزعات» الآنية... بل بعقلية العمل المنظم الدؤوب البعيد كل البعد عن تجربة أحزاب نهايات أربعينات وخمسينات القرن الماضي التي كانت بالمحصلة تجربة بائسة ورديئة لم تحقق أي إنجاز فعلي ولم تترك للأجيال العربية الصاعدة إلا تراثاً استبدادياً عنوانه أعواد المشانق ووجبات الإعدامات الجماعية والإفقار والسلب والنهب والمغامرات التي لم تجلب إلا الويلات والدمار والخراب.
الآن هناك ما يمكن اعتباره صحوة عروبية وقومية في العراق تحديداً؛ إذْ إنَّ كل هذه الأعوام من التدخل الإيراني في الشؤون العراقية الداخلية، الذي تم باسم الثأر التاريخي الكاذب، قد جعل العرب الشيعة أو الشيعة العرب يشعرون بثقل التهميش الذي طالهم خلال الفترة منذ عام 2003، وإلى الآن، مما يتطلب ضرورة استجابة سريعة عربية لهؤلاء قد تكون بداياتها الزيارة التي قام بها وزير الخارجية السعودي عادل الجبير قبل أيام إلى بغداد، التي هي بالفعل زيارة مهمة وموفقة.
كان يجب ألا يُترك الشيعة العرب في منطقة الفرات الأوسط، بل في جنوب العراق، وفي كل مكان من بلاد الرافدين تحت وطأة «التمذهب» الإيراني كل هذه الفترة الطويلة، لكن أن تأتي متأخراً خير من ألاّ تأتي أبدا، ما دام تململ «أهلنا وإخوتنا هؤلاء» قد انتقل إلى مرحلة التنظيم والعمل، وهنا فإن علينا أن ندرك أن العودة للعروبة، التي ابتعدنا عنها ففتحنا الأبواب لكل هذه الأمراض الطائفية والدينية، يجب أن تصبح همنا الأول وأنه علينا أن نبدأ الآن... الآن وليس غداً.
والأخطر أن الانتكاسات التي حلت بكل المحاولات الوحدوية العربية وبالأحزاب القومية قد أظهرت وكأن الصراع في هذه المنطقة لم يعد بين العرب وإسرائيل ولا بين القوى الاستعمارية الكونية وحركات التحرر العربي، بل بين المسلمين والمسيحيين وبين السنة والشيعة، وهذا كله قد بدا وكأنه أصبح متجذراً خلال سنوات الحرب الأهلية اللبنانية التي ساد اعتقاد، بسبب الأخطاء المتبادلة وبسبب التلاعب الإعلامي الغربي المقصود، بأنها حرب!! إسلامية - مسيحية، وهنا فإن أسوأ ما حدث هو أنه تم إطلاق صفة «الانعزاليين» على النصارى - الموارنة الذين دُفع بعض رموزهم دفعاً، طلباً للحماية، للتحالف، وإن مؤقتاً مع «دولة الكيان الصهيوني».
ولعل ما يشير إلى خطورة تراجع الالتزام القومي وضمور الفكرة القومية وذبول الروابط العروبية أن الصراع الذي أصبح متجذراً في هذه المنطقة قد اتخذ الطابع المذهبي والطائفي والديني، وإذْ إنَّ كل هذا الذي يجري في العراق وفي سوريا وفي لبنان... وفي اليمن أيضاً لم يعد ينظر إليه على أنه امتداد لـ«الشعوبية» القديمة بين العرب والفرس بل على أنه تزاحم وتناحر بين السنة والشيعة، وبخاصة أن إيران، التي غدت منذ عام 2003 بعد الغزو الأميركي لبلاد الرافدين تتدخل تدخلاً شائناً في الشؤون العربية الداخلية، قد رفعت شعارات طائفية بوصفها عناوين لهذا التدخل الذي لا يزال مستمراً ومتواصلاً ولا يزال يتخذ أشكالاً خطيرة متعددة وكثيرة.
بعد انتصار الثورة الخمينية في فبراير (شباط) عام 1979 أحس معظم العرب، على صعيد الشعوب وليس على صعيد الدول والأنظمة، أنَّ عمق صراعهم مع إسرائيل قد تجاوز خراسان نحو الشرق، وإن عهد شاه إيران وتهديداته ومماحكاته قد ولى ولن يعود، لكن المؤسف أن الأمور ما لبثت أن اتضحت على حقيقتها وثبت أن هذه الثورة محكومة بتطلعات طائفية ومذهبية ربما منذ أن كانت فكرة جاهر بها صاحبها من «قُمْ» في إيران ومن تركيا ثم من النجف ثم من الكويت، وإن مروراً، ثم من فرنسا، وأن الهدف بالتالي وبالأساس هو هذا الذي يجري الآن، وحيث بدا العراق حوزة طائفية وليس حوزة شيعية، وأصبحت سوريا معسكراً واسعاً لأكثر من ستين تنظيماً مذهبياً وليس شيعياً، من بينها «حزب الله» اللبناني الذي كان أعلن زعيمه ذات يوم قريب بافتخاره بـ«أنه مقاتل في فيلق الفقيه» وكل هذا في حين أُقحم اليمن، الذي لم يعرف ولا في أي يوم من الأيام هذا المرض الخبيث، في هذه الحرب التي أرادتها إيران للإطباق على المشرق العربي كله من خلال «هلال» يبدأ من «المخا» على البحر الأحمر، وينتهي عند آخر نقطة في جنوب لبنان.
لقد كان الحضور المسيحي ومن كل الطوائف مميزاً في مؤتمر الأزهر ومجلس حكماء المسلمين الذي انعقد في القاهرة وعلى مدى يومين، ولعل ما كان لافتاً أنه كانت لرئيس أساقفة كنيسة كانتربري جستن ويلبي، كلمة في هذا المؤتمر كما كانت هناك كلمة للمجلس الوطني لكنائس الولايات المتحدة الأميركية، وهنا، فلعل ما يجب أن يقال هو أن هذا الحضور المسيحي في هذا المؤتمر قد كان على أساس أن كل المسيحيين الذين حضروه من هذه المنطقة عرب، وأن كنائسهم عربية وفي مقدمتها الكنيسة القبطية.
في بداية هذا المؤتمر، الذي لم يبالغ ولم يتجن على الحقيقة عندما وصفه أحد كبار المشاركين بأنه «مؤتمر قومي عربي»، قال مار بشارة بطرس الراعي بطريرك إنطاكية الماروني إنَّ «ابتعادنا عن العروبة قد فتح الأبواب لكل أمراضنا الطائفية والمذهبية والمعروف كما أشرنا آنفاً إلى أن أخطر ما جرى خلال الحرب الأهلية اللبنانية الأخيرة هو أنها قد اتخذت طابع الصراع الديني بين المسلمين والمسيحيين وذلك مع أنها كانت مواجهة سياسية بين طرف كان قد استقوى على باقي أطراف معادلة ذلك الصراع بالمقاومة الفلسطينية»، التي ما كان يجب أن تُسْتدرج إلى ذلك الخطأ الفادح، وطرف آخر ما كان أمامه حفاظاً على وجوده، إلا أن يستنجد بالغرب الذي لم ينجده، وإلا أن يضطر للاستنجاد بالإسرائيليين الذين كانوا وما زالوا يريدون أن يتحول الصراع في هذه المنطقة من صراع عربي - إسرائيلي إلى صراع إسلامي - مسيحي وإلى صراع مذهبي سني - شيعي.
لقد بقيت الفترة منذ بدايات سبعينات القرن الماضي فترة مريضة بالفعل، فالصراع قد تحول بعدما أصبح الحكم في سوريا حكم الطائفيين العلويين وليس حكم الطائفة العلوية وبعدما تفجرت الحرب الأهلية اللبنانية بمعادلة دينية مقيتة، ولاحقاً بعدما أغرق الإيرانيون هذه المنطقة بهذا الذي يجري الآن بصراع ديني وطائفي ومذهبي، وهذا كله قد أدى إلى ما يمكن اعتباره بداية صحوة قومية على كل القوى الخيرة، إنْ دولاً وإن أحزاباً وإنْ مجموعات وجماعات عروبية، أن تلتقطها وأن تبادر للبناء عليها ليس بعقلية «الفزعات» الآنية... بل بعقلية العمل المنظم الدؤوب البعيد كل البعد عن تجربة أحزاب نهايات أربعينات وخمسينات القرن الماضي التي كانت بالمحصلة تجربة بائسة ورديئة لم تحقق أي إنجاز فعلي ولم تترك للأجيال العربية الصاعدة إلا تراثاً استبدادياً عنوانه أعواد المشانق ووجبات الإعدامات الجماعية والإفقار والسلب والنهب والمغامرات التي لم تجلب إلا الويلات والدمار والخراب.
الآن هناك ما يمكن اعتباره صحوة عروبية وقومية في العراق تحديداً؛ إذْ إنَّ كل هذه الأعوام من التدخل الإيراني في الشؤون العراقية الداخلية، الذي تم باسم الثأر التاريخي الكاذب، قد جعل العرب الشيعة أو الشيعة العرب يشعرون بثقل التهميش الذي طالهم خلال الفترة منذ عام 2003، وإلى الآن، مما يتطلب ضرورة استجابة سريعة عربية لهؤلاء قد تكون بداياتها الزيارة التي قام بها وزير الخارجية السعودي عادل الجبير قبل أيام إلى بغداد، التي هي بالفعل زيارة مهمة وموفقة.
كان يجب ألا يُترك الشيعة العرب في منطقة الفرات الأوسط، بل في جنوب العراق، وفي كل مكان من بلاد الرافدين تحت وطأة «التمذهب» الإيراني كل هذه الفترة الطويلة، لكن أن تأتي متأخراً خير من ألاّ تأتي أبدا، ما دام تململ «أهلنا وإخوتنا هؤلاء» قد انتقل إلى مرحلة التنظيم والعمل، وهنا فإن علينا أن ندرك أن العودة للعروبة، التي ابتعدنا عنها ففتحنا الأبواب لكل هذه الأمراض الطائفية والدينية، يجب أن تصبح همنا الأول وأنه علينا أن نبدأ الآن... الآن وليس غداً.
عن الشرق الأوسط