بعد أن استنفد كل الوقت المتاح له، أخيراً تمكن الزعيم الليكودي بنيامين نتنياهو من تشكيل حكومة جديدة، بعد سلسلة من المحادثات لاستقطاب شركاء جدد في ائتلافه الحالي المضطرب وغير المستقر بسبب حصوله على 61 مقعداً من أصل 120 في الكنيست الإسرائيلي.
كان نتنياهو سيتحالف مع الشيطان حتى يبقى لولاية أخرى في منصب رئيس الحكومة، وهو فعل ذلك من أجل إرضاء طموحاته، ذلك أنه الآن بهذه التشكيلة الائتلافية المتضعضعة يصبح محكوما لكافة الأحزاب التي شاركت في حكومته.
نتنياهو تحالف مع حزب "البيت اليهودي" الذي يتزعمه نفتالي بينت، فضلاً عن "شاس" و"يهودية التوراة" المتطرفين وحزب "كولانو" الذي يقوده موشيه كحلون، وجميع هؤلاء أرضاهم بحقائب وزارية حتى يضمنهم إلى جانبه، بالإضافة إلى أنه سيأخذ بعين الاعتبار مواقفهم السياسية عند إقلاع حكومته.
لا ينتظر أحد من نتنياهو أن يخترع حكومة على المقاس الفلسطيني، أو أنها ملتزمة بعملية السلام، خصوصاً وأن التجارب حُبلى بحكومات سابقة كلها نفذت المشروع الصهيوني الاستيطاني الإحلالي، من يسارها إلى يمينها، اللهم أن كل حزب ابتدع طريقته الخاصة وتفنن في قضم الأرض الفلسطينية.
قبل الإعلان عن الحكومة الجديدة، كانت السياسة الإسرائيلية تسير على خطى ثابتة، تجلى ذلك في ثلاثة مشاهد واضحة، الأول استهدف الطرق التقليدية في قتل الفلسطينيين وطمس هويتهم وإيذائهم كل الوقت، والثاني تمرير مشروعات استيطانية تستكمل الهدف الإسرائيلي لتطويق الجغرافيا وتصفية القضية الفلسطينية بالموت البطيء.
الأمر الثالث يتعلق بالفعل العنصري الصهيوني الذي لا يطال الفلسطينيين أينما كانوا وتواجدوا فقط، بل يطال أيضاً مواطنين إسرائيليين مصنفين من الدرجة الثانية أو الثالثة، إذ تجلت هذه الصورة قبل عدة أيام، على خلفية ضرب جنود إسرائيليين لرفيق لهم أسود البشرة.
إسرائيل تكرس العنصرية حتى في دارها وبين أفراد جلدتها، وهناك فرق كبير على سبيل المثال بين اليهودي الأوروبي الغربي ونظيره الشرقي، وبين أبناء عرب 48 واليهود الأفارقة والإثيوبيين، وهؤلاء الأخيرون غير مندمجين ولا مُدمجين في المجتمع الإسرائيلي ويتعرضون لتهميش قسري وفوقية عالية، بينما يعيشون في مناطق خاصة بهم.
هذه هي السياسة الإسرائيلية التي تسير على خطى ثابتة مثل سكة الحديد، وكل ما يحدث هو أن الحكومات تأتي وتتعاقب وتركب موجة السياسة التي وضعها المؤسسون الأوائل للدولة العبرية، والمعنى أن أي حكومة تحكم في إسرائيل إنما تمثل أجندة عنصرية متطرفة لا تحيد عنها.
ولأنه يمثل هذه السياسة قلباً وقالباً، بالإضافة إلى كونه يعشق الحكم ويرغب في ضرب الأرقام القياسية، لن يدخر نتنياهو جهداً إلا وسيبذله من أجل إعلان حكومته وتثبيتها.
ويدرك الرجل أن 61 مقعداً في الكنيست ليست كافية لتحصين حكومة ائتلافية، لذلك سيحاول توسيع حكومته لضمان بقائها مستقرة طيلة وقتها المحدد، الأمر الذي سيدفعه لإعادة النظر في استكمال مشاوراته مع أفيغدور ليبرمان، حليفه التقليدي زعيم حزب "إسرائيل بيتنا" الذي أعلن مؤخراً عدم انضمامه لائتلاف نتنياهو الجديد لما سماه خلافاً على "المبادئ".
إذا حصلت حكومة نتنياهو على ثقة الكنيست، فسيكون أمامها سيناريوهات قد تكون صحيحة ارتباطاً بواقع التغيرات الإقليمية والدولية، ومثلاً على الصعيد الفلسطيني، لن يحدث ذلك التغير الكبير على السياسة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين.
هذا يشمل المفاوضات ويشمل الموقف الإسرائيلي من الدولة الفلسطينية والاستيطان، وبالنسبة للمفاوضات إذا عاد الطرفان إليها، فليس أشطر من إسرائيل في استهلاك الوقت والمراوغة والتفنن في الكذب لنسفها وتحميل الفلسطينيين مسؤولية فشلها.
أما الدولة الفلسطينية فهذه قصتها محسومة عند نتنياهو الذي يدعي موافقته عليها بشرط الموافقة الفلسطينية على يهودية الدولة، ناهيك عن الطبيعة الخاصة لهذه الدولة كما طرحها نتنياهو من قبل، التي جرّدها من المعنى الحقيقي للدولة، وبالتالي مراوغة ابتزازية دنيئة تنسف قيام هذه الدولة التي يطوقها هذا الرجل بالاستيطان ويصيبها بالفشل الكلوي الذي يؤدي إلى موتها.
وفي طبيعة العلاقة مع الطرف الفلسطيني، لن يسمح شخص مثل نتنياهو بإضعاف حركة "حماس" عند الحد الذي لا يمكنها القيام بمسؤولياتها في إدارة ملف غزة، فهو سيوجه لها لكمات بين الوقت والآخر، وسيحافظ على قوتها التي تبقيها عند حدود القدرة على التعامل مع ملف الانقسام الفلسطيني الداخلي.
إسرائيل تدرك أن الوضع الدولي ليس في صالحها، لكنها تساوم على أوراق كثيرة تلعب بها حتى لا توافق على المطالب الفلسطينية، ومن ضمن هذه الأوراق الوضع العربي الذي لا يسر صديقاً بل عدوا، ذلك أن تل أبيب تستخدم النزاعات العربية حجة لتشديد قبضتها ضد الفلسطينيين.
أيضاً تستخدم الانقسام الفلسطيني الداخلي حجة لتعطيل جهود السلطة الفلسطينية في المحافل الدبلوماسية الدولية، وفي ذات الوقت تعمل بصمت من أجل إبقاء هذا الانقسام على نار هادئة، لأنه سيضمن لها السيطرة المستقبلية على مناطق حيوية وحساسة في الضفة الغربية.
ثمة من الفلسطينيين من يصرحون إلى الإعلام بأن حكومة نتنياهو الجديدة ضد السلام والاستقرار في المنطقة، وكأننا كنا أمام بعض من الحكومات التي تعاقبت على إسرائيل وسلمت بعملية السلام وجلبت الأمن إلى المنطقة!!
يكفي الحديث بهذه الطريقة السطحية، لأن كل حكومات إسرائيل منذ قيامها إلى يومنا هذا، كفرت بالقضية الفلسطينية وجعلت من المفاوضات سُلّماً للمضي بسياساتها ومشروعاتها الاستيطانية، وحكومة نتنياهو هذه ليست إلا أداة لتنفيذ تلك السياسات.
المراهنة على حكومة إسرائيلية تنشد السلام كمن يحرث في البحر تماماً، لأن الأحزاب الوسطية وتلك اليسارية الإسرائيلية، كلها تبحث عن مصالحها الضيقة، وحين تتحول من المعارضة إلى موقع صنع القرار، تجدها تلحس أجندتها وتطبق استراتيجية الدولة العبرية في تصفية القضية الفلسطينية.
إذا كنا نتحدث بكل صراحة ومسؤولية وطنية، فلابد أن نحاسب أنفسنا أولاً قبل أن نذهب إلى الآخر، لأن الانقسام الفلسطيني هو الذي يهدد السلام والاستقرار الداخليين، ولا يحقق التنمية أو يأتي بالدولة الفلسطينية المستقبلية، والأولى أن نُضمّد جراحنا وليس أن ندفن رؤوسنا في الرمل، أو على الأقل أن نتعلم ونستفيد من النموذج الإسرائيلي في بناء تحالفات تخدم مصلحة الدولة العبرية.
كان نتنياهو سيتحالف مع الشيطان حتى يبقى لولاية أخرى في منصب رئيس الحكومة، وهو فعل ذلك من أجل إرضاء طموحاته، ذلك أنه الآن بهذه التشكيلة الائتلافية المتضعضعة يصبح محكوما لكافة الأحزاب التي شاركت في حكومته.
نتنياهو تحالف مع حزب "البيت اليهودي" الذي يتزعمه نفتالي بينت، فضلاً عن "شاس" و"يهودية التوراة" المتطرفين وحزب "كولانو" الذي يقوده موشيه كحلون، وجميع هؤلاء أرضاهم بحقائب وزارية حتى يضمنهم إلى جانبه، بالإضافة إلى أنه سيأخذ بعين الاعتبار مواقفهم السياسية عند إقلاع حكومته.
لا ينتظر أحد من نتنياهو أن يخترع حكومة على المقاس الفلسطيني، أو أنها ملتزمة بعملية السلام، خصوصاً وأن التجارب حُبلى بحكومات سابقة كلها نفذت المشروع الصهيوني الاستيطاني الإحلالي، من يسارها إلى يمينها، اللهم أن كل حزب ابتدع طريقته الخاصة وتفنن في قضم الأرض الفلسطينية.
قبل الإعلان عن الحكومة الجديدة، كانت السياسة الإسرائيلية تسير على خطى ثابتة، تجلى ذلك في ثلاثة مشاهد واضحة، الأول استهدف الطرق التقليدية في قتل الفلسطينيين وطمس هويتهم وإيذائهم كل الوقت، والثاني تمرير مشروعات استيطانية تستكمل الهدف الإسرائيلي لتطويق الجغرافيا وتصفية القضية الفلسطينية بالموت البطيء.
الأمر الثالث يتعلق بالفعل العنصري الصهيوني الذي لا يطال الفلسطينيين أينما كانوا وتواجدوا فقط، بل يطال أيضاً مواطنين إسرائيليين مصنفين من الدرجة الثانية أو الثالثة، إذ تجلت هذه الصورة قبل عدة أيام، على خلفية ضرب جنود إسرائيليين لرفيق لهم أسود البشرة.
إسرائيل تكرس العنصرية حتى في دارها وبين أفراد جلدتها، وهناك فرق كبير على سبيل المثال بين اليهودي الأوروبي الغربي ونظيره الشرقي، وبين أبناء عرب 48 واليهود الأفارقة والإثيوبيين، وهؤلاء الأخيرون غير مندمجين ولا مُدمجين في المجتمع الإسرائيلي ويتعرضون لتهميش قسري وفوقية عالية، بينما يعيشون في مناطق خاصة بهم.
هذه هي السياسة الإسرائيلية التي تسير على خطى ثابتة مثل سكة الحديد، وكل ما يحدث هو أن الحكومات تأتي وتتعاقب وتركب موجة السياسة التي وضعها المؤسسون الأوائل للدولة العبرية، والمعنى أن أي حكومة تحكم في إسرائيل إنما تمثل أجندة عنصرية متطرفة لا تحيد عنها.
ولأنه يمثل هذه السياسة قلباً وقالباً، بالإضافة إلى كونه يعشق الحكم ويرغب في ضرب الأرقام القياسية، لن يدخر نتنياهو جهداً إلا وسيبذله من أجل إعلان حكومته وتثبيتها.
ويدرك الرجل أن 61 مقعداً في الكنيست ليست كافية لتحصين حكومة ائتلافية، لذلك سيحاول توسيع حكومته لضمان بقائها مستقرة طيلة وقتها المحدد، الأمر الذي سيدفعه لإعادة النظر في استكمال مشاوراته مع أفيغدور ليبرمان، حليفه التقليدي زعيم حزب "إسرائيل بيتنا" الذي أعلن مؤخراً عدم انضمامه لائتلاف نتنياهو الجديد لما سماه خلافاً على "المبادئ".
إذا حصلت حكومة نتنياهو على ثقة الكنيست، فسيكون أمامها سيناريوهات قد تكون صحيحة ارتباطاً بواقع التغيرات الإقليمية والدولية، ومثلاً على الصعيد الفلسطيني، لن يحدث ذلك التغير الكبير على السياسة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين.
هذا يشمل المفاوضات ويشمل الموقف الإسرائيلي من الدولة الفلسطينية والاستيطان، وبالنسبة للمفاوضات إذا عاد الطرفان إليها، فليس أشطر من إسرائيل في استهلاك الوقت والمراوغة والتفنن في الكذب لنسفها وتحميل الفلسطينيين مسؤولية فشلها.
أما الدولة الفلسطينية فهذه قصتها محسومة عند نتنياهو الذي يدعي موافقته عليها بشرط الموافقة الفلسطينية على يهودية الدولة، ناهيك عن الطبيعة الخاصة لهذه الدولة كما طرحها نتنياهو من قبل، التي جرّدها من المعنى الحقيقي للدولة، وبالتالي مراوغة ابتزازية دنيئة تنسف قيام هذه الدولة التي يطوقها هذا الرجل بالاستيطان ويصيبها بالفشل الكلوي الذي يؤدي إلى موتها.
وفي طبيعة العلاقة مع الطرف الفلسطيني، لن يسمح شخص مثل نتنياهو بإضعاف حركة "حماس" عند الحد الذي لا يمكنها القيام بمسؤولياتها في إدارة ملف غزة، فهو سيوجه لها لكمات بين الوقت والآخر، وسيحافظ على قوتها التي تبقيها عند حدود القدرة على التعامل مع ملف الانقسام الفلسطيني الداخلي.
إسرائيل تدرك أن الوضع الدولي ليس في صالحها، لكنها تساوم على أوراق كثيرة تلعب بها حتى لا توافق على المطالب الفلسطينية، ومن ضمن هذه الأوراق الوضع العربي الذي لا يسر صديقاً بل عدوا، ذلك أن تل أبيب تستخدم النزاعات العربية حجة لتشديد قبضتها ضد الفلسطينيين.
أيضاً تستخدم الانقسام الفلسطيني الداخلي حجة لتعطيل جهود السلطة الفلسطينية في المحافل الدبلوماسية الدولية، وفي ذات الوقت تعمل بصمت من أجل إبقاء هذا الانقسام على نار هادئة، لأنه سيضمن لها السيطرة المستقبلية على مناطق حيوية وحساسة في الضفة الغربية.
ثمة من الفلسطينيين من يصرحون إلى الإعلام بأن حكومة نتنياهو الجديدة ضد السلام والاستقرار في المنطقة، وكأننا كنا أمام بعض من الحكومات التي تعاقبت على إسرائيل وسلمت بعملية السلام وجلبت الأمن إلى المنطقة!!
يكفي الحديث بهذه الطريقة السطحية، لأن كل حكومات إسرائيل منذ قيامها إلى يومنا هذا، كفرت بالقضية الفلسطينية وجعلت من المفاوضات سُلّماً للمضي بسياساتها ومشروعاتها الاستيطانية، وحكومة نتنياهو هذه ليست إلا أداة لتنفيذ تلك السياسات.
المراهنة على حكومة إسرائيلية تنشد السلام كمن يحرث في البحر تماماً، لأن الأحزاب الوسطية وتلك اليسارية الإسرائيلية، كلها تبحث عن مصالحها الضيقة، وحين تتحول من المعارضة إلى موقع صنع القرار، تجدها تلحس أجندتها وتطبق استراتيجية الدولة العبرية في تصفية القضية الفلسطينية.
إذا كنا نتحدث بكل صراحة ومسؤولية وطنية، فلابد أن نحاسب أنفسنا أولاً قبل أن نذهب إلى الآخر، لأن الانقسام الفلسطيني هو الذي يهدد السلام والاستقرار الداخليين، ولا يحقق التنمية أو يأتي بالدولة الفلسطينية المستقبلية، والأولى أن نُضمّد جراحنا وليس أن ندفن رؤوسنا في الرمل، أو على الأقل أن نتعلم ونستفيد من النموذج الإسرائيلي في بناء تحالفات تخدم مصلحة الدولة العبرية.