انتقد بعض كتاب الرأي في إسرائيل، وسائل الإعلام الإسرائيلية التي لم تغط بما فيه الكفاية زيارة نتنياهو الأخيرة إلى موسكو مقارنة بتلك التغطية التي أولتها لزيارة رئيس الحكومة إلى واشنطن، هذا البعض رأى أن قمة موسكو أكثر أهمية من قمة واشنطن، فالأولى تتعامل مباشرة مع مستقبل أمن الدولة العبرية على خلفية مستقبل الأوضاع في سورية والذي باتت موسكو تتحكم به كما تتحكم بخريطة المنطقة في المستقبل، بينما قمة واشنطن تتعامل مع سياسة غامضة مرتبطة لا يمكن الوثوق بها والتعامل معها على الرغم من الدعم الاستثنائي من قبل إدارة ترامب للدولة العبرية.
ولعل في ذلك الكثير من الصحة، فقد استمعت لأحد الخبراء الروس يتحدث في أحد برامج (بي بي سي)، معلقاً على زيارة نتنياهو لموسكو، فقد أشار إلى أن هذا الأخير حاول أن يتحدث عن «عيد البوريم» الذي تصادف مع موعد القمة، إنه يتحدث عن خلاص اليهود من حكم الإمبراطورية الفارسية، أراد نتنياهو من ذلك فتح ملف إيران، إلاّ أن رد بوتين جاداً بالقول: نحن نعيش الآن في عالم مختلف، وما يهم في حديث هذا الخبير ما قاله بشأن الملف السوري الذي ناقشه نتنياهو مع بوتين، يقول: كان من الواضح أن الأول أعرب عن قلق متزايد من قدرات الجيش السوري بعد إنجازاته على الساحة السورية، الأمر الذي من شأنه أن يزيد من احترافيته وخبرته وقدرته على استخدام الأسلحة الحديثة، وحديث نتنياهو هذا إشارة إلى أن تزويد موسكو بالسلاح الحديث لسورية، يعتبر تهديداً لأمن إسرائيل، ومع اقتراب التوصل إلى حل سياسي في سورية، فإن ذلك مدعاة لوضع «ملف الجولان» في إطار ذلك الحل، وهناك خشية إسرائيلية من أن ذلك قد يؤثر على قرارها بضم الجولان، خاصة إذا ما ظلت إيران قادرة بحكم تواجدها العسكري على الأراضي السورية، مباشرة أو من خلال حلفائها، على توتير الأوضاع على الحدود السورية معها. الملف الإيراني الذي تم تداوله في قمة نتنياهو - بوتين، تناول الدور الإيراني المحتمل على هذا الصعيد من خلال إشارة الأول إلى أن طهران التي باتت تسيطر تقريباً على مداخل الخليج العربي وبحر العرب، باتت أقرب إلى السيطرة على ساحل المتوسط من خلال حضورها الأمني والعسكري في سورية ولبنان، الأمر الذي يشكل خطراً متزايداً على أمن الدولة العبرية، وهذا يتعارض مع المصالح الروسية، إذ إن هناك قواعد عسكرية روسية على المتوسط في سورية، وهي قواعد تتزايد باستمرار، ولموسكو مصلحة ما في الإبقاء على علاقات طيبة مع طهران، لأسباب عديدة، من بينها نفوذها في منطقة المتوسط هذه والتي باتت تعتبر مجالاً حيوياً للنفوذ الروسي في المنطقة، والذي من المحتمل أن يتمدد أكثر ليصل إلى سواحل المتوسط الجنوبية من خلال التركيز على الساحل الليبي الذي يعتبر الساحل الأطول من كافة سواحل الدول المطلة على المتوسط شمالاً وشرقاً وجنوباً!
بضغط من موسكو، كانت إسرائيل ألغت صفقة بيع طائرات بلا طيار إلى أوكرانيا العام الماضي، حاول نتنياهو تذكير بوتين بالأمر، بهدف الضغط للحصول على مقابل من شأنه أن يوقف الدعم العسكري بالأسلحة الحديثة للجيش السوري، إلاّ أن نتنياهو لم يفهم أن هذا الدعم مطلوب بشكل أكبر وأهم بالنظر إلى المصالح المرتبطة بالنفوذ الروسي، فالجيش السوري وحلفاؤه، هو الأداة الأكثر أهمية لكي تنجح القوة الجوية الروسية في ملاحقة الإرهاب على الأرض السورية.
أراد نتنياهو، تحت شعار عدم الاحتكاك العسكري بين القوات الروسية، الجوية منها على وجه الخصوص، وجيش الاحتلال الإسرائيلي، خاصة الجوية منها، عند الإغارة المتواترة على الأجواء والأراضي السورية، وقد قيل الكثير عن هذا الاتفاق، الذي تبين أثر الرد السوري الصاعق على الغارات الأخيرة، وتوجيه الأسلحة المضادة للطيران، روسية الصنع على هذه الغارات، إلى أن أي تقارب روسي ـ إسرائيلي، لن يمنع الجيش السوري من الرد، وأن المسألة كانت تتعلق بعوامل أخرى في تأخير مثل هذا الرد، وبعد أن تغيرت قواعد اللعبة على المسرح السوري والطيران الإسرائيلي المغير، تبين أن نتنياهو لم ينجح في إقناع بوتين بتبني وجهة نظره إزاء هذه المسألة.
ويمكن القول ـ أكثر من ذلك: إن لروسيا مصلحة بعدم استمرار العربدة الإسرائيلية الجوية منها على وجه الخصوص، وضرب ما تقول إسرائيل أسلحة روسية وإيرانية «مهربة» من سورية إلى حزب الله في لبنان، إذ إن مثل هذه الأسلحة، لحلفاء روسيا في المنطقة، حلفاء يقاتلون معها، وهم، أيضاً، ضمانة لدور روسي مستقبلي في المنطقة، لإسرائيل تحالفاتها القوية والإستراتيجية مع الولايات المتحدة التي تنافس روسيا على هذا الدور والنفوذ، وقوة الحلفاء من قوة روسيا، وبعيداً عن التصريحات الدبلوماسية، فإن السياسة الروسية تأخذ بالاعتبار أن خارطة مستقبل المنطقة، يجب أن تلبي المصالح الروسية، ولهذا هي في هذا المكان من العالم، تريد موسكو أن ترسم الخارطة التي ستتعارض بالتأكيد مع المصالح الإسرائيلية ـ الأميركية، ولهذا لا يجب الإصغاء إلى التصريحات، بل إلى حقائق الواقع على الأرض!!