واصل موظفو السلطة الفلسطينية في قطاع غزة، فعالياتهم الاحتجاجية الرافضة لقرار الحكومة بإجراء خصومات على رواتبهم، لليوم الرابع على التوالي.
واحتشد الآلاف من موظفي السلطة الفلسطينية، اليوم السبت، في ساحة "السرايا" وسط مدينة غزة للتنديد بقرارات الخصم التي طالت رواتب الموظفين، مطالبين بإقالة حكومة الدكتور رامي الحمد الله، كإجراء أولي على المجزرة التي تلقتها رواتبهم.
وفي هذا الإطار، قال المحلل السياسي وأستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر ناجي شراب، إن هذه المظاهرات والاحتجاجات التي شهدتها أرض السرايا بغزة، وحضرها آلاف المواطنين لم تكن قاصرة على الموظفين فقط ، بل شملت جميع أطياف وشرائح الشعب الفلسطيني.
من جهته، اعتبر المحلل السياسي وأستاذ العلوم السياسية في جامعة الأمة حسام الدجني، أن الجمع الغفير الذي خرج موحداً اليوم، يحمل العديد من الرسائل للقيادة الفلسطينية، مفادها أن الشعب الفلسطيني لا يقتصر على شريحة الموظفين، بل أنه متوحد بكافة شرائحه وفصائله.
رسائل المتظاهرين
وأوضح شراب خلال حديثه لوكالة "خبر"، أن الرسالة التي خرجت من أرض السرايا تأتي في إطار التأكيد على وحدانية الأرض الفلسطينية، ورفض مظاهر الانفصال والانقسام، بالإضافة إلى التأكيد على المواطنة الفلسطينية والالتزام بالشرعية السياسية، مشيراً إلى أن الراتب يبقى مجرد دافع للموظف الفلسطيني للخروج في المظاهرات.
وبيّن الدجني في حديث خاص بوكالة "خبر"، أن المظاهر ات خرجت للتنديد بسياسة التمييز التي تتبعها حكومة الحمد لله بين غزة والضفة، مضيفاً أنها جاءت لرفض اجراءات منفردة تتخذها الحكومة ضد قطاع غزة.
وأشار شراب إلى أن الرسالة الأخرى في مفهومها الضيق، تفهم في إطار المطالب المادية والظلم الاجتماعي والوظيفي والتمييز بين موظفي غزة والضفة الذي يتناقض مع القانون والدستور الفلسطيني، وذلك عقب التبريرات التي قدمتها الحكومة على لسان الناطق باسمها يوسف المحمود.
وأكد الدجني على أن خيارات الجمهور لا تقتصر على هذه المظاهرات، حيث أنها من الممكن أن تمتد إلى الاعتصامات المفتوحة أمام مقر الاتحاد الأوروبي ومنازل قيادات حرك فتح، وأيضاً التقاضي المحلي والدولي للسلطة الفلسطينية، كونهم أُجبروا على الاستنكاف عن العمل، مستندين لمرسوم رئاسي من الرئيس محمود عباس في حينه.
ونوه شراب، إلى أن الخيارات المتاحة تتمثل بما سيخرج به اجتماع اللجنة المركزية لحركة فتح اليوم، باعتباره هو من يقرر عودة الرواتب من عدمها، ما يعطى تصوراً للحكومة أنها أداة إدارية للجنة المركزية.
ولفت الدجني إلى أن نتائج هذه المظاهرات تتوقف على قوة الفعل والتأثير، حيث أن قوة التأثير على أعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح، يعتمد على قوة الجماهير ومطالب الموظفين، ومدى حضوره في الاجتماع.
التراجع وإقالة الوزراء
قال شراب، إن الحكومة لا يمكن أن ترفض الاستجابة لمطالب اللجنة المركزية كون ذلك يشكل موقفاً محرجاً لها، مستبعداً استقالة حكومة الحمد لله بسبب أنها تمثل توافق وطني، وتستمد شرعيتها من اتفاق مخيم الشاطئ بين حركتي حماس وفتح الفصائل الفلسطينية، علاوة على أنها تشكل مصلحة وطنية فلسطينية، وأيضاً مبرر لحركة حماس في تشكيلها حكومة أخرى.
وبيّن الدجني، أن تراخي الموظفين في الدفاع عن حقوقهم، سيدفع بالحكومة نحو مزيد من التمسك بقراراتها، بحيث أنها ستلجأ إلى امتصاص الغضب من خلال بث الشائعات والأخبار غير الدقيقة، داعياً الجماهير في الشارع والقيادة التي تقود هذه الجماهير، إلى اللجوء لخطوات تصعيدية من أجل ضمان الاستجابة الكاملة، والتراجع عن الخطأ الفادح المتمثل بهذا القرار.
أزمة مالية خانقة
من جانبه، قال الناطق باسم الحكومة يوسف المحمود، إن الأزمة المالية مستمرة، مشيراً إلى أن حكومته بدأت سياسة التقشف المالي في ملف الأمن.
وأوضح شراب أن الأزمة المالية قائمة، ولا يستطيع أن ينكرها أحد، مبيّناً أن أسباب الأزمة على مستوى الموازنة، تتمثل في هدر الأموال وازدواجية الموازنة وعدم وحدانية الضرائب والنفقات الكبيرة بغزة والضفة، بالإضافة إلى التعينات الكبيرة في الضفة، وحجب إسرائيل للضرائب.
في حين، رفض الدجني تصريحات الحكومة، وذلك لأن سياسة التقشف تم تطبيقها على غزة التي تعاني من حصار، بمعزل عن الضفة، مشيراً إلى أن تطبيق القرار يكون على المناطق المزدهرة بالضفة، ومن ثم الانتقال إلى غزة بنسب معقولة.
واعتقد شراب أن خصم رواتب الموظفين بغزة ليس مبرراً للأزمة المالية، حيث أنه جاء بناءً على دافع سياسي هدفه إيصال رسالة لحركة حماس، بضرورة تحملها مسؤولية القطاع خاصة ملف الموظفين، مشيراً إلى أن هذا الإجراء يُراد منه الضغط على حماس، من أجل الذهاب للانتخابات الرئاسية والتشريعية.
وأشار الدجني إلى أن القرار لم يستهدف المستنكفين عن العمل فحسب، بل طال من على رأس عمله، موضحاً أن أبناء القطاع لن يقبلوا بأن يكونوا حمولة زائدة، خاصة أن كل مؤشرات الرقابية تشير إلى أن غزة تزيد في موازنة الحكومة ولا تُنقصها.
أبعاد الأزمة الراهنة
أوضح شراب، أن استمرار قرار الخصومات، سيكون له تداعيات سياسية على صعيد حركة فتح من خلال فقدان وجودها التنظيمي في قطاع غزة، على الرغم من احتضانها للمظاهرات والتزامها بالمطالب الشعبية، مؤكداً على أن ضعف القدرة الشرائية والانهيار الاقتصادي بالقطاع والتنصل من دفع الضرائب، يشكل ضغطاً مباشراً على حركة حماس نحو حل سياسي.
وأضاف الدجني، أن استمرار قرار خصومات رواتب الموظفين سيؤدي إلى انفصال قطاع غزة عن الضفة سياسياً واقتصادياً، الأمر الذي سينعكس سلباً على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، داعياً الرئيس إلى النظر بعين الرأفة لأبنائه بالقطاع، من خلال التراجع عن القرار الظالم.
سيناريو المشهد القادم
وتوقع شراب أن يتم الاستجابة لمطالب الجموع الغاضبة، بشكل جزئي، من خلال إعادة النظر بالظروف التي يمر بها الموظف والأزمة المالية للحكومة، وتخفيض نسبة الخصم.
وأكد الدجني، على أن استمرار الحراك واتخاذ خطوات تصعيدية بمشاركة جماهيرية أوسع، وعمل الفصائل بمسؤولية أكبر سيؤدي في نهاية المطاف إلى التراجع عن القرار، منوهاً إلى أن انخفاض حدة ردة الفعل، سيجعل من القرار نافذاً، وستكون غزة أمام وضع اقتصادي واجتماعي أسوأ.
وعم الغضب الشعبي شوارع غزة منذ يوم الأربعاء المنصرم، عقب اقتطاع الحكومة الفلسطينية ما نسبته 30% إلى 40% من رواتب موظفي السلطة الفلسطينية بغزة، حيث اتخذ موظفو السلطة خطوات احتجاجية ووقفات رافضة للقرار منذ ذلك الحين.