فاجأت رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي حلفاءها وخصومها السياسيين على حد سواء، حين دعت البرلمان للتصويت على تقديم موعد الانتخابات المقررة عام 2020، وذلك لتفادي المضاربات في الأولويات في المراحل الأخيرة الحاسمة من محادثات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي التي تستمر مدة عامين، حسب وصفها.
ماي التي كانت قد تولت مقاليد الحكم عقب استقالة سلفها ديفيد كاميرون، بعد تصويت الشعب البريطاني لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي، العام الماضي، تسعى لتثبيت حزبها في الحكم، خشية أن يحدث الانقلاب بعد عامين، وتنتقل رئاسة الوزراء لحزب العمال المعارض، حيث إن استطلاعات الرأي تمنح حزب المحافظين الآن مائة مقعد إضافي في الانتخابات التي تقررت في الثامن من حزيران القادم، بما يدعم خطة ماي للخروج من الاتحاد الأوروبي، ومواجهة ضغط اسكتلندا التي تهدد بإعادة الاستفتاء على البقاء في المملكة المتحدة، لأنها تعارض خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
بريطانيا، الدولة الأوروبية التي تعتبر أكثر دولة مركزية في أوروبا مؤيدة للولايات المتحدة ومتحالفة معها، والتي بخروجها من الاتحاد الأوروبي، أضعفت من حالة الاتحاد ومن طموحه في أن يكون ندا دوليا للولايات المتحدة، أو على الأقل، أن يقلل من تبعية أوروبا للولايات المتحدة، كما كان حالها أيام الحرب الباردة، تسعى بتثبيت حكم تيريزا ماي وحزب المحافظين، إلى تثبيت خيارها بالخروج من الاتحاد الأوروبي وتعزيز وجهة الولايات المتحدة بإعادة السيطرة المنفردة على العالم، وقطع الطريق على طموحات عدد من الدول لأن تشكل أقطابا دولية، منها الاتحاد الأوروبي.
قبل الوصول إلى حزيران القادم، تبقى محطة باريس، في غاية الأهمية، نظرا إلى أن فكرة الاتحاد الأوروبي تقوم على دولتين مركزيتين في أوروبا، هما ألمانيا وفرنسا، وحيث أن ألمانيا تحلم بأن تنزع عن كاهلها عبء " الاحتلال " الأميركي الذي ما زالت بعض مظاهره قائمة في برلين منذ عام 1945 حتى اليوم، فإن فرنسا التي تعتبر نموذج الانفتاح الأوروبي على الجنوب، تمثل أهم دولة مؤيدة للاتحاد الأوروبي بعد ألمانيا، لذا فإن انتخابات الرئاسة الفرنسية التي ستجري بعد يوم غد _ الأحد _ تعتبر بدورها في غاية الأهمية.
لقد جاء انتخاب الرئيس الجمهوري الأميركي دونالد ترامب، المفاجئ للمتابعين والمراقبين في كل أنحاء العالم، ليعيد وجهة البوصلة الخارجية الأميركية، على عكس ما كانت عليه خلال 8 سنوات مضت من الحكم الديمقراطي، الذي حاول أن يظهر بمظهر من يقود العالم، بشكل حضاري، أو دون إكراه وقسر، والذي منح أولويته للسيطرة من خلال إجراء تحولات ديمقراطية في الشرق الأوسط ( الربيع العربي )، لذا فان انتخاب ترامب، سيعيد أميركا لطريق فرض هيمنتها بالقوة والإكراه، على الشرق الأوسط والعالم، كما كان حال الرئيس الجمهوري الأسبق جورج بوش الابن، الذي تابع الحرب في أفغانستان، وقام باحتلال العراق عسكرياً.
ورغم انه من شبه المستحيل توقع فوز اليمين المتطرف الفرنسي، إلا ان مرشحته ماريان لوبان تتقدم قائمة المرشحين في استطلاعات الرأي، حيث من المرجح أن لا يفوز أي مرشح من الجولة الأولى، نظرا لأن انتخابات الرئاسة هذا العام تشهد تنافساً حاداً بين خمسة مرشحين، يتوزعون على القوس السياسي من اليسار الاشتراكي إلى اليمين القومي والوسط، لدرجة أن يمتنع الرئيس الحالي، في سابقة عن الترشح لولاية ثانية، لذا فان جولة الإعادة ستكون حاسمة، حيث سيكون اليمين المتطرف ماريان لوبان طرفاً فيها !
لأول مرة منذ 15 عاما، تحظى الجبهة الوطنية بأمل واقعي بالفوز، فيما سيكون على الأغلب منافسها واحداً من اثنين هما : ايمانويل ماكرون المرشح الشاب مؤسس حزب "إلى الأمام" ذي الأصول الاشتراكية والمحسوب على الوسط، وفرنسوا فيون مرشح يمين الوسط، أي أن اليسار الاشتراكي بعيد عن الفوز.
بضعة أسابيع قادمة ستكون حاسمة جدا، حيث ستحدد انتخابات الإعادة في السابع من أيار سيد الإليزيه، فيما ستحدد الانتخابات العامة في بريطانيا التي ستجري في الثامن من حزيران، من سيجلس في 10 داوننج ستريت بلندن، وبذلك سيتحدد المستقبل السياسي لأوروبا، وفيما إذا كانت القارة العجوز ستسير على طريق التبعية والطاعة للولايات المتحدة، أم أنها ستشق طريقها منفردة، كند للولايات المتحدة أو كقطب دولي .
في الحقيقة فان وجه أميركا الجديد قد أفصح عنه ترامب حين قام بقصف مطار الشعيرات العسكري في سورية، ثم حين قام بإلقاء " أم القنابل " على داعش في أفغانستان، ثم واصل التهديد لكوريا الشمالية، بما وضع العالم على شفير حرب عالمية ثالثة، أو على اقل تقدير أعاد للأذهان حالة التوتر الدولي التي نجمت عن " خليج الخنازير " بين الولايات المتحدة وكوبا في ستينيات القرن الماضي، ورغم انه من المستبعد جدا، أن تندلع الحرب بين أميركا وكوريا الشمالية، بسبب قوة الردع النووي لدى بيونغ يانغ، إلا أن السياسة الخارجية الأميركية ستبحث عن " العدو " الأضعف، فتقوم بشن الحرب عليه.
ربما تكون إيران هي الوجهة، هذه المرة، خاصة وأنها كانت مرشحة بعد العراق، ضمن سلسلة الدول العدوة، وبعد أن صوتت تركيا لصالح تعزيز قوة اردوغان، وبعد أن قويت شوكة روسيا عسكريا وسياسيا وشوكة الصين اقتصاديا، يبدو أن كل ذلك قد دفع الولايات المتحدة، لفقدان أعصابها وحتى للجنون السياسي، الذي لن يهدأ إلا بشن حرب ما في مكان ما.