أعلنت حركة حماس، مساء أمس الإثنين، خلال مؤتمر صحفي لرئيس المكتب السياسي خالد مشعل في العاصمة القطرية الدوحة، وثيقتها السياسية الجديدة، والتي أصدرتها تحت عنوان "وثيقة المبادئ والسياسات العامة".
وقال مشعل، إن الوثيقة تعد جزءًا من أدبيات الحركة بما يعكس التطور الطبيعي والتجدد في مسيرتها للأمام، مشيراً إلى أنها "تقوم على منهجية متوازنة بين الانفتاح والتطور والتجدد دون الإخلال بالثوابت والحقوق للشعب الفلسطيني".
ميثاق عام 88 ووثيقة 2017
قال المحلل السياسي وأستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر د. ناجي شراب، إن الوثيقة الجديدة التي أصدرتها حماس، طرأ عليها تغيراً لفظياً وليس جوهرياً، وذلك في إطار التكيف الدولي مع المعطيات الجديدة، واكتساب مزيداً من الشرعية الدولية.
من جهته، أوضح المحلل السياسي وأستاذ جامعة الأمة د. حسام الدجني، أن الوثيقة أكدت على أن العداء للاحتلال الصهيوني المستعمر لأرض فلسطين، على عكس ميثاق عام 1988م، الذي عادت حماس من خلاله اليهود، وبالتالي فإن الصراع تحول من ديني إلى سياسي.
بدروه، اعتبر المحلل السياسي أحمد رفيق عوض، أن إعلان الوثيقة بمثابة موقف براجماتي لجأت إليه حماس من أجل أن تلقى القبول الإقليمي والدولي والمحلي ، من خلال إصدار قراءة واقعية للواقع السياسي والضغوط الإقليمية والدولية.
من جانبه، بيّن المحلل السياسي مصطفى الصواف، أن وثيقة حماس حملت في طياتها التعريف الكامل بمواقف الحركة السياسية ومنطلقاتها الفكرية، بالإضافة إلى المواقف التي أعلن عنها قيادتها على مدار ثلاثين عاماً منذ انطلاق حركة حماس وإعلان ميثاق 1988م.
وأشار شراب، خلال حديثه لوكالة "خبر"، إلى أن هدف حماس من إعلان الوثيقة، هو أن تفسح لنفسها دوراً إقليمياً ودولياً، يُمكنها من مخاطبة الاحتياجات والمتطلبات الدولية والإقليمية، خاصة فيما يتعلق بملف الإرهاب.
ونوه الدجني، إلى أن الميثاق كان يضع شروطاً على دخول حركة حماس لمنظمة التحرير، وفي مقدمتها تبنى المنظمة للإسلام كمنهاج حياة، في حين أن وثيقة عام 2017م، لم تضع أي شروط لدخول المنظمة، وقالت "إن المنظمة إطار وطني للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج".
وأكد عوض على أن الوثيقة تسمح لحركة حماس حرية الحركة والمرونة والدخول في أي تسوية سياسية، كما أنها جاءت لتقول لكثير من الأطراف بأن حماس تريد أن تدخل في شراكة وتنأى بنفسها عن الغياب والشطب.
وأضاف الصواف، أن الوثيقة عبرت عن حركة حماس في ورقة مثبتة ببنود واضحة ولغة متقنة، لكي تقدم نفسها للعالم بكافة أشكاله وألوانه سواء العربية أو الدولية، وبالتالي أعطت جزء كبير للواقع الفلسطيني، من خلال نظرة معمقة لعلاقاتها مع الآخرين، وموقفها من الاحتلال.
واستبعد شراب أن يكون هناك مفاوضات سياسية بين حماس وإسرائيل على غرار المفاوضات التي يُجريها الرئيس، في حين أنها ستكتفي بالمفاوضات الثنائية على مستوى القضايا الجزيئة، مثل ملف الأسرى المختطفين.
وتابع الدجني، خلال حديثه لوكالة "خبر"، بأن الميثاق حدد هوية "حماس" وقدمها على أنها أحد أجنحة جماعة الإخوان المسلمون، في حين أن الوثيقة نأت بحماس عن أي ارتباط بجماعة الإخوان ، مشدداً على أن الوثيقة بمقدورها إحداث اختراق نوعي في المشهد المحلي والإقليمي والدولي.
وأشار عوض إلى أن حماس لجأت إلى توطين المشروع الإسلامي في الوثيقة بجعله فلسطينياً، كما الحركة الإسلامية في المغرب والنهضة في تونس والتنمية والعدالة في تركيا.
السيناريو المقبل
ولفت الدجني، إلى أن موقف الفصائل الفلسطينية من الوثيقة، سينقسم ما بين مؤيد ومعارض، موضحاً أن حركة فتح سترى في الوثيقة تهديداً لوحدانية تمثيلها السياسي في الداخل والخارج، كونها قد تساهم في رفع حماس من قوائم الإرهاب عند بعض الدول الغربية.
وأكد الصواف، على أن حماس تسعى إلى وحدة الصف الفلسطيني وإنهاء الانقسام ، وهذا ما جاء في بنود الوثيقة في التعريف عن حركة حماس بأنها حركة وطنية فلسطينية، وأن المقاومة طريقها للتحرير، بالإضافة إلى أن منظمة التحرير الإطار الجامع للكل الفلسطيني.
في حين أوضح عوض، أن الوثيقة لم تجعل أي فروق بين حماس وفتح من حيث الطرح السياسي، الأمر الذي يهيئ الساحة لمصالحة لفلسطينية، وأيضاً دعوة فصائل المنظمة لأن تأخذ هذه الخطوة بالجدية وتبني عليها من أجل إنجاح المصالحة.
بينما، أكد شراب لـ"خبر"، على أن التحدي الأكبر لوثيقة حماس ومصداقيتها، يتمثل في إنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة الوطنية، والذهاب إلى انتخابات تشريعية ورئاسية.
العلاقات الإقليمية
وأكد الصواف على أن الوثيقة تخاطب كافة الأطراف العربية والمحلية والدولية، مشيراً إلى أنها رسائل شاملة وواضحة للجميع تشتمل على جميع العناصر المتعلقة بالواقع الذي يعيشه العالم.
وقال عوض، إن الوثيقة جاءت لإعادة موقع "حماس" في المشروع الإسلامي بالعالم العربي، وذلك بسبب موقعها في غزة والحصار المفروض عليها، بالإضافة إلى الضغوط الخليجية المصرية، لكي تنأى بنفسها عن أي صدام مع الدول العربية.
وبيّن شراب، أن وثيقة حماس قالت لجمهورها، إنها "لم تتخلى عن المقدسات"، لكنها في ذات الوقت أرادت تحسين العلاقة مع مصر من خلال إيصال رسالة بأنها "حركة وطنية ذات مرجعية فلسطينية".
وأوضح الدجني أن الوثيقة موجهة بالدرجة الأولى نحو المجتمع الدولي والإقليمي، على صعيد العلاقة مع دول الرباعية العربية "مصر، والسعودية، والأردن، والإمارات"، خاصة بعد أن انفصلت الحركة عن جماعة الإخوان، الأمر الذي سيؤدي إلى إحداث خرق في العلاقة مع الدول العربية بشكل عام والرباعية بشكل خاص.
كما أشار الدجني، إلى أن متانة علاقة حماس بـ "إيران وتركيا"، سيمنحها فضاءً أوسع للمناورة السياسية في الإقليم المشتعل.
المشهد الدولي
وبيّن عوض، أن حماس سعت من خلال بنود الوثيقة، إلى إيصال رسالة للجميع بأنها على استعداد تام للدخول في أي تسوية، ومفاوضات مع إسرائيل من أجل المستقبل.
ولفت الدجني، إلى أن الوثيقة أحدثت اختراقاً قانونياً وسياسياً لدى الاتحاد الأوروبي، ودول أخرى تضع "حماس" على بند الإرهاب، موضحاً أن الولايات المتحدة سيكون لها موقف مرتبط بتل أبيب من خلال تمرير احتواء حماس وقبولها كمكون سياسي مهم في النظام السياسي الفلسطيني.
حماس بعد الوثيقة
قال الدجني، إن ما ينتظره العالم من حركة حماس بعد الوثيقة، هو "ترجمة الأقوال بالأفعال والنظرية مع التطبيق"، من خلال البدء بسياسة جديدة تؤهلها للتنافس على قيادة المشروع الوطني، على قاعدة الشراكة والديمقراطية والتداول السلمي للسلطة.
وأضاف عوض، بأن الوثيقة تخدم "حماس" في المستقبل وتفتح لها الأبواب والمنصة الفكرية السياسية، بعيداً عن الشعارات والفكرة الدعوية، لافتاً إلى أنها أرادت القول "إنها حزب سياسي يقبل التعددية الديمقراطية والشراكة في القرار الفلسطيني".
وشدد الدجني، على أن الوثيقة تُحتم على "حماس" تبني خطاب إعلامي متزن يخدم القضية المركزية، أمام الرأي العام الغربي، وصولاً إلى عزل إسرائيل سياسياً ودفعها للقبول بمطالب الشعب الفلسطيني المشروعة، والتي كفلها القانون الدولي.
كيف تقلت قيادة "إسرائيل" الوثيقة؟
أوضح شراب، أن إسرائيل دائماً ما تتهم الفلسطينيين بالإرهاب، لافتاً إلى أنها سترفض الوثيقة الجديدة، خاصة أنها تتضمن بعض العبارات المعادية لها من وجهة نظرها.
وأكد عوض، على أن إسرائيل دائماً ما "تشيطن" الفلسطينيين، مضيفاً "أن إسرائيل وعلى الرغم من طرح حماس، لموقف معتدل ومرن إقليمياً وعالمياً، فإنها سترفض بنود الوثيقة، كون حماس لا تعترف بوجودها".
في حين، قال الصواف، لوكالة "خبر"، إن المفاوضات مع إسرائيل خسارة للشعب والقضية الفلسطينية، كون الطرف الفلسطيني هو الحلقة الأضعف، بالإضافة إلى أن إسرائيل مدعومة دولياً، وما يؤكد ذلك خطاب مشعل أمس، بأنه "ليس بمقدورنا التفاوض مع الاحتلال".
وشدد شراب، على أن إسرائيل تُدرك أن أي تغير أدخلته حماس، هو تغيير لفظي وليس جوهري، وذلك في إطار محاولتها اختبار حماس بمزيد من المطالب، من أجل أن تثبت مصداقيتها.