ترامب وسيطاً لتسوية إسرائيلية - فلسطينية !

1020836388.jpg
حجم الخط

حقيقة غير لطيفة: زيارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، هذا الشهر، الى السعودية، اسرائيل، والفاتيكان خططها من أجل «ردم الهوّة بين الاديان الثلاثة» و/أو «عقد صفقة إسرائيلية- فلسطينية»، غير انه  في اماكن الزيارة هذه، وعلى ما يبدو فيها فقط، لن تستقبله تظاهرات احتجاج. وهكذا ضمن ترامب لنفسه ألا يزعجه في زيارته الرئاسية الأولى خارج أميركا متظاهرون غاضبون، ولن تبث صور التظاهرات المحرجة في القنوات التلفزيونية التي يكرهها. فعنده المظهر هو الجوهر.
بحر من التحليلات عندنا وفي أميركا عن زيارة ابو مازن الى البيت الابيض وعن الاجواء (الاستثنائية) التي سادت اللقاء. وبالفعل لقاء استثنائي: لم يصل ترامب اليه تعبا وغير راض. وفي معظم الوقت لم يكن مركزا، واستيقظ من لامبالاته فقط حين نجح في أن يلقي من زاوية عينه نظرة نحو شاشة التلفاز؛ فهو مدمن على التلفاز. أما الضيف الفلسطيني وشكاويه فقد كانت تهمه كما يهمه ثلج العام الماضي. من المعقول أن يكون أقل من هذا.
هذا هو ترامب. من ناحيته، هو لا يزال يقود حملة الانتخابات الشعبوية العاصفة ضد مرشحي اليسار الخائن. هذا هو الاساس. كل ما تبقى يرن قرب اذنيه وكأنه ذبابة مزعجة. وأكثر من ذلك: لترامب معرفة قليلة جدا في المسائل الدولية بشكل عام والشرق أوسطية بشكل خاص. ومحاولات مساعديه ومستشاريه أن يشرحوا له مكامن النزاع الاسرائيلي- الفلسطيني ضاعت هباء. فقد استمع بنفاد صبر، لم يهتم بالخلفية التاريخية؛ كمبدأ، فان التاريخ يثير سأمه. الأميركيون ايضا، ولهذا يكاد يكون كل موقف علني له من أحداث في تاريخ أميركا يعاني اخطاء من حيث الحقائق.
ويضاف الى الجهل والغرور ميزة مشوقة اخرى: التقلب (ترامب يفضل كلمة «المرونة»). قبل نصف سنة بالغ في الثناء على الأسد كمقاتل شجاع ضد «الارهاب»، وقبل شهر أطلق نحوه صواريخ جوالة. وغدا سيعود للثناء عليه. في الظهيرة وصف ترامب حاكم كوريا الشمالية بانه ديكتاتور متعطش للدماء، وفي المساء أعرب عن استعداده للقاء وجها لوجه مع «هذا الرجل الحكيم».
أجاد في وصف سلوك ترامب في مئة يوم الاولى من رئاسته الصحافي توم فريدمان. كل بضع ساعات يمتشق الرئيس فكرة فجة اخرى، غير مدروسة وغير منسجمة، ويرفعها الى رأس جدول الاعمال. لا فكرة لدينا لماذا يعلن ما يعلنه، يكتب فريدمان، ولا ينبغي ان يهمنا ايضا، إذ في الغداة سيمتشق ترامب فكرة اخرى، احيانا معاكسة، ويطلقها هي ايضا نحو الهواء. يوصي فريدمان رفاقه في وسائل الاعلام الا يجتهدوا في تحليل نوايا الرئيس، فهي ليست نوايا بل نزوات عابرة.
ان التسيب الذي يتميز به ترامب لا ينحصر في السياسة الخارجية؛ هنا، احيانا، بضغط المستشارين، يقتنع بعمل الامور الصحيحة، وان كان يجد صعوبة في المواظبة عليها. فلن يكون اي تواصل، مثلا، لاطلاق الصواريخ على المطار العسكري في سورية، وان كان حسب تقارير الاستخبارات الغربية، يواصل نظام الاسد انتاج السلاح الكيميائي. في السياسة الداخلية لا يحرص ترامب حتى على مظهر التفكر.
ردا على قصوره الظاهر نشرت وزارة المالية في واشنطن خطة للاصلاح في الضرائب، يفترض أن تكون ثورة كما وعد ترامب. وبالفعل، عناصرها المختلفة ثورة – ولكنها عرضت كلها على الجمهور بشكل غير مهني في رؤوس أقلام قصيرة على صفحة حاسوب واحدة. بدون تفاصيل، بدون حسابات، بدون تقدير اقتصادي للكلفة والمنفعة. جملة من الافكار المتناثرة.
يوم الخميس الماضي أقر المجلس التشريعي الأميركي باغلبية طفيفة تشريعا يلغي مبادئ التشريع الصحي التي صاغها اوباما. ويبشر التشريع بمصيبة للطب الأميركي، مصيبة للطبقات الضعيفة، مصيبة للمرضى بامراض عضال، مصيبة لشبكة المستشفيات، ومصيبة لارباب العمل الصغار في المجال. يفترضون ان هذا الاصلاح لن يقر في صيغته الحالية في مجلس الشيوخ؛ وغايته هو اشباع الأنا السياسية لترامب.
ان نتوقع من هذا الرجل ان يكون وسيطا وعرافا لتسوية سياسية اسرائيلية- فلسطينية هو كأن نتوقع من مقامر مدمن ان يكون مرشدا للسلوك السوي. من الافضل أن يبقى في البيت.
عن «يديعوت»