يستعد ستيفان دي مستورا، المبعوث الدولي الخاص إلى سورية، لعقد جولة جديدة من المفاوضات في جنيف بعد حوالى أسبوعين على اجتماع أستانا الذي جمع فرقاء النزاع السوري، وخلص إلى اتفاق ثلاثي روسي- تركي- إيراني يقضي بتشكيل ما يسمى مناطق خفض التوتر.
جولة جنيف المرتقبة تأتي بعد اطمئنان دي مستورا لنتائج أستانا، بصرف النظر عن موقف المعارضة السورية من موضوع مناطق خفض التوتر، التي أبدت معارضتها لإنشائها استناداً لما قالت عنه: إن روسيا لم تضغط كفاية على حليفها السوري في مرات سابقة من أجل وقف إطلاق النار.
المبعوث الدولي الخاص إلى سورية، يسعى للتركيز في محطة جنيف على موضوع ترتيبات المرحلة الانتقالية، فهو يربط بين نتائج اجتماعات أستانا وبين عقد جولة جنيفية، انطلاقاً من أن أستانا متخصصة أكثر في موضوع تثبيت الهدنة والتأكد من سريانها ووقف إطلاق النار.
الاقتراح الروسي بشأن إنشاء أربع مناطق شبه آمنة في سورية، جاء سعياً منها لتخفيض حدة التوتر مع الدول الكبرى المؤثرة في النزاع السوري، حيث صدر موقف أميركي إيجابي حول هذه المناطق، غير أن وزير الدفاع جيمس ماتيس ألمح إلى أن الشيطان يكمن في التفاصيل.
تركيا التي ظلت على الدوام تطرح موضوع المناطق الآمنة، وافقت على المقترح الروسي بشأن تشكيل مناطق خفض التوتر، وبين مصطلح المناطق الآمنة ومناطق خفض التوتر فروقات واضحة، ذلك أن الأولى تعني هدوءاً بنسبة مائة في المائة تقريباً.
المناطق الآمنة التي كانت تطالب بها أنقرة جغرافياً تقع في الشمال السوري، والهدف التركي من إقامتها هو بناء جسر بشري يفصل بين الوجود الكردي والتركي، ويمنع من تطور الأول لجهة التمدد نحو الحدود التركية.
تعني المناطق الآمنة أنه لا ينبغي أن يكون هناك أي نشاط عسكري، لا قتال بين فرقاء النزاع السوري ولا حتى مع التنظيمات الإرهابية، وتخضع لرقابة دولية تسهل من وصول المساعدات الإنسانية للمنكوبين جراء النزاع، إلى جانب أن قرار إنشاء تلك المناطق لا بد من أن يحصل على موافقة مجلس الأمن الدولي.
أما مناطق خفض التوتر التي جرى الاتفاق بشأنها، فهي أقل هدوءاً من المناطق الآمنة، وفي حين تخضع لوقف إطلاق النار ووقف التحليق والطلعات الجوية، فإنها تختلف عن المناطق الآمنة بأن فرقاء النزاع السوري سيواصلون محاربة التنظيمات الإرهابية مثل «داعش» وأخواتها.
كما أن مناطق خفض التوتر جاءت باتفاق روسي- تركي- إيراني، فهؤلاء هم الضامنون الرئيسون لها، ويبدو أن زيارة وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف إلى واشنطن ولقاءه الرئيس الأميركي دونالد ترامب ووزير خارجيته ريكس تيلرسون تصب في إطار تسويق وإنجاح هذا الاتفاق.
زيارة لافروف هي الأولى إلى الولايات المتحدة الأميركية بعد تنصيب ترامب رئيساً للبلاد، والثالثة مع نظيره تيلرسون في محطات مختلفة، وهذا يشي بأن واشنطن لا تريد أن يتجاوزها أحد، وتسعى لتطوير دورها في الملف السوري من حيث التأثير فيه حسب مصالحها.
ثم إن قرار ترامب تسليح القوات الكردية التي تقاتل تنظيم «داعش» أثار حفيظة تركيا وجعلها في موقف حائر ومنزعج، خصوصاً وأن واشنطن أبدت تخوفاً من موضوع تسليح المعارضة، غير أنها هذه المرة قررت إمداد الأكراد بالمعونات والمعدات العسكرية في حرب بالوكالة ضد «داعش».
المهم أن موضوع مناطق خفض التوتر يصل مداها الزمني إلى ستة أشهر، قابلة للتجديد حسب الوضع الميداني، أما مداها الجغرافي فهو محدد في مناطق معينة، حيث الأولى في محافظة إدلب، وأخرى في شمال حمص، وثالثة في الغوطة الشرقية، ورابعة في محافظتي درعا والقنيطرة.
غير أن نجاحها مرتبط أولاً بمواقف الدول الكبرى المؤثرة في النزاع السوري، ومرتبط أيضاً بفرقاء النزاع السوري، ذلك أن تصريحات صدرت عن وزير الخارجية السوري وليد المعلم، مفادها بأن الحكومة السورية ستلتزم بهذا الاتفاق، لكنها ستواصل النزاع ضد التنظيمات الإرهابية.
المعارضة السورية التي انتقدت الاتفاق لم تحسم موقفها النهائي منه، وهذا يعني أن مسار أستانا تحديداً سيتكفل لاحقاً بالتركيز على موضوع التهدئة وتأكيد قبول الأطراف لهذا الاتفاق، ومع ذلك فإن تطبيقه ليس بالأمر السهل والهين.
في حقيقة الأمر، موضوع مناطق خفض التوتر هو عبارة عن «مسكنات للألم»، ويأتي في إطار سياسة تبادل المصالح أو السعي لإرضاء الشركاء والفاعلين الدوليين، خصوصاً وأن تجربة قرارات وقف إطلاق النار لم تحقق نتائج إيجابية قابلة للاستدامة.
هذا الاتفاق جاء على أنقاض اتفاق روسي- تركي لجهة وقف الأعمال القتالية أواخر العام الماضي، غير أنه لم يصمد كفاية لدرجة تثبيته والانتقال للتركيز على المسار السياسي، وعلى النقيض من ذلك زادت حدة القتال بين الفرقاء السوريين.
وحده التعاون الدولي والتنسيق الروسي- الأميركي بالذات هو الأقدر على ضمان سريان اتفاق خفض التوتر، لأنه حين يتفق البلدان بعقل وقلب على التعاون وإيجاد حل للأزمة السورية، حينها سيكون من السهل الخوض في حصر قائمة لاستهداف التنظيمات الإرهابية ومحاربتها، والضغط على الشركاء لجهة تغيير النغمة باتجاه العمل على تسوية الأزمة السورية.
ليست العبرة في اتفاق مناطق خفض التوتر، وإنما في موضوع العلاقات الروسية- الأميركية، فإذا صدق بالفعل موقف الطرفين اللذين أورداه بخصوص إزالة كافة العراقيل بينهما، فهذا يعني أننا سنشهد فصلاً جديداً مختلفاً وإيجابياً بخصوص الملف السوري.
أما إذا أعادت الولايات المتحدة حرف موقفها في الموضوع السوري، من تغيير لغة التعاون إلى العمل الأحادي فيه، فحينها لن تكون هناك أي حظوة للمسار السياسي، والأصوب معالجة هذه الأزمة عسكرياً، طالما لا يريد الكبار الاتفاق في السياسة.
العبرة فيما بعد لقاء ترامب- لافروف والترتيبات المقبلة حول الملف السوري، وجنيف تشكل عنواناً يصلح لجس نبض مصير هذه العلاقة، كما هو حال اتفاق مناطق خفض التوتر الذي يعتبر هو الآخر مقياساً يحاكي أين وصلت علاقات الكبار في الملف السوري.
"الفدائي" يبحث عن التعويض في لقاء خارجي صعب أمام العراق غدا
09 أكتوبر 2024