تتغير الإدارات الأميركية، واحدة تعقب أخرى. إدارة أوباما تغادر لتحل محلها إدارة ترامب، مع ذلك، تظل إحدى علامات السياسة الإسرائيلية في علاقتها مع الولايات المتحدة دون تغيير، تستثمر حكومات نتنياهو، بما فيها الأخيرة، حرص الإدارة الأميركية، بصرف النظر عن ساكن البيت الأبيض، على هذه الحكومة، لابتزازها بالقول: «لا تضغطوا علينا أكثر من ذلك، خشية من سقوط حكومتنا»، وحتى في عهد إدارة أوباما، التي شابها العديد من الإشكالات الشخصية والشكلية والسياسية، مع إدارة نتنياهو، ظلت القيادات الإسرائيلية تطالب إدارته بعدم الضغط أكثر خشية من سقوط حكومة نتنياهو، وظلت إدارة أوباما حريصة على عدم المس بهذه الحكومة، رغم كل الخلافات معها، تمتعت حكومة نتنياهو ولا تزال، بشيء من «القدسية» ليس في إسرائيل فحسب، بل وأيضاً من قبل الإدارات المتعاقبة على البيت الأبيض.
المبعوث الأميركي غرينبلات الذي زار المنطقة لمرتين، إحداها قبل جولة ترامب والثانية بعدها، طالب الجانب الإسرائيلي، بعدة «تسهيلات» للجانب الفلسطيني بقصد خلق مجال «لإعادة الثقة» بين الجانبين وتسهيلاً لحراك أميركي يهدف إلى استئناف العملية التفاوضية، ثم الحديث في أروقة حكومة نتنياهو حول بعض هذه «التسهيلات» التي يعتبرها الجانب الفلسطيني، استحقاقات وليست تسهيلات، من بينها السماح للفلسطينيين بالبناء في المنطقة «C» الخاضعة للسيادة الأمنية الإسرائيلية، ويقال: إن «الكابينت» قد أقر ذلك من دون العودة للحكومة أو الكنيست، مع أن الأمر يتعلق «بنقل أراض»!
بعض وزراء ومسؤولي حزب الليكود، اعتبروا لجوء نتنياهو إلى إقرار عملية النقل، خضوعاً لإملاءات إدارة ترامب، وهم بذلك اتفقوا مع موقف الوزير المشاغب في حكومة نتنياهو، بينيت، الأمر الذي قيل: إنه يضيف مبرراً آخر لإجراء تعديل على حكومة نتنياهو، وقيل أيضاً: إن هذا الأخير يتجه يساراً! وقد يضطر إلى إفساح المجال أمام أحزاب يسارية للانضمام إلى حكومته، كل ذلك، جراء الضغط الأميركي على نتنياهو، يقال إن يوسي داغان رئيس المجلس الإقليمي «شومرون» طلب من المسؤولين الأميركيين في إدارة ترامب عدم الضغط على نتنياهو، لأن هذا الأخير سينهار ومعه حكومته، وفي سياق آخر، متصل نسبياً، فإن نتنياهو وهو ويحاول، إقناع «الكابنيت» بترتيبات تخص نقل أراضي «C» إلى السلطة الفلسطينية، قال لهم: «إن هذا الرئيس مصرّ على التوصل إلى اتفاق» ويقصد ترامب، وإثر اتخاذ القرار، علق بعض قادة الليكود: حكومة يسار فقط يمكن أن تفعل ذلك!
«القناة الثانية» الإسرائيلية، نشرت مؤخراً استطلاعاً يشير إلى قوة سياسية متزايدة لنتنياهو، وأحزاب اليمين في أعقاب القمة الأميركية ـ الإسرائيلية الأخيرة، إلاّ أن ما يلفت النظر في هذا الاستطلاع أن 47% من الإسرائيليين ما زالوا يدعمون حل الدولتين، بينما يعارض هذا الحل 39%، استخلاص المحللين لهذه الأرقام، أن الإسرائيليين يريدون رئيس حكومة يمينية للتوقيع على اتفاق يفضي إلى حل الدولتين!!
واقع الأمر، أن ليس هناك ضغوط جدية من قبل إدارة ترامب على نتنياهو وحكومته، هذا الأخير يعاني من أزمة داخلية على صعيد حزب الليكود، وعلى صعيد الحكومة، منذ بضعة أشهر، وقبل وصول ترامب إلى البيت الأبيض، وهناك تسريبات عن اتصالات مع حزب العمل وهيرتسوغ بهدف ضم الأخير إلى الحكومة واستبداله ببينيت، نتنياهو لا ينهار بسبب ضغوط أميركية، بل انه يتطلع إلى تحسين وضع حكومته لتتلاءم مع مقتضيات التواصل مع إدارة ترامب في المرحلة اللاحقة، يتمسك نتنياهو شكلاً بحل الدولتين، ويقر مناقلات في الأراضي من «سي» إلى «بي» مع استمرار السيادة الأمنية الإسرائيلية، وهو يعلم أن هناك معارضة شديدة ستضطر بينيت بناء على تعهدات علنية للاستقالة، إلى أن توقيت طرح هذه المشكلات ربما يأتي الشهر القادم عندما يلتئم مؤتمر «المعسكر الصهيوني» وعندها يصبح هذا الحزب جاهزاً للانضمام للحكومة، حتى أن المقربين من نتنياهو، فصّلوا بدقة توزيع الحقائب: هيرتسوغ وزيراً للخارجية، تسيبي ليفني وزيرة للعدل والمسؤولة عن ملف العلاقات مع الفلسطينيين.. منذ وقت ليس بالقصير، لم نسمع تلك النغمات والتصريحات المعارضة لسياسة نتنياهو من قبل هيرتسوغ وتسيبي ليفني، هناك هدوء على ساحة المعارضة، والغريب أن المعارضة لسياسة نتنياهو تأتي من قبل حزبه، حزب الليكود، وحكومته، خاصة من قبل الوزير المشاغب بينيت بينما تتوارى «معارضة المعارضة».. ليس لأن هناك ضغوطاً أميركية، بل لأن نتنياهو يريد ذلك تكيفاً مع مصالحه!!