في خطوة ليست بالمفاجئة، أعلنت أمس الإثنين، كلٌ من السعودية والبحرين والإمارات ومصر عن قطع علاقاتها الدبلوماسية مع قطر، حيث طلبوا من الدبلوماسيين القطريين مغادرة أراضيهم، كما أغلقوا المجالات والمنافذ الجوية والبرية والبحرية مع الدوحة.
وفي رصد أسباب القرار، فإن الدول الأربعة أكدت على أن القرار كان بسبب دعم "قطر" لجماعات متطرفة عدة، وتأييدها لإيران في مواجهة دول الخليج، بالإضافة إلى عملها على زعزعة أمن هذه الدول وتحريض بعض المواطنين على حكوماتهم، كما في البحرين.
الأسباب والارتباط الأمني
قال المحلل السياسي وأستاذ جامعة الأزهر د. ناجي شراب، إن الأزمة تقع في منطقة الخليج العربي التي تعتبر المنطقة الأكثر استهدافاً، كونها تملك مصادر القوى الشاملة الأكثر أهمية واستراتيجية، بالإضافة إلى ظهور قوى خفية تبلورت بإثارة الخلافات في المنطقة والتي نأت بنفسها عن تداعيات ثورات التحول العربي.
بدوره، أوضح المحلل السياسي وأستاذ جامعة الأمة د. حسام الدجني، أن الصدام كان خفيًا بين البلدين في العديد من المشاهد السياسية، والتي كان آخرها انفصال الجنوب اليمني، حيث أن قطر ساهمت في إفشال المخطط المدعوم من الإمارات، وأيضًا ارتباطها بجماعة الإخوان المسلمين وحركة حماس بما يعارض التوجهات الإماراتية، خاصة عقب اختراق موقع وكالة الأنباء القطرية ونسب تصريحات للأمير تميم، وأيضاً اختراق بريد السفير الإماراتي في الولايات المتحدة.
وأرجع المحلل السياسي وأستاذ جامعة القدس المفتوحة أحمد رفيق عوض، الأسباب إلى أن ما تقوله السعودية والإمارات حيال الأزمة، هو اتهام قطر بدعم جماعات إرهابية في العراق وسوريا واليمن، بالإضافة إلى أن جماعة الإخوان المسلمين لها قواعد في قطر والتي هي ممنوعة من قبل هذا الدول التي قاطعتها.
وبيّن شراب خلال حديثه لوكالة "خبر"، أن هذا الاستهداف الخارجي بدأت ارهاصاته تظهر كما نراه اليوم، مشيراً إلى أن المستفيد من ذلك هو إسرائيل، حيث أثبت ذلك تصريحات ليبرمان الأخيرة، بالإضافة إلى إيران التي لا ترغب بوجود مجلس خليجي واحد له قوة مؤثرة.
واعتقد الدجني أن الصراع بدأ يأخذ منحى جديدًا، لافتاً إلى أن ذلك سينعكس على مجلس التعاون الخليجي ككتلة إقليمية موجودة في الخليج العربي ومؤثّرة في السياسة الإقليمية، خاصة بعد تراجع دور الجامعة العربية.
ولفت عوض إلى أن قطر تريد أن تعزز علاقاتها مع إيران من أجل أن تفشل إعلان الرياض بعد زيارة ترامب للمنطقة، موضحاً أن السبب الحقيقي لمقاطعة بعض الدول العربية لقطر يكمن في خلق مرحلة جديدة، وبالتالي لا بد من تحميل واحد من الأطراف كل الاخطاء السابقة بعدما وجدوا أنها تغرد خارج السرب.
خيارات حماس في المرحلة المقبلة
واعتقد شراب، خلال حديثه لوكالة "خبر"، أن حماس هي الأكثر تضرراً من هذه الأزمة كونها تربطها علاقات استراتيجية مع قطر، الأمر الذي سيؤثر على علاقاتها مع مصر وبقية دول المنطقة، وبالتالي حماس لا تستطيع أن تعادي قطر وستلجأ إلى التزام الصمت والانتظار حتى تتبلور أبعاد وملامح الأزمة، خاصة بعد نعتها بالإرهاب من قبل ترامب.
وقال الدجني إن حماس ستحاول أن تكون يدها ممدودة للجميع ولا تخسر أحدًا، وأن تتبع دبلوماسية بعيدة عن الاصطفاف والتمحور والتموضع، بما يضمن لها علاقات واسعة ومن بينهم النائب محمد دحلان.
وأشار شراب إلى أن حماس ستلتزم استراتيجية الهدوء والابتعاد عن الانغماس في الأزمة، إلا أن الضغوط ستزداد على حركة حماس، وبالتالي ستلجأ إلى الذهاب لمصر وتحريك العلاقات معها، موضحاً أن مصر ستتجاوب مع مختلف القضايا وتبدي مرونتها للخروج من الأزمة.
ونوه الدجني إلى أن حماس ذكية بحيث تعتبر الانفجار المسلح آخر الخيارات، لكنها ستبحث عن علاقات دبلوماسية مع القاهرة على وجه التحديد بما تملكه من ثقل، داعياً حماس إلى التزام الصمت الإيجابي في المرحلة الحالية.
ورأى شراب أن حماس تدرك أن أي تصعيد ليس في مصلحتها، خاصة بعد أزمة قطر مع الدول العربية، وبالتالي سوف تنأى بنفسها عن أي عوامل تؤدي إلى التصعيد مع الاحتلال الإسرائيلي، مشيراً إلى إمكانية أن تبدي حماس مرونة بسيطة تجاه عملية المصالحة مع فتح وتجنب أي خطاب عدائي معها.
تداعيات الأزمة على القضية الفلسطينية
أوضح شراب، أن الأزمة الخليجية الراهنة لها تداعيات مباشرة على القضية الفلسطينية بصورة أو بأخرى، وذلك لأن قضية فلسطين تقع في قلب إعادة الخريطة السياسية بالمنطقة، وبالتالي سيكون لها تداعيات كبيرة على مستقبل القضية الفلسطينية.
وأكد الدجني على أن ضعف قدرات الدول العربية واستنزافها سيجعل القضية الفلسطينية ليست أولوية لكلا البلدين، أو حتى لباقي الدول التي تدخل في أتون خلافات المشهد الخليجي.
وتوقع شراب أن تشهد المنطقة الإقليمية مزيداً من التفكك وقبول إسرائيل كعضو في المنطقة، وصولاً إلى إنهاء القضية الفلسطينية وفرض حل اقتصادي أمني في الضفة مع ارتباط إقليمي بالأردن وكينونة سياسية مستقلة في القطاع، إضافة إلى هدنة طويلة المدى مع إسرائيل مقابل الميناء والمطار، مقابل معالجة قضية الأنفاق وسلاح المقاومة.
وشدد الدجني، على أن هذه الأزمة ستؤدي إلى تراجع مكانة القضية الفلسطينية وربما الانصياع للمطلب الأمريكي بعد أن وصف حماس بالإرهاب، وبالتالي تعطيل ملف المصالحة.
الأزمة والمشهد العربي القادم
أكد شراب على أن عدم تدارك هذه الأزمة، سيؤدي بقطر إلى أن ترتمي في أحضان إيران، وبالتالي تزداد حدة التصعيد والمواجهة، الأمر الذي قد ينشأ عنه توجيه ضربة قاسمة لدول مجلس التعاون الخليجي العربي، ويفتح التساؤلات حول تكرار نموذج بريطانيا مع قطر؟.
ورجح عوض أن تتفاقم الأزمة بين الدول العربية خلال الأيام القادمة، خاصة أن هناك الكثير من القضايا العربية المعلقة، بالإضافة إلى وجود خلافات في شمال إفريقيا وبلاد النيل والخليج, يضاف لها تفكك المجلس العربي الخليجي، بعد التضحية بجزء من أطرافه.
وأشار شراب إلى أن تفاقم هذه الأزمة ستؤدي إلى مزيد من التحالفات، وتدفع بالمنطقة إلى معسكرين كبيرين وهما التحالف السني التي تقوده السعودية ودول المنطقة، والتحالف الشيعي الذي تقوده إيران.
في حين، أوضح عوض أنه بعد زيارة ترامب للمنطقة شهدت انهيار لكل القوى العربية التي تعمل ضمن مجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول ومجلس التعاون الاسلامي.
ونوه شراب إلى أن المنطقة ستلجأ إلى إعادة رسم الخريطة السياسية على أسس عرقية مذهبية، وبالتالي اندثار النظام الإقليمي العربي وإحلال الشرق الأوسط الجديد في المنطقة.
خيارات قطر
قال عوض، لـ"وكالة خبر"، إن قطر أمام خيارين فإما اللجوء إلى تشكيل تحالفات كثيرة مع عدد من الدول، مثل إيران وتركيا وإسرائيل، لافتاً إلى أن الإدارة الأمريكية ليس بمقدورها الاستغناء عن قطر أو التضحية بها.
أما الخيار الآخر فهو الذهاب، إلى تشكيل تحالف ومحور جديد يبدأ في إبرام صفقات غاز وسلاح مع روسيا والصين وتفعيل التحالف الاستراتيجي مع تركيا وتعزيز العلاقات مع طهران.
وأشار عوض إلى أن قطر قد تذهب نحو التضحية ببعض علاقاتها، مثل علاقتها بـ"حماس"، ودعمها لجماعات في سوريا ولبنان والعراق، موضحاً أن انسحاب قطر من رعايتها لبعض الأطراف الفلسطينية، سيضيق الخناق على حركة حماس، الأمر الذي سيدفعها لتقوية علاقاتها مع السلطة ومصر و الدخول في إطار منظمة التحرير.