وصل منتصف الأسبوع المنصرم، وفد حركة حماس إلى قطاع غزة قادماً من العاصمة المصرية القاهرة، بعد سلسلة لقاءات أجراها مع مسؤولين مصريين استمرت لنحو 9 أيام، بالإضافة إلى قيادات فتحاوية من بينها النائب محمد دحلان، والقيادي سمير المشهراوي، وقيادات أخرى.
وعلى الرغم من حجم التصريحات التي صدرت عن قيادات عليا في حركة فتح "تيار دحلان" مقابل الصمت الحمساوي الكبير على تلك المباحثات، إلا أن القيادي البارز في "حماس" صلاح البردويل خرج عن صمته أمس وكشف عن وجود مباحثات ولقاءات بين حماس وفتح في القاهرة خلال زيارة الوفد الأخيرة لمصر.
الصمت الحمساوي
قال المحلل السياسي إبراهيم المدهون، أن هذا الصمت جاء بناءً على توصية مصرية، بعدما أثيرت هذه المواضيع عبر وسائل الإعلام، بالإضافة إلى حساسية مثل هذا النوع من المبادرات، ولكي تنضج بشكل هادف في هذا الوقت المضطرب، حيث أن الإعلان يمكن أن يؤثر سلباً على تلك التفاهمات.
من جهته، رأى المحلل السياسي و أستاذ العلوم السياسية بجامعة الأمة في غزة د. حسام الدجني، أن صناعة القرار داخل حركة حماس لا يخضع لاعتبارات شخصية وذاتية، بل لاعتبارات مؤسساتية.
في حين، لفت المحلل السياسي وأستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر د. ناجي شراب، إلى أن الزيارة كانت بالأساس لمصر وليس لمقابلة التيار الإصلاحي الذي يترأسه دحلان، كما أن ما تم تسريبه وتناقله لم يتم الإعلان عنه بشكل رسمي.
وبيّن المدهون، خلال حديثه لوكالة "خبر"، أن حماس معنية بنجاح التفاهمات مع المصريين والالتزام بالصمت، وذلك لأن الحديث الإعلامي يؤدي إلى انعكاسات سلبية، موضحاً أن حماس ترغب بأن يلامس الجمهور الفلسطيني بعض الخطوات العملية على أرض الواقع في القطاع.
ولفت الدجني إلى أن منظومة حركة حماس يتم خلالها تمرير أي قرار أو أي فكرة أو مقترح على مؤسسات الشورى الداخلية للتصويت عليها، وبعد ذلك تصبح نافذة من عدمه، مشيراً إلى أن هذا الأمر يحتاج إلى أيام قليلة فقط.
وأشار شراب خلال حديثه لوكالة "خبر"، إلى أن مذكرة التفاهم تستوجب أن تكون مكتوبة وموقع عليها من قبل الطرفين بشهادة من مصر وهذا لم يحدث، وبالتالي حماس تدرك أن وفد فتح الذي يمثل التيار الإصلاحي لا يملك سلطات حقيقة على الأرض مقارنة بسلطة الرئيس محمود عباس في الضفة.
سمير المشهراوي، كشف خلال لقاء متلفز، عن كواليس لقاء وفد "حماس" بـ"قيادات فتحاوية من بينها دحلان"، حيث أكد على أن المباحثات جرت في أجواءٍ إيجابية، وتم الحديث عن جملة من المواضيع الشائكة التي تخص قطاع غزة، ومشيراً إلى أن الاجتماع القادم بين الطرفين سيكون في غزة.
ووصف المدهون خطوات حماس مع مصر وقيادات فتح المحسوبة على "دحلان" بالجديدة، موضحاً أنها تأتي في إطار رغبة حماس بإصلاح الواقع الفلسطيني ومنظمة التحرير، وذلك في أعقاب استغلال الرئيس لواقع الانقسام بين الضفة وغزة.
بينما، قال شراب إن المباحثات بروتوكولية تم خلالها تداول أحداث معينة، إلا أنها لم ترتقى لمذكرات تفاهم تاريخية كون ذلك الأمر له تداعيات سياسية خطيرة، وبالتالي مصر لا تقبل بأن تكون شاهدة على هذه المذكرة.
ولفت المدهون إلى أن حماس ذهبت إلى مصر بقوة وثقة، كما أنها تبارك هذه التفاهمات بينها وبين التيار الإصلاحي في فتح، وذللك بسبب غياب السلطة وعدم الوفاء بالتزاماتها تجاه القطاع، وما أكد ذلك تصريحات القيادي في حماس صلاح البردويل.
وشدد شراب على أن حماس في مأزق سياسي، خاصة بعد الأزمة الخليجية، حيث أن كافة الخيارات التي أمامها تنعكس بالسلب عليها، وبالتالي لجأت إلى مصر كونها الخيار الأقرب.
ونوه المدهون إلى أن المشهد في القطاع مبهم وعلى صفيح ساخن في ظل تضارب الاتجاهات متضاربة، موضحاً أن الجميع ينتظر ما ستؤول إليه التفاهمات بين حماس ودحلان.
وأكد شراب على أن حماس تعاملت مع خيار المباحثات المصرية بمرونة وواقعية وتكتيك، الأمر الذي أعطاها فسحة من الوقت لتجنب انفجار الأوضاع في غزة، وانتظار نتاج الأزمة الخليجية القطرية.
حماس والمصالحة
واستبعد شراب أن تلجأ حماس في ظل الأزمات الحالية والضغوط الإقليمية، إلى المصالحة مع السلطة وحركة فتح، معتقداً أن الحل الأقرب والأقل تكلفة لحماس هو ذهابها إلى مصر رغم إدراكها أنها العدو الأول لها هي والإخوان المسلمين.
وأشار المدهون إلى أن حماس قطعت شعرة معاوية مع الرئيس عباس، خاصة بعد سياساته الأخيرة تجاه القطاع من قطع لرواتب الموظفين وتقليص كميات الكهرباء، وبالتالي فإن حماس تفضل التباحث مع تيار "دحلان" بشكل مباشر، في ظل وجود إرادة مصرية وعربية مصممة على إجراء مصالحة بين الطرفين.
واعتقد شراب أن حماس لا تسعى لإتمام المصالحة في الوقت الراهن، واصفاً خيار ذهاب حماس لمصر بالعقلاني، وبالتالي انحسرت مهمة الوفد على بحث البعد الأمني والاقتصادي والإنساني فقط.
وبيّن المدهون أنه بات تجاوز الرئيس محمود عباس أمراً واقعاً ، وذلك بعد سياساته الاقصائية داخل حركة فتح وتنصله من التزاماته تجاه قطاع غزة، مشيراً إلى أن التفاهمات بين حماس والتيار الإصلاحي ستعزز المصالحة الفلسطينية.