في الثاني والعشرين من شهر يونيو/حزيران الجاري، اختتم ما يسمى «مؤتمر المناعة القومية» الذي تعقده سنوياً «مؤسسة الدبلوماسية والدراسات الاستراتيجية» في مدينة هرتسيليا منذ العام 2000، أعماله لهذا العام. ويركز المؤتمر عادة على «التهديدات والمخاطر» التي تواجه «إسرائيل»، ومن ثم التصورات والتوصيات التي توضع في أيدي أصحاب القرار، لمواجهة تلك المخاطر والتهديدات. ودائماً، وهو أمر طبيعي، توضع أمام المؤتمرين آخر صورة للصراع الدائر حول فلسطين والقضية الفلسطينية.
في العام الحالي، وفي هذا الموضوع، كانت العمليات الفدائية التي ينفذها شبان فلسطينيون ضد قوات الاحتلال منذ «هبة أكتوبر 2015»، والذين كانت أجهزة الأمن «الإسرائيلية» قد أطلقت عليهم «الذئاب المنفردة»، واشتملت على أعمال الطعن والدهس، وفي بعض الأحيان إطلاق نار، محور اهتمام وزير الأمن الداخلي جلعاد أردان، بالرغم من أنهم ادعوا أن تلك «الهبة» انتهت منذ سنتين. فقد كشف أردان النقاب عن استراتيجية وزارته لمكافحة هذه العمليات في القدس المحتلة، لافتاً إلى أن الوزارة وضعت العديد من الآليات لمواجهتها وهي المتصاعدة في منطقة باب العامود، وواعداً بأن إجراءات و«تغييرات جوهرية وغير مسبوقة» ستتخذ لتقليص العمليات.
رئيس أركان الجيش، الجنرال غادي إيزنكوت، تطرّق في كلمته إلى الدور الذي تؤديه القوات الأمنية للسلطة الفلسطينية، فأثنى على أهمية نشاطها في مجال التنسيق الأمني مع «إسرائيل»، وقال إنّ هذه «القوات تستحق كل التقدير على ما تقوم به لخفض ألسنة اللهب في الأراضي الفلسطينية»(!) ومع أنّ إيزنكوت أشار إلى أنّ الوضع في قطاع غزة «هش للغاية وقابل للاشتعال»، إلا أنّه اعتبر أنّ حركة «حماس» غير معنية في المرحلة الراهنة بأيّ مواجهة عسكرية مع «إسرائيل».
بدوره تحدث في اليوم الثالث وزير الخارجية أفيجدور ليبرمان فاستعرض وجهة نظره حيال «الصراع الإسرائيلي الفلسطيني»، لافتاً إلى أن حله لن يتحقق إلا من خلال «تسوية إقليمية مع الدول السنية المعتدلة»، ومن ثم يمكن التوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين. ويعتقد ليبرمان أن اتفاقيات أوسلو كانت فاشلة منذ البداية، وعزا هذا الفشل إلى اعتمادها على أساس «الأرض مقابل السلام»، مبيناً أن ذلك لم يكن صحيحاً، مشدداً على أن المبدأ الذي يجب أن يرافق التسوية مع الفلسطينيين هو: «تبادل أراضٍ وسكان»! وتوقف ليبرمان أمام الأسباب التي حالت حتى الآن دون استكمال «إسرائيل» هيمنتها الإقليمية، مرجعاً ذلك إلى أنّ كيانه لم ينجح منذ خمسين عاماً في «تحقيق انتصار حاسم».
وفي إجابة عن تساؤلات طرحها بنفسه: لماذا لا توجد تسوية إقليمية؟ ولماذا قبل عشر سنوات لم نصل إلى علاقات دبلوماسية كاملة مع كل الدول العربية؟ واعتبر أنّ «إحدى المشكلات هي أنه منذ حرب عام 1967، لم ننتصر في أي معركة. وعملياً، المعركة الحقيقية التي انتصرنا فيها آخر مرة هي حرب الأيام الستة». وبشأن العلاقة بين الأمرين، أقر ليبرمان بدور المقاومة في منع «إسرائيل» حتى الآن من الإطباق على كامل المنطقة العربية من خلال فرض صيغة تسوية إقليمية!
موضوع آخر برز في «مؤتمر هرتسيليا 2017» على مستوى المشاركة الفلسطينية فيه. وبالرغم من أن هذه المشاركة ليست جديدة، إلا أنها جاءت هذا العام نافرة بشكل واضح بمشاركة عضو اللجنة المركزية لحركة (فتح)، مستشار الرئيس محمود عباس للشؤون الدولية، الدكتور نبيل شعث. إن مشاركة كهذه باسم السلطة الفلسطينية وحركة (فتح) ومنظمة التحرير في مؤتمر هدفة وضع الخطط والتصورات للقضاء على قضية الشعب الفلسطيني والاستيلاء على أرضه وحقوقه الوطنية، أقل ما يقال فيه إنه إسقاط للقضية وسقوط لمن يدّعون تمثيلها، وقبول واعٍ لخدمة الأهداف «الإسرائيلية» الصهيونية دون مواربة أو خجل. وهو موقف يحوّل القضية الفلسطينية إلى مجرد ملف من الملفات الأمنية التي تواجه «إسرائيل»، بل إلى قضية «إسرائيلية» داخلية بعد تحويل السلطة ومنظمة التحرير إلى وكيل «إسرائيلي»!
في الوقت الذي تعلن فيه القيادة «الإسرائيلية» أنها ترفض التنازل عن أيٍّ من أطماعها التوسعية، وتضع الشروط للموافقة على مجرد الجلوس على طاولة المفاوضات، كما تعلن أن فلسطين كلها ملك لها ولمستوطنيها، وفي الوقت الذي تتبنّى الإدارة الأمريكية كل الادعاءات والشروط «الإسرائيلية»، بحيث يصبح أقصى ما يمكن أن يحصل عليه الفلسطينيون من «التسوية الإقليمية» الموعودة لا يزيد على «حكم ذاتي محدود لسكان لا صفة لهم» ينتظرون ساعة اقتلاع وتهجير جديدين، تسارع السلطة الفلسطينية مدّعية تمثيل الشعب الفلسطيني إلى الارتماء في أحضان «إسرائيل» والولايات المتحدة، وهو ما يفرض على الشعب وقواه الحية إعادة النظر والبحث عن طريق آخر لمواجهة الاحتلال واسترداد الحق!
عن الخليج الاماراتية