من الجزيء إلى الجزء.. فإلى الكل. هل هذا فيزياء فقط!
من الديمغرافية إلى الجغرافية إلى الشعب.. فالدولة. هل هذا سياسة فقط!
من الدين إلى الشعب إلى الدولة.. ومن الدولة إلى الأمة. هل هذه عنصرية وفاشية فقط؟
من الغزو إلى الاستعمار إلى الكولونيالية فالامبريالية. هل هذا صراع حضارات فقط؟
نعود إلى السؤال الأول عن الجزيء فالجزء.. فالكل، فإلى بقية الأسئلة.. لماذا؟
أقرأ بانتظام إحصائية شهرية للإدارة الفلسطينية العامة للمعابر والحدود. ماذا وجدت في إحصائية شهر حزيران، الفائت؟ عدد القادمين، عبر الجسر، يفوق عدد المسافرين بحوالي تسعة آلاف مسافر. في شهور بعينها يحصل العكس، خاصة في فصل الصيف أو الشتاء.
لو أن الإدارة هذه تقدّم إحصائية سنوية لعرفنا أحد جوانب هذه الأوسلو، التي صار معظم الفلسطينيين يذمُّونها!
مثلاً، ضابط إسرائيلي عمل سنوات عشرا في الجسور ادّعى أنّ فاقد حركة العبور يشير إلى مغادرة أكثر من مائة ألف فلسطيني بلا عودة. كم عدد العائدين بعد أوسلو؟
الإدارة الفلسطينية للجسور تتوقع، بعد نظام عمل الجسر على مدار اليوم، أن تكون حركة العبور في ذروة نشاطها المقدّر بـ3 ملايين مسافر/ قادم في الاتجاهين.
هذا العام، بدأ جهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني التهيؤ، من هذا الشهر، للمرحلة الثالثة في آخر العام حول الدورة الثالثة للجهاز لنعرف تفاصيل تعداد السكان والمساكن.
سيجيب التعداد الثالث على مؤشر علاقة الديمغرافيا بالجغرافيا الفلسطينية. ما يهمُّنا في هذا هو: هل صارت فلسطين السلطوية هي مركز حياة الشعب، بفضل هذه الأوسلو المذمومة سياسياً؟
تقول تقديرات إحصائية فلسطينية إن نصف عديد الشعب الفلسطيني يقيم ويعيش في المركز الجغرافي الفلسطيني، على جانبي «الخط الأخضر».
تقول تقديرات إحصائية إسرائيلية إن عدد يهود إسرائيل هو 5,5 مليون نسمة، أي أقلّ قليلاً من مجموع يهود العالم.
الفيلسوف الإغريقي القديم اكتشف قانون «الإزاحة» عندما غطس في بانيو مليء بالمياه. دعكم من الأساطير والتاريخ والروايات في تفسير «إزاحة» يهودية للشعب الفلسطيني بفعل النكبة والنكسة.. والتضييق الاقتصادي.
كان ف. إيليتش لينين قد قال إن الامبريالية هي أعلى مراحل الاستعمار، وصارت الامبريالية ترتدي ثوب النيوـ ليبرالية، وهذه ثوب صدام وصراع الحضارات، وهذه ثوب العنصرية، والفاشية.
هل أقول: اليهودية صارت أعلى مراحل الصهيونية، أو أن حركة إحياء يهودية علمانية صهيونية قومية انتهت إلى انتكاسة العودة إلى اليهودية؟
لعلّه اليهودي اسحق دويتشر الذي طرح السؤال: من هو اليهودي، وغيره طرح الجواب: اليهودي ـ اللايهودي. العروبة انتكست، والصهيونية كذلك.. إلى الدين.
المسألة تبقى مطروحة بعد تحقيق الصهيونية دولة في إسرائيل. المسألة ليست هي يهود الشرق ويهود الغرب، أو أشكناز وسفاراد نجحت دولة إسرائيل، إلى حدٍّ كبير، في تكوين شعب إسرائيلي وثقافة عبرية إسرائيلية.. لكن «من هو اليهودي»؟
المسألة هي في مفارقة حديثة يهودية، حيث أن شعبية المأفون دونالد ترامب تتدنّى في عموم العالم، باستثناء دولتين هما: روسيا وإسرائيل. معظم يهود أميركا صوّتوا دائماً لصالح المرشح الديمقراطي. معظم هؤلاء هم من اليهودية الإصلاحية الذين يعارضون شروط «التهويد» المتشدّدة في إسرائيل.
مؤخراً، تجدّد الجدال في حكومة إسرائيل حول مشروع يحصر «التهوُّد» بالحاخامانة الرئيسية، الأرثوذكسية المتشدّدة.
طبيعة تشكيل حكومة نتنياهو، الأكثر يهودية ويمينية جعلته يميل إلى التهويد وفق شروط الحاخامانة الرئيسية الأرثوذكسية، لكن وسط معارضة أجّل الأمر نصف سنة.
مع ذلك، أفصح في خطاب جديد عن الزعم بأن اليهود يشكلون «أمة»، وبهذا طوّر اختلاف المسألة من «دين يهودي» إلى «الشعب اليهودي».. فإلى «الدولة اليهودية».
هناك من تحدّث عن «نازية يهودية» وأبارتهايد أي من الزعم الألماني بـ»أمة آرية» إلى الزعم بـ»أمة يهودية». هناك في إسرائيل من صار يتحدث عن «سنّة» و»شيعة» يهودية، أي عن خلافات التهويد بين الإصلاحية اليهودية الأميركية، والأرثوذكسية اليهودية الإسرائيلية.
كان زعيم «البيت اليهودي» نفتالي بينيت قد تخوّف من «حل اقتصادي» للصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي يؤدي إلى انتعاش اقتصاد الضفة، بما يجعلها «جاذبة» لعودة 1,6 مليون فلسطيني آخر إلى «المركز» ومن ثم انتصار الديمغرافيا الفلسطينية على اليهودية ـ الإسرائيلية، بينما يتحدث وزير يهودي، روسي الأصل، هو ليبرمان، عن فصل جغرافي ـ ديمغرافي.
أما الصهاينة العلمانيون فهم يخافون الآن على «يهودية الدولة» من احتلال طال أمده ومشاريع ضمّ تؤدي إلى دولة ثنائية القومية. هذه الأرض المقدسة صارت «مكدّسة» ديمغرافياً.
المفارقة أن عرب العالم العربي، وحروب السنّة والشيعة، أعادت التفكير بشعار «أُمّة عربية» بينما يدّعي نتنياهو بـ»أُمّة يهودية»، ولم يعد العرب يقولون «شعب عربي» بل شعوب وأمم وقوميات في نطاق العالم العربي.
المهم أن فلسطين عادت مركز حياة الفلسطينيين، لا الشتات ولا اللجوء؛ وإسرائيل صارت مركز حياة يهودية.
قارنوا بين سماحة قول شاعرنا عن شعبه: «يا ابن أكثر من أب» وادّعاء غريب يقول إن اليهود في العالم يشكلون «أُمّة»!
تريَّثُوا قليلاً في ذمِّ أوسلو، فهي جعلت فلسطين مركز حياة الفلسطينيين.