أكد الرئيس الفلسطيني محمود عباس، خلال خطابه أمس، على أن السلطة الفلسطينية مستمرة في وقف تحويل المخصصات المالية لقطاع غزة تدريجياً ما لم تلتزم حركة حماس باستحقاقات المصالحة، مشيراً إلى وجود جهات تسعى لإدامة انفصال قطاع غزة حتى لا تقوم دولة فلسطينية.
وقال:" نقدم مليار دولار ونصف من الميزانية لغزة سنوياً، وهذا ليس منة لأحد بل واجبنا، وسنوقف جميع هذه المبالغ تدريجياً إن لم تلتزم حماس باستحقاقات المصالحة"، مضيفاً "أن لاأموال التي ندفعها لغزة أصبحت حرام على حركة حماس".
وفي قراءة آثار خطاب الرئيس، بيّن المحلل السياسي وأستاذ جامعة الأمة د. حسام الدجني، أن خطاب الرئيس أمس، بمثابة رصاصة الرحمة لملف المصالحة الفلسطينية، وذلك بعد أن أقر فرض مزيد من العقوبات والإجراءات ضد قطاع غزة.
أما المحلل السياسي وأستاذ العلوم السياسية في جامعة القدس المفتوحة، أحمد رفيق عوض، قال إن الرئيس مصمم على ربط إجراءاته ضد غزة بحل اللجنة الإدارية، مشيراً إلى أنه يريد استعادة الوحدة الوطنية بهذه الطريقة للضغط على حماس.
وأوضح الدجني خلال حديثه لوكالة "خبر"، أن خطاب الرئيس أعطى الضوء الأخضر لمفاقمة واقع غزة المرير بوتيرة أكثر مما هي عليه الآن، مضيفاً "أنه لا يمكن إنهاء الانقسام من خلال الإجراءات الأخيرة التي اتخذها الرئيس بغزة".
ولفت عوض إلى أن الرئيس رفض في بادئ الأمر التعامل مع غزة من خلال فرض العقوبات، إلا أنه ذهب مؤخراً إلى هذا الخيار بعد فشل كافة الاتفاقيات السابقة.
ووصف الدجني خطاب الرئيس بالمخيب لآمال المواطنين في القطاع، مشيراً إلى أن جموع الشعب الفلسطيني بغزة كانت تأمل أن يخرج الرئيس بخطاب يتراجع من خلاله عن العقوبات التي فرضها عليهم، وأن يعرض أي مقترح من شأنه أني يُنهي الخلافات مع حركة حماس والذهاب نحو حل اللجنة الإدارية والبدء بحوار شامل.
واعتبر عوض خلال حديثه لوكالة "خبر"، أن خطاب الرئيس جاء بعد تعقد الوضع الفلسطيني وتدخل أطراف عديدة وأجندات كثيرة من مختلف دول الإقليم، منوهاً إلى أن تصميم حركة "حماس" على إبقاء اللجنة الإدارية، سيقابل بعقوبات فرضها الرئيس على القطاع من أجل إنهاء الانقسام.
واعتقد الدجني أن الخطاب سيعزز من التفاهمات مع دحلان ومصر وتطبيقها على الأرض، وبالتالي الرئيس سيستفيد من هذه الخطوات من خلال الانفصال عن غزة دون دفع أي ثمن سياسي، بالإضافة إلى حصوله على الأموال من خلال المقاصة والشركات.
وأكد عوض على أن خيار الوحدة الوطنية بات مطلباً شعبياً وضرورة ملحة خاصة في هذه الأوقات الحرجة التي تمر بها القضية الفلسطينية، لافتاً إلى أن تعنت الطرفين بإجراءاتهم لن يعود بالفائدة على أي مواطن فلسطيني.
ولفت الدجني إلى أن لغة الرئيس التي استعملها في خطابه، كانت وسيلة ضغط على حماس، مشيراً إلى أن الحركات الدينية والإسلامية لا يمكن تطويعها بالاشتراطات والتهديدات، "وهذا ما يجعل الأمور معقدة بين الرئيس وحركة حماس".
وقال عوض: "إن أحداث الأقصى كان من الممكن أن يُبنى عليها علاقة جديدة بين السلطة وحماس"، مضيفاً "أنه لا يوجد تفسير لما يجري في ظل وجود أطراف خارجية تتحكم بالقضية الفلسطينية".
وأشار الدجني إلى أن خطاب الرئيس كان بحاجة إلى مزيد من الدبلوماسية، باعتباره الخيار الأمثل مع حركة حماس التي تطالبه بالتراجع عن القرارات والعقوبات غير القانونية والتي ألحقت الضرر بشرائح المجتمع بأكمله.
وبيّن عوض أنه بعد الصمود الأسطوري للمقدسيين، كان الأجدر بحركة "حماس" أن تقبل بمبادرة الرئيس والبناء وطنياً على انتصار الأقصى، والتقاط خطابه وتفهمه في لحظته، مضيفاً "من لا يلتقط اللحظة التاريخية تضيع عليه للأبد".
ونوه الدجني إلى أن قطاع غزة يتجه نحو أوضاع غاية في الصعوبة من الناحية الاقتصادية والاجتماعية، مشدداً على أن الجميع ينتظر تطبيق تفاهمات "حماس- دحلان" على الأرض من خلال فتح معبر رفح وبدء تدفق البضائع.
ودعا عوض حركة حماس إلى القبول بمبادرة الرئيس ودراستها، والنزول ولو قليلاً عن الشجرة، خاصة في ظل مايعانيه قطاع غزة من أوضاع غاية في الصعوبة.
وتوقع الدجني أن معالم وطبيعة المرحلة في القطاع ستضح بعد عيد الأضحى، حيث أن ذلك مرتبط بفتح مصر لمعبر "رفح"، الأمر الذي سيخفف من حجم الضرر الذي لحق بالقطاع جراء خطوات الرئيس الأخيرة.
وشدد عوض على أن المتضرر الوحيد من استمرار الانقسام هو المواطن الفلسطيني في غزة كونه الطرف الأضعف، الذي يدفع الثمن، متسائلاً:" لماذا يدفع شعب غزة ثمن المعاناة، وعنوان الثورة وسبب وجودنا ومستقبلنا".
الجدير ذكره أن الرئيس عباس اتخذ مؤخراً عدة خطوات تجاه قطاع غزة من بينها تقليص الكهرباء الواردة من إسرائيل، ومنع إدخال الوقود الصناعي اللازم لمحطة توليد الكهرباء، بالإضافة إلى خصومات كبيرة طالت رواتب موظفي السلطة، عدا عن إحالة أعداد كبيرة منهم للتقاعد المبكر، بهدف ثني حركة حماس عن الاستمرار بالانقسام.