احتضن المجلس الأعلى للثقافة في القاهرة حفل توقيع الديوان الجديد للشاعر الفلسطيني عبدالله عيسى، والذي صدر عن دار ابن رشد.
وكتب مراد السوداني الأمين العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين على غلافه كلمة مكثفة جاء فيها" بدقة واقتدار يدرز الشاعر عبدالله عيسى بإبرة القلب قصيدته المحمولة على الخصوصية وفرادة المفردة والجملة الشعرية مقدماً نصاً مختلفاً في سياق التجربة العربية".
وأضاف" تنهض الأمكنة من صفد إلى مخيم اليرموك إلى فضاءات النهش التي استباحت روح الفلسطيني من مغتربات كاوية فعمدته التجارب وأهوال الطريق الطويل، إنها فلسطين بكامل فوضاتها ترشح من ثنايا المجموعة التي تستحق الإنتباه، فلسطين التي تواصل تجسيد حريتها المشتهاة فعلاً ناجزاً".
وقدمت حفل التوقيع ومناقشة الديوان الكاتبة الروائية المصرية ضحى عاصي والتي اطلعت على تجربة الشاعر عبد الله عيسى منذ ثمانينيات القرن الماضي وأهميتها في سياق العملية الشعرية العربية عموماً، والفلسطينية خاصة، وخصوصيتها في المشهد الشعري، لاسيما وأن الشاعر حصل على جوائز عربية وعالمية شكلت اعترافاً بالإنجازات الإبداعية المتميزة التي احتفظت لنفسها تجربته الشعرية بها.
وفي مستهل المناقشة النقدية والفنية لديوان "وصايا فوزية الحسن العشر"، قال الدكتور كمال مغيث الخبير بالمركز القومى للبحوث إن الموت عند الشاعر عبد الله عيسى هو البداية والحرية والاختيار وليس النهاية أو الإفلاس، مشيرا إلى أن الأمة عنده هي الأصل والخلود والاستمرار في فلسطين قدره المعروف.
وأضاف مغيث خلال الندوة" لم تكن القضية الفلسطينية واضحة لجيلنا تماما، كأن النظام السياسي الذي نشأنا في ظله قام تعسفاً باعفائنا من هم هذه القضية، تحت زعم أنه من سوف يقوم بحل قضيتها، وفي هذا الديوان لا يترك لنا الشاعر عبدالله عيسى خياراً إلا التوحد مع معاناة وآمال الشخوص التي يقدمها والانتماء لتفاصيل المخيم ولامتدادات عملية النضال الفلسطيني".
وتابع: لعبد الله عيسى تراكيب خاصة ومتميزه تشعر القارئ أنه قرأ الشعر كله كما هو واضح في كثير من مقالاته لا ينافسه أحد فهو شديد الخصوصية وتأتي كل كلمة في موضعها الصحيح تماما، وبالرغم من القسوة الشديدة إلا أن ديوانه شديد العذوبة، مشدداد على عمق الصلات التاريخية والثقافية بين مصر وفلسطين، ليأتي ديوان "وصايا فوزية الحسن" ليعمق هذه الصلات ويغني حالة التواصل الإبداعي بين مثقفي ومبدعي البلدين.
وأشار د. محمد عفيفي أستاذ التاريخ الحديث بجامعة القاهرة والأمين العام الأسبق للمجلس الأعلى للثقافة الى" شعرت أثناء قراءتي لديوان وصايا فوزية الحسن العشر للشاعر الفلسطيني عبد الله عيسى أنني في فلسطين، ووجدت الخلفية أمامي هي مسألة الهوية، وأصبحت قضية فلسطين لا تظهر إلا في الأوقات الصعبة في حياة الأمم، وفي هذا الديوان تعود لنا القضية الفلسطينية من خلال عنوان اللجوء والعودة لنصبح جزء من العائلة الفلسطينية في المخيم ومن معاناتها وطموحاتها".
وأضاف أن الحفاظ على التراث له تأثير حتى على اسرائيل مثل الشاعر محمود درويش الذي أثر على شعراء إسرائيل، معتبراً أن ديوان "وصايا فوزية الحسن" يترك أثره البالغ في القارئ العربي، وأنه يؤرخ لحياة المخيم ولاجئيه، ومن خلال أحلامهم وانكساراتهم وتفاصيل حياتهم للتجربة الفلسطينية برمتها.
وتابع عفيفي" لغة عبد الله عيسى عالية جدا فهو لديه قدرة كبيرة على التجريب في اللغة، والديوان رائع ومن أكثر القصائد التي أعجبتني هي قصيدة ياسر عرفات".
واعتبر الدكتور أنور مغيث، رئيس المركز القومي للترجمة ديوان عبدالله عيسى ملمحاً مهماً في سياق عملية التجريب الشعري والبحث عن نص جديد يترك ظلاله في مستقبل القصيدة المتجددة، مضيفا" فالعالم الشعري المقدم متعدد بتعدد أدوات خلقه وأساليب التعبير عنه، وتنوع طرائق تجسيده بتراجيديات شخوصه وسردياتهم الكبرى، وإن لم يكونوا أبطالاً نعرفهم، واستشهد بقراءة قصائد مختلفة للدلالة على مقدرة الشاعر عيسى على الولوج في عوالم غير مكتشفة عبر لغة وبنائية فنية جديدة على التجربة الشعرية عموماً، وعن علاقة الفلسطينى بأرضه تحدث الدكتور مغيث، موضحاً التميز والخصوصية التى يتميز بها الفلسطينى فى علاقته بوطنه".
واعتبر أستاذ النقد د. محمود الضبع أن هناك أزمة شعرية يشهدها العالم العربي، مشيرا إلى أن ديوان وصايا فوزية الحسن للشاعر عبد الله عيسى يعيد الاعتبار للتجريب والتجديد في الشعر، مشدداً على أن التجريب الشعري هو المنطلق الأساس لعمل الشاعر عيسى على القصيدة، كما توقف مطولاً عند اللوحات الخصوصية التي تجسدت في الديوان، مبينا أنها تجعل القارئ يحلق في الديوان مع الشخصيات المؤثرة به.
وأضاف" كأن الشاعر أراد أن يؤكد أن حركة النضال الفلسطيني تعتبر نموذجاً منذ عام ١٩١٧وحتى الآن".
وبعد انتهاء جولة المناقشين على المنصة للديوان، أكد الكاتب الفلسطيني والمستشار الثقافي في سفارة دولة فلسطين في جمهورية مصر العربية ناجي الناجي على أهمية تجربة الشاعر عبد الله عيسى في سياق العملية الشعرية الفلسطينية والعربية، مشيراً إلى تميزه وخصوصيته وامتلاكه لنص وصوت شعريين خاصين لا يمكن أن يتشابها لدى القراءة مع أحد، معتبراً أن التأريخ لتجربة الفلسطيني في لجوئه إبداعياً تأتي في سياق سؤال الهوية والمصير والتمسك بحلم العودة، لاسيما وأن ديوان وصايا فوزية الحسن يؤسطر شخوص المخيم كما يؤسطر تفاصيل عوالمها اليومية وتراجيدياها، ويجسد جدلية المعيشي والمقدس.
وأشار المخرج الفلسطيني فائق جرادة إلى أن اللوحات الشعرية الخاصة التي كثفت عوالم متعددة ومتنوعة تجسد حقيقة أن الشاعر عبد الله عيسى هو مخرج أيضاً، وقد مزج بين تقنيات فن الشعر والفن السابع.
وقال كاتب السيناريو والناقد وليد سيف إن الصورة الشعرية الخصوصية التي يتميز بها الشاعر عبد الله عيسى في كل قصائده وأسطره الشعرية أشبه بلوحة فنية تلهم كل مبدع في حقول الفن التشكيلي والسينما.
وبين سيف أن الشاعر عبد الله عيسى يشبه قصيدته بعمقه ووضوحه وحريته الفكرية والحياتية، وخصوصيته في التعبير عن ذاته وقضيته بروح خلاق.