لا طريق إلا الوحدة...

WeSO3.jpg
حجم الخط

 

على الرغم من ضخامة وسخونة الأحداث التي أصبح وأمسى عليها العالم في الفترة الأخيرة، إلاّ أن ملف المصالحة الفلسطينية حظي باهتمام دولي وعربي وإعلامي، ولم تنقطع حبال الأخبار التي تتوارد تباعاً عن مصير المصالحة التي تتوسطها مصر.
الحديث عن المصالحة هذه المرة يعني تفاؤلاً باستعادة الوحدة الوطنية الحقيقية التي يبدو أنها كانت غائبة عن أجندات أصحاب الانقسام طيلة السنوات الماضية، لكن هناك ظروفا وعوامل ربما نضجت وقادت إلى تحقيق المصالحة في قطاع غزة.
المناخ الدولي عموماً متحمس لجهة إنهاء الانقسام الفلسطيني الداخلي، خصوصاً وأن التركيز على الوحدة والمصالحة من شأنه أن يقود إما إلى استيعاب "حماس" في إطار الصورة وفي تفاصيل النظام السياسي الفلسطيني، أو يبعدها عن هذا المشهد.
الدول الأوروبية ربما هي الأكثر تحمساً من باقي دول العالم لهذه المصالحة التي جرت قبل عدة أيام في غزة، بدليل أن الأوروبيين قرروا زيادة الدعم المادي للسلطة الفلسطينية من أجل معاونتها على دفع أجور موظفيها.
كما يعني العرب أيضاً إنهاء الانقسام الفلسطيني، لأنهم الأكثر درايةً من غيرهم بما يمكن أن يشكله الفراق الداخلي من شلل في مفاصل الدولة، ومن ضعف في نسيجها السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
على أن الدولة الوحيدة التي تتمنى عودة الانقسام وإطالته إلى أجل غير مسمى هي إسرائيل التي كانت تصب الزيت على نار هذا الانقسام، وتستفيد منه بتكثيف الاستيطان وممارسة سياسات عنصرية توسعية لم تكن تلقى ذلك الصدى الفلسطيني الداخلي بسبب الطلاق والحرد الفصائلي.
داخلياً يجوز القول إن عوامل عديدة جعلت من حركة "حماس" تفكر في إعادة صياغة حساباتها، انطلاقاً من المتغيرات الدولية والإقليمية التي مأزقتها أكثر فأكثر وحشرتها في الزاوية، وهذه المتغيرات هي التي جعلت الحركة تنظر في جسمها الداخلي وسياساتها الخارجية.
نتيجة ذلك أن ضخت دماء جديدة إلى الحركة، وتبديل القيادات الحمساوية خصوصاً في الصف الأول ولو في إطار انتخابات موسمية، هو مؤشر على أن الحركة تعيد النظر في مواقفها وسياساتها، إذ لم يعد خالد مشعل في الصورة كما كان من قبل.
حالياً يعتبر إسماعيل هنية هو الشخصية الأبرز في حركة "حماس" بحكم المنصب، فهو رئيس المكتب السياسي للحركة، في حين فاز يحيى السنوار بمنصب قائد الحركة في قطاع غزة وعيّن خليل الحية بمنصب نائب الرئيس. وحديثاً انتخب صالح العاروري الذي يقيم في الخارج، نائباً لرئيس المكتب السياسي لـ"حماس"، وهذا المنصب كان يتولاه موسى أبو مرزوق.
هذا التغيير يشي بأن "حماس" مشعل ليست هي "حماس" هنية، بدليل أن المصالحة تمت بعد أن قررت الحركة حل اللجنة الإدارية في غزة، هذه التي شكّلت فيما مضى عنواناً جديداً لتأبيد الانقسام، ولا يعني تغيير الدماء في الحركة أنه كان لها موقف في السابق و"لحسته" اليوم.
يعرف عن "حماس" بأنها فصيل فلسطيني منظم ومهما علت الأصوات المختلفة فيها، تبقى الحركة موحدة خصوصاً في برنامجها السياسي، لكن قراءة المتغيرات الإقليمية والدولية هي التي دعت الحركة للتفكير في إجراء التغيير المطلوب.
لذلك كانت اللقاءات الاستباقية تعقد في القاهرة، إذ تدرك الحركة "الحمساوية" أن فتح جبهة توتر مع مصر يؤثر سلباً على أوضاعها الداخلية وحتى على مصير حكمها في غزة، وتدرك أيضاً أن تفردها في إدارة القطاع وتمسكها بنهج المقاومة المسلحة في إطار رد الفعل و"الحركشة" الإسرائيلية، يطيحان مع الوقت بسمعتها على المستوى الداخلي الفلسطيني والدولي.
ثم إن توتر العلاقة بين "حماس" وقطر مؤخراً، وخروج قيادات الحركة من الدوحة، ضغط كثيراً على الحركة كونها تحصل على دعم سخي من قطر، ومثل هذا الدعم كان ينقذها ويطيل من عمرها، في ظل أوضاع بالغة التعقيد في غزة.
أضف إلى ذلك أن إجراءات السلطة الفلسطينية العقابية الأخيرة، جعلت من "حماس" تفكر بالتعامل مع ملف المصالحة بشكل جدي، وهذه الأخيرة –حماس- تدرك أن بقاء الأمور على ما هي عليه ستجعل غزة قابلة للانفجار عليها وهي التي تتحكم فيها منذ حوالي عشرة أعوام.
في حقيقة الأمر من الصعب الحديث عن تغير جذري في الموقف "الحمساوي"، خاصةً وأن موضوع حل اللجنة الإدارية في غزة لا يصلح أن يكون مقياساً لتغير مواقف الحركة، لكن يجوز القول إن اللقاءات المقبلة مع حركة "فتح" في القاهرة، من شأنها أن تكشف عن هذا الموقف.
قبول "حماس" بالمصالحة واستجابة حركة "فتح" والسلطة الفلسطينية وتوجهها إلى غزة حيث استلمت مهامها هناك، كل ذلك يعتبر مؤشراً جيداً نحو توحيد الصف الفلسطيني، إنما الفصل الحقيقي في هذه الوحدة هو حدث ما بعد وصول الحكومة الفلسطينية إلى القطاع.
عملياً هناك ملفات جد مهمة وصعبة سيجري النقاش حولها، مثل ملف الانتخابات والمصالحات المجتمعية والمعابر وموظفي "حماس" ومنظمة التحرير والأمن، وهذه الأخيرة تعتبر واحدة من أعقد الملفات نظراً لأن "حماس" تخلت بالفعل عن إدارة القطاع، لكنها لم تتخل عن حمايته وإدارته بالمعنى الأمني.
في إطار كل ذلك، ينبغي التأكيد على أن الذهاب إلى المصالحة ليس كمن يخرج منها، فهذه المرة يعول الشعب الفلسطيني كثيراً على نجاحها، وهو متعطش جداً لأولوية الوحدة الوطنية، لأنها عنوان صموده في مواجهة الاحتلال الصهيوني.
العبرة تكمن في لقاء القاهرة المرتقب الذي من شأنه أن يحدد بوصلة الحوار الفلسطيني، فإما أن يتوحد الفلسطينيون تحت مظلة سلطة واحدة، تكون فيها "حماس" حاضرة إلى جانب "فتح" في السلطة ومنظمة التحرير أو خارج الإطار الرسمي، وإما أن الشيطان مرابط في التفاصيل.
حذار هذه المرة من إفشال تفاؤل الشعب الفلسطيني في تطلعه الشديد للوحدة وإنهاء الانقسام، فهو أكثر من غيره مدرك بأن سر قوته في وحدته، ولذلك ينبغي على المتحاورين أخذ هذا الموضوع في الحسبان، وأن لا خيار لهم ولا طريق آخر سوى طريق الوحدة.
فقط نحتاج إلى تنازل بسيط في المصالح بين الطرفين، "فتح" و"حماس" ، لتكريس هذه المصالحة الجميلة التي شاهدنا واحدة من أول فصولها في مشهد غزة، على أمل انتظار نتائج طيبة تعيد الاعتبار للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة.