تسريبات مقصودة وليست عناوين خطة

صادق الشافعي.jpg
حجم الخط

لو كان لدى الإدارة الأميركية خطة جاهزة لحل القضية الفلسطينية، فلماذا يتم الإعلان عنها من «القناة الإسرائيلية الثانية»؟ ولماذا يقوم مصدر في الحزب الديمقراطي (الأميركي) سمع بالكلام عن الخطة من البيت الأبيض فقام بنقله الى القنوات الإسرائيلية؟
أليس لدى البيت الأبيض رئيس ومساعدون ومستشارون ووزراء واجهزة لتقوم بالاعلان عن الخطة رسمياً؟
كيف تكون الخطة جاهزة بينما يصرح «غرينبلات» مبعوث الرئيس الاميركي الأكثر تماساً بالخطة والمكلف التحضير والتهيئة لها «ان التوصل الى اتفاق سلام سيستغرق وقتاً طويلاً»؟
ثم، أليس لافتاً ان الفقرة الوحيدة من الخطة التي تم الافصاح عنها عبر القناة الاسرائيلية، هي تلك المتعلقة بـ «الحل الاقليمي، المختلف تماماً عن كل الخطط التي طرحت بالسابق» وان جوهر هذا الحل ومحتواه «حل شامل اقليمي وليس حل صراع فلسطيني اسرائيلي... ...من اجل التطبيع مع اسرائيل من جميع الدول العربية».
يبدو ان الهدف والمقصود من كل هذه «الحدوتة» تسريب رسالة بان جوهر ونقطة المركز والاساس في الخطة التي يجري التحضير لاطلاقها هو «الحل الاقليمي»، وان الرسالة موجهة أساساً الى دولة الاحتلال وبالذات الى الاتجاهات والقوى الاكثر يمينية واستيطانية فيها.
فكرة «الحل الاقليمي» ليست جديدة. فهي الفكرة الاهم، وربما الوحيدة، المتبلورة والمعروفة في مشروع «صفقة العصر» للرئيس ترامب.
لكن الرئيس ترامب لم ينجح حتى الآن ان يكسو هذه الفكرة تفاصيل وآليات واطراً والتزامات تحولها الى خطة متكاملة، ومن هنا جاء تصريح غرينبلانت المشار اليه حول الحاجة لوقت طويل.
عدم النجاح يعود الى اسباب عديدة ومتنوعة أهمها ثلاثة متحركة ومتداخلة فيما بينها. وترتيبها التالي هو ترتيب افتراضي:
الاول، هو الاوضاع الداخلية للادارة الاميركية نفسها وحالة عدم الاستقرار في أوضاعها وفي اوضاع المسؤولين الأول فيها. يضاف اليها حالة الشد في علاقات الادارة مع الكونغرس ومع القضاء والاعلام، ومع العديد من الهيئات المدنية. وكل هذه امور تدفع الادارة باتجاه طلب رضا اللوبي الاسرائيلي الاميركي شديد النفوذ والتأثير، والى زيادة الاعتماد عليه. الأمر الذي يفتح على طلب رضا دولة الاحتلال وتقديم الدعم غير المسبوق لها في كل المجالات، وفي المحافل الدولية. والاهم، عدم الاختلاف معها او اغضابها بالذات في أمور هي بمفاهيمها وقناعاتها قومية ومصيرية.
السبب الثاني، هو المتعلق بدولة الاحتلال التي لا تبدي اي تجاوب او استعداد للتعاطي ولو بالحد الادنى مع المتطلبات والتنازلات والشروط التي لا يمكن لـ «صفقة عمر» الرئيس ترامب، او لأي مبادرة أُخرى من اي جهة اتت، ان تتجاوزها.
دولة الاحتلال، لا تقف حتى في موقف المنتظر إعلان أفكار ومقترحات الرئيس ترامب فكأنها تقرأ أفكاره وأسئلته وتضع العصي في دواليبها قبل صياغتها كمقترحات ودحرجتها على أرض المحاولة.
دولة الاحتلال بالمختصر، تنفذ على ارض الواقع، عملية قتل لأي مبادرة للحل السياسي سواء أتت من ترامب او غيره.
تفعل ذلك في المقام الأول بإطلاق استيطانها مستبيحاً الاراضي المحتلة ومتحرراً من كل عقال، بما يوصل الى طرح السؤال حول واقعية فكرة الدولة الفلسطينية. وتفعل ذلك بالقوانين العنصرية الالحاقية، كما تفعله بتحديها الصريح لدرجة الوقاحة، لكل هيئات المجتمع الدولي وقراراتها. ثم تفعله برفضها الإجماعي والحازم لمبدأ حل الدولتين الذي يعتمده المجتمع الدولي، ومعه فكرة الدولة الفلسطينية او اي شكل كياني فلسطيني.
اذا اسقط مبدأ الدولتين، وسقطت فكرة الدولة الفلسطينية، فعن اي «صفقة عصر» او اي مبادرة يمكن الحديث؟
السبب الثالث، هو العربي، والفلسطيني في المركز منه.
صعب التصور ان يقبل النظام العربي بالحل الإقليمي كما يتم التمهيد له في صفقة عصر الرئيس ترامب. خصوصاً وكما هو شبه مؤكد، ان الصفقة لن تقوم على مبدأ الدولتين ولن تتبنى فكرة الدولة الفلسطينية، ولا إنهاء الاحتلال.
حتى الآن، رغم كل الأحاديث والأخبار عن التجاوب العربي، وكلها تقريباً مصدرها دولة الاحتلال وبشكل مقصود ومخطط له ومبالغ فيه جدا، فانه لا توجد مؤشرات جدية وهامة على التجاوب المذكور. ولا توجد مثل هذه المؤشرات على نية او احتمال تراجع النظام العربي عن مبادرته التي اقرها في قمة بيروت 2002، ولا عن بند المبادرة المفتاحي والشرطي لكل ما بعده من بنود، وهو إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة. اللهم الا اذا تلطّى بعض هذه الدول بموقف فلسطيني يبرر به تجاوبه/ تراجعه.
وهذا غير حاصل، فالموقف الفلسطيني ثابت ومتماسك، ومتمسك بثوابته الوطنية، وفي أساسها إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الوطنية المستقلة، وبالقدس عاصمة لتلك الدولة.
وثلاثتها مستحيلات لا يمكن لدولة الاحتلال القبول بأي منها.
لا يمكن قراءة السبب العربي، دون الانتباه الشديد الى حقيقة استمرار حضور القضية الوطنية الفلسطينية وحقوق أهلها ونضالاتهم عميقا في الوجدان الشعبي العربي، ومعه العداء لدولة الاحتلال وكل سياساتها وممارساتها الاحتلالية والعنصرية ضد أهل البلاد وأصحابها.
ويشكل هذا الحضور سداً يصعب جداً القفز فوقه، او حتى المناورة عليه.
ولا بد ايضا، من الانتباه الى حقيقة ان دولة الاحتلال بحكومتها وقواها السياسية وأغلبية مجتمعها الساحقة، ليست مطلقاً في وارد، وليست مضطرة، لتقديم اي شيء يمكن ان يغري اي طرف التفكير بملاقاتها والتنازل لها، خصوصاً اذا تعلق الأمر بتنازلات تمس القضية الوطنية الفلسطينية.
وهذا ما يقود الى التساؤل حول كل موضوع المفاوضات السياسية بطرائقها وأسسها كما ظلت، ولا تزال، تجري في السنوات الأخيرة.
وهذا ما يفرض إعادة ترتيب الأولويات الوطنية والنضالية لصالح ترتيب البيت الفلسطيني أولا، ومعه استعادة فعالية ودور وتأثير العامل العربي الى أيام عزه.