المجتمع الدولي.. بين الاستقواء والاستدعاء

صادق الشافعي
حجم الخط

-خبر- كتب : صادق الشافعي

تكثر بشكل ملحوظ الدعوات التي تطلب من المجتمع الدولي التدخل المباشر او اتخاذ القرارات المناسبة تجاه القضية كذا او المشكلة كذا او الفعل كذا حتى أصبحت أقرب الى تكرار العادة. ويصاحب هذه الدعوات لومٌ كثير، وربما إدانة للمجتمع الدولي انه لا يقوم بواجبه المطلوب تجاه هذه القضية او تلك.

كثرة المطالبة من جهة واللوم والإدانة من جهة أُخرى، تغفل ان هذا المجتمع الدولي، ومؤسساته الرئيسية المقررة بالذات، هو محصلة توازنات قوى دولية وانه يخضع بتقرير مواقفه وقراراته وصولا الى التدخل بهذا القدر او ذاك الى تلك التوازنات، ومن خلفها وفي أساسها المصالح والاستراتيجيات الكونية للمكونات الأكثر تأثيرا ونفوذا فيه، وينحكم بالتالي الى المساومات التي يمكن ان تتوصل إليها فيما بينها. 
هناك فرق بين دعوة المجتمع الدولي ومؤسساته الرسمية بهدف الاستقواء، وبين استدعائه للتدخل لأجل العون والنصرة. 
في الحالة الأولى، الاستقواء، فان دعوة المجتمع الدولي تأتي من موقع القوة والاقتدار وامتلاك القدرة على تحويل قرار المجتمع الدولي الى فعل قادر على حل المعضلة او المشكلة التي صدر القرار بخصوصها. القرار الصادر عن مؤسسات المجتمع الدولي في هذه الحالة يلعب في معظم الحالات دور المحلل والمشرع للقوى القادرة التي سعت لاستصداره لتلعب الدور الأهم في تنفيذه متسلحة او متغطية بالشرعية الدولية وتأييد المجتمع الدولي ومؤسساته الرسمية.
 اي ان دعوته هي عملية استقواء تستقوي فيها الدول القادرة بقرار او موقف المجتمع الدولي بما يوفره لها من شرعية دولية، وتعمل ما تريد تحت لوائه وشرعيته. لذلك، فان القوى القادرة والمتنفذة في المجتمع الدولي تبقى حريصة على الإمساك بمفاتيح قرار الشرعية الدولية، سواء بالمساومة فيما بينها، او بممارسة الضغط على بعض الأطراف، او رشوة او تهديد بعضها الآخر. ومع ذلك فانها تحتفظ لنفسها بحق التصرف منفردة او مع من يتفق معها دونما حاجة الى شرعية المجتمع الدولي وغطائه اذا اضطرت لذلك. كما حصل في غزو أميركا وحلفائها للعراق 2003. 
اما في الحالة الثانية، الاستدعاء، فانه في الغالب يصدر كاستغاثة من اطراف لا تملك القدرة على مجابهة الحيف الذي يقع عليها او الاعتداء الذي تتعرض له، او استعادة حقوق لها تم اغتصابها، وهي في الغالب تعرف مستقبلا ان المجتمع الدولي غير جاهز، وربما غير قادر على نصرتها. لكنها تتابع استدعاء تدخله لنصرتها وتواصل في نفس الوقت اللوم والإدانة لعدم قيامه بذلك.
الغريب انه في حالات معينة فان الأطراف، وبالذات الدول التي تستدعي تدخل المجتمع الدولي، تملك من مصادر القوة الذاتية على أنواعها ما يمكنها لو أرادت، مع بعض التحالفات المناطقية والضغط بالمصالح التي تتحكم بها، من مجابهة المعضلة التي تواجهها وان تفرض على المجتمع الدولي إما القبول بما قامت به وإقراره وإما الإسراع بالتدخل المطلوب.
مثل هذه الأطراف التي لا تملك إمكانية التصدي بقواها الذاتية لما تواجهه من حيف او اعتداء، او التي لا يمكنها او لا ترغب استعمال مصادر قوتها لأسباب او ارتباطات او حسابات مختلفة، فإنها تستسهل استدعاء التدخل الخارجي ولو من أطراف خارج إطار مؤسسات وقرارات المجتمع الدولي وشرعيته.
 وما أشكال التدخل من كل صنف ولون التي نراها تسرح في عديد من دول المنطقة العربية إلا خير دليل على صحة ذلك.
في مثل هذه الأجواء يكثر الحديث عن المؤامرة، والخارجية منها بالذات، وتحال عليها المشاكل كلها، انْ من حيث البدء والنشوء، وان من حيث التنفيذ والنتائج. ويحصل ذلك غالبا بطرق سردية وصفية وتقريرية، دون تكليف النفس عناء تبيان او اقتراح طريق التصدي لها والإفلات من مراميها.
 مع ان القوى القادرة والمعنية بحديث المؤامرة لا تشعر أنها مضطرة الى إخفاء أهدافها ومطالبها وتوجهاتها الأساسية، وتنشر معظمها، إلا ما كانت له صفة السرية، على شكل دراسات وأبحاث تصدر عن مراكز الفكر والدراسات التي ترتبط بها او تدور في فلكها وفي وسائل الإعلام، ودونما اعتبار كبير للأطراف التي تمسها او تتأثر بها.
 وفي المقابل، فان الأمر لا يحتاج الى التآمر والسرية مع أطراف على درجة من الضعف والتبعية، قليلة الحيلة، قليلة الفعل ومستكينة في موقع المتلقي لا تبارحه.
لكن منذ ما يزيد على عقدين من الزمن تتنامى على المستوى العالمي تعبيرات لحركة المجتمع الدولي بعضها تتبع مؤسساته الرسمية مع مساحة واسعة من الاستقلال وحرية الحركة، وبعضها أنها تدور بفلك المجتمع الدولي ولكن باستقلالية تامة عن مؤسساته الرسمية.
 الطابع والمحتوى الأساسيان لهذه التعبيرات هما أهلي مدني بالدرجة الأولى، واتجاهها الأساس الدفاع عن الحقوق الأساسية للإنسان مثل السلام والعدل وحرية التعبير والانتماء وحرية المرأة وحقوق الطفل ورفض التمييز العنصري وكل أشكال الاضطهاد، وضد الاحتلال والاستغلال من اي نوع و.....    
 ويتنامى فعل هذه التعبيرات وتأثيرها بشكل ملحوظ في نصرة القضايا العادلة على مستوى العالم وبالذات تجاه الأطراف التي لا تمتلك مصادر القوة.
واصبح لهذه التعبيرات دور مؤثر ومتنام على المؤسسات الدولية الرسمية ومواقفها وقراراتها، كما على دولها الوطنية وحكوماتها ومجتمعها. وغدت لذلك الوجهة الصحيحة والمفضلة التي يتم فعلا استدعاؤها للنصرة وطلب العون من المستضعفين ومن القوى المناضلة من اجل حقوقها، وبالذات من حركات وقوى التحرر الوطني، ومنظمات وجمعيات المجتمع المدني المناضلة في المجالات التي تم ذكرها كأمثلة.