تدفق المعلومات وتهمة الإعلام المناكف

صلاح هنية.jpg
حجم الخط

سأقيس على نفسي ومنها أعمم، بما أنني الآن جليس البيت لوضع صحي منذ خمسة أسابيع من الآن وأسأل كيف يمكن للمواطن ان يعرف ماذا يدور حوله؟!! وكيف يستطيع ان يشارك في تقييم الأداء لجميع المكلفين تقديم خدمات للمواطن مقابل ضريبته ومقابل اشتراكه في هذه الخدمة او تلك ومقابل رسومه التي يدفعها في هيئة الحكم المحلي التي يتبع لها؟!!!! هل مطلوب من كل مواطن ان يتحول الى صحافي استقصائي يبحث عن الحقيقة وهو ليس إعلامياً ولا يمتلك مهارات العمل الإعلامي؟!!! مطلوب من كل من له صفحة على مواقع التواصل الاجتماعي ان لا ينبس ببنت شفة حول ما يدور حوله وينقل فكاهة هنا وتعليقاً هناك أم من حقه أن يقيم ما يدور في دائرته؟!!!
سأتحول الى مواطن عادي إما تقاعد وبات يحتسي فنجان قهوته الصباحي في المقهى ويقرأ الصحيفة ويطويها جانباً ويقول: الحال على ما هو لا جديد، ذات الأشخاص يصافحون بعضهم البعض ويستقبلون بعضهم البعض، وذاتهم يضيفون متجراً جديداً مقابل إغلاق او تضمين خمسة، أو مواطن يمتلك دكاناً في حي جانبي في المدينة ويضع نظارته على وجهه ويتابع توجه الطالبات الى مدارسهن وعند العودة يبتعن منه حامض حلو، ويستخلص انهن يتوجهن متثاقلات ويغادرن فرحات لانقضاء يوم آخر. أو صنايعي يجلس ويتابع عماله يعملون في المنشأة الجديدة فيمر عليها ابو فلان ليبلغه عن تغيرات في أسعار مدخلات صنعته بسبب تراجع سعر صرف الدولار ويبدأ يضرب أخماس بأسداس لعدم أخذ الأمر بالحسبان.
وفي خضم هذا الواقع الذي أعيشه هذه الأيام وأقيس على من يطول زمن الجلوس عن بعد، أرى ان الضحية الأساسية الإعلامية والوسيلة الإعلامية، اذ بات مطلوبا منهم ان يخوضوا حروب المجتمع ككل "مطلوبا منهم ان يتحولوا الى وحدة علاقات عامة للوزارات والبلديات والهيئات غير الوزارية" "الإعلامي مطلوب منه ان ينقل ما يقوله المسؤول في المؤتمر الصحافي، واذا سأل بهدف الإفصاح عن جوانب أُخرى يقع في ورطة، ممنوع عليه ان يسأل عن سر اختلاف هذا المسؤول مع رفيق دربه في ذات الفصيل بل عليه ان ينقل" ، "إن قيَّم الإعلامي موقفاً منطلقا من مقاومة التطبيع يصبح مطبعاً ولاهثاً وراءه ويعلمه دروسا أبطال الفيسبوك".
الأهم ما يصلني وأمثالي من القابعين في بيوتهم او أعمالهم المتناهية الصغر ولأولئك الذين يقتنصون ساعة شمس في تلك القرية بانتظار صلاة الظهر فيتسامرون لعلهم يسمعون عن شيء جديد قد جد، ما يصلنا نحن شحيح وغير متجدد وليس بجديد، ما يصلنا هو إلحاح علينا بالمزيد من الاستهلاك عبر نشرات تحفيزية تصلنا الى باب منازلنا او مطالبات بالدفع وتذمرات ننقلها لبعضنا البعض من الاحتلال ومستوطنيه وتكرار مشهد اعتقال ستة عشر مواطن يوميا او يزيد او مصادرة الذهب من محلات الذهب.
حاولت جاهدا أن اعظم انجازا علمت عنه، وهو تعبيد طريق في مدينة رام الله كان ملحاً وضرورياً، فجوبهت بعشرات التعليقات المتذمرة لأن احدهم يريد شارعه وآخر يريد تصغير ميدان وثالثا يريد صيانة اغطية المناهل في حارته، وذهبت لأبعد وفاخرت بطريق شويكة – دير الغصون وروعة إنجازه وهو مطلب حيوي لبلديات المنطقة، فلم اجد تغذية راجعة إيجابية، فاستخلصت ان درجة عدم الرضا مرتفعة جراء قلة المعلومات وعدم تدفقها بما يتناسب مع حق المواطن بالمعرفة بما يدور حوله، لذلك تجد ان سماعة الهاتف لا تهدأ عبر البرامج الصباحية في الإذاعات المحلية ويصبح مقدم البرنامج متهماً وكأنه هو المتذمر لأن حجم الشكوى كبير من الناس.
عند الحديث عن الطبابة والمشافي تحضر فوراً التخوفات من المشافي الحكومية والبحث عن اي خيار آخر باي ثمن، تجربتي الشخصية أثبتت بطلان هذا الكلام، وتجارب أخرى في مشافي خارج القطاع الحكومي دفعت أصحابها لتغيير تقييمهم والعودة للقطاع الحكومي، لكن هذا لا يوثق من الجهات الملزمة بتوثيقه ولا من المستفيدين من الخدمة، لماذا لا نعرف أن هناك أقساماً طبية في المستشفيات الحكومية أُنشئت وتقوم بدورها وهي تمثل نقلة نوعية في مجالها، فلماذا لا نحكي حكايتها، لماذا نحكي قصص نجاح لأطباء مبدعين في المشافي الحكومية، لماذا لا نعزز المسؤولية الاجتماعية تجاه القطاع الصحي.
المصيبة ان ما يصل غالباً إشاعات وحبكة، حكاية عن عدم احقية هذا بما وصل اليه، وذاك لم يصبح كما هو الآن الا لأنه سلك طرقاً سيئة أتيحت أمامنا ولم نسلكها!!!! وما يجب ان يصل عن صورة مشرقة فهو شحيح او لا يصل بالمطلق، وما يصلنا انها تدخلات بعد وقوع مشكلة من عيار اختلاط مياه الصرف الصحي بمياه الشرب وليست إجراءات وقائية سابقة لوقوع هذا الاختلاط، وحديث عن منتج غير صالح، ما يدفع الشركة الى توجيه الاتهام للإعلام ولأشخاص تعاطوا مع مواقع التواصل الاجتماعي دون جاهزية لمواجهة الحقيقية.
مصيبة الوسيلة الإعلامية والإعلامي انهم ضحايا لجميع الأطراف التي تريد شدهم لجهتها ويبقون متهمين حتى تثبت براءتهم، ويقاطَع إعلاميون من قبل بلديات وشخصيات عامة ويصبون جام غضبهم عليهم، ولنكن منصفين، هناك اعلاميون " قارشين ملحة" بلدية وشخصيات عامة وسياسية بشكل خاص دون إعادة تقييم لدرجة حدة الموقف مهما غيروا وبدلوا، وتلك ليست مهنية غالباً.
المهم ضمان تدفق المعلومات وطرح الأمور بوضوح، وان لا يتردد شخص ايا كانت درجة مسؤوليته من طرح الأمور بشفافية ووضوح وان لا يستخدموا أسلوب حجب المعلومات التي تسبب مشاكل لاحقة هم في غنى عنها، ونقترح ان تكون لغة البيان الصحافي سلسة مستوعبة من الرأي العام وعدم طرح مصطلحات تخصصية غير مفهومة.
ونصيحتي بالأسلوب المتبع اليوم في النشر الإعلامي "التفاصيل في التعليق الأول"، أسلوب لا يستقطب احد ولا يدفعه للبحث، وضرورة عدم المراهنة على متابعة المواقع الإلكترونية حتى لو اكرهوا عليها لأنها ليست مصادر معلومات حيوية وأولية، والنصيحة الثانية أن الأهم في المؤتمرات وورشات العمل الجلسة الافتتاحية وفقط، بل كل حرف مهم وحيوي اذا اعد له بشكل جيد، والقراء لا يبحثون عن سطح المعلومة، هم بحاجة الى ان يعرفوا ما يعنيهم من رؤى عن التغير المناخي وأيضاً واقع الكهرباء في الشتاء وأيضا واقع النقل والمواصلات ولا يعنيهم فقط ما يعني من اصدر البيان الصحافي عن الورشة أو المؤتمر.
المشكلة أننا لا نرى بالإعلام تغذية راجعة لنا عما نقوم به وعما نحن مسؤولون عنه ومؤتمنون عليه، بل نرى انه سلاح بتار موجه ضدنا دون غيرنا وكل يردد ذات العبارة "مستهدفينّي".