هل أنتم مناضلون؟!

توفيق أبو شومر.jpg
حجم الخط

اعتاد كثيرٌ من الفلسطينيين أن يقصروا مفهوم النضال على النضال السياسي والعسكري فقط، لذا، فإن كلمة، مناضل، لا تشمل إلاّ منفذي العمليات العسكرية، والسُّجناء، ومعتقلي الأحزاب السياسيين فقط، بينما تختفي معظم أقسام النضال الأخرى، مثل النضال الثقافي، والفني، والاقتصادي، والاجتماعي.
هذا النضال، للأسف، لم يحظَ بالتسجيل والتوثيق، لأن التسجيل والتوثيق ظلَّ مقصورا على النضال بمفهومه التقليدي السابق.
مع العلم، أن تأثير الفلسطينيين في النضال الثقافي، والتربوي، والفني، كان له تأثيرٌ كبير في ساحة النضال الفلسطيني، وليس من المبالغة حين نقول:
 إن آثار هذا النضال الثقافي أكثر خلودا من النضال الحربي المعتمد في ساحتنا الفلسطينية.
كان النضالُ التعليمي التربوي الفلسطيني، ركيزةً نضالية فلسطينية، لم تُوثَّق في السجل النضالي الفلسطيني توثيقا دقيقا.
كان روادُ التثقيف والتربية الفلسطينيون مناراتٍ أضاؤوا معظم دول العرب، بعلمهم، فقد كان التربوي الفلسطيني المبدع، خليل السكاكيني، أحد أبرز رواد التربية والتعليم ليس في العالم العربي فقط، بل وفي العالم أيضا!
سأتحدث عن رسل النضال الفلسطيني المنسيين في مجال التربية والتعليم، عن المعلمين الفلسطينيين في مدارس العالم العربي.
كانتْ فلسطين في ثلاثينيات، وأربعينيات، وخمسينيات، وستينيات القرن الماضي تُصدِّر إلى الدول العربية أغلى منتجاتها، المدرسين الفلسطينيين الأكفاء، فقد كان المدرسون مصدرَ الدخل الرئيس للأُسر الفلسطينية!
لا أنسى أنَّ لمصرَ فضلا كبيرا في تخريج الجيل الثاني من المعلمين في قطاع غزة، في عهد الرئيس، جمال عبد الناصر، فقد كانت وزارة التربية والتعليم المصرية تُرسل معلمين إلى قطاع غزة، من الموجهين، والمدرسين الأوائل، من ذوي الخبرة الطويلة، ما ساعد في تخريج المعلمين الفلسطينيين الأكْفَاء، ولم يكتفوا بذلك، بل وظَّفوا حاملي شهادة الثانوية العامة في المدارس المصرية أيضا.
لم يكن المدرسون الفلسطينيون في دول العرب، معلمين أكْفاء فقط، بل كانوا رسلَ نضالٍ وثقافة، فقد مارسوا النضال، كانوا يدخرون المالَ ليُرسلوه إلى أُسرهم الفقيرة، لا لتحيا فقط، بل لتنفق المالَ على تعليم الأبناء في الجامعات العربية والأجنبية، فقد كُنَّا في غُربتنا نفتخر بأننا نُرسل النقود لتعليم إخوتنا وأقاربنا في الجامعات العربية والعالمية.
ما أزال أذكرُ قصصَ زملاء لي، كانوا ينفقون على تعليم اثنين وثلاثة من أقاربهم، لدرجة أنهم لا يتمكنون في نهاية العام من توفير تذكرة سفر بالطائرة إلى أهلهم، فيؤجلون السفر إلى سنةٍ أخرى!!
أليس هذا نضالاً وطنياً سامياً؟!
لم يكتفِ هؤلاء المناضلون بذلك، بل كانوا أيضا مُبشرين بالقضية الفلسطينية في كل مكان يعملون به، كانوا يجمعون التبرعات، ويوزعون المطبوعات الفلسطينية، وكانوا أيضا يفخرون باستقطاع جزءٍ من مرتباتهم الشهرية لدعم إخوتهم المناضلين في حركة التحرير الوطنية الفلسطينية، بغض النظر عن الانتماءات الحزبية.
سأظلُّ أذكر أيضا قصةَ نجاح هؤلاء المناضلين في رسالتهم السامية؛ ففي سبعينيات القرن الماضي، قرَّر كثيرٌ من المدرسين العرب الانضمام إلى الفلسطينيين في استقطاع نسبةِ خمسة في المائة من مرتباتهم الشهرية، مثلما يُستقطع من المعلمين الفلسطينيين العاملين في الجزائر، وكانوا يفتخرون بذلك، ويعتبرونه واجباً وطنياً، كلُّ ذلك بتأثيرٍ من زملائهم المعلمين الفلسطينيين!!
ما أكثر رسل النضال الفلسطينيين، من الأساتذة والمعلمين، الذين أسهموا في هذا النضال الفلسطيني المُشرِّف!!
لن أذكر كيف كان المناضلون العرب يتعاملون مع نضالنا الفلسطيني بقداسة وتبجيل، وهذا أيضا بتأثير المعلمين، دعاة النضال التربوي والثقافي.
كم مِن متطوعٍ عربي التحق بصفوف المقاتلين الفلسطينيين بجهودهم.
لم يقتصر جهدُ هؤلاء المناضلين المعلمين الفلسطينيين على التعليم، في قاعات التدريس بجودة أدائهم التربوي والتعليمي فقط، بل أسهموا في توسيع المدارك، وترسيخ ثقافة الوعي، وشاركوا أيضا في  تعزيز الصحافة العربية، فقد كان كثيرون منهم يكتبون المقالاتِ، والآدابَ، في الصحف العربية، وأسسوا كذلك، نهضة فنية في مدارسهم وجامعاتهم.
هل يجوز أن نسمعَ أحدَهم ينتقص من هذا النضال، ويسخر قائلا:
هل أنتم مناضلون؟!!
 عشتم حياة الرفاه في غربتكم، وجنيتم الثروات الطائلة، عندما كُنَّا ننزفُ دما، ونُستَشهَد هنا في الوطن!.