إسرائيل على عتبة الفاشية رسمياً

WptCE.jpg
حجم الخط

بقلم رجب أبو سرية

 

 


أمر طبيعي أن يحتوي أي مجتمع بشري على ألوان الطيف الفكري والسياسي وحتى العقائدي، وشيء عادي تماماً أن يحتوي أي مجتمع على أشخاص وحتى جماعات وكذلك أحزاب منها ما هو يميني أو يساري إلى حد التطرف والتشدد، وحتى يمكن القول، بأنه أمر طبيعي أيضاً أن تجد أفراداً، أو حتى جماعات يؤمنون بعقائد غريبة أو شاذة، في مختلف النواحي السياسية والاجتماعية، ويمكن أن يكون من بين هؤلاء أفراد وحتى جماعات إرهابية، عنصرية، وفاشية، وهناك في كل مجتمع مجرمون وقتلة، يواجهون بالعقوبات الرادعة التي تتراوح ما بين السجن لمدة زمنية طويلة، تصل إلى حد المؤبد، أو إلى الإعدام في الكثير من الدول التي ما زالت تشرع هذه العقوبة وتقوم بتنفيذها.
الأمر غير الطبيعي هو أن يصل التطرف ومن ثم تظهر مظاهر العنصرية والإرهاب والفاشية، في أحزاب وشخصيات تتبوأ مناصب رسمية في المجتمعات والدول، حينها فإن المجتمع والدولة التي يصل فيها الإرهاب والفاشية إلى حدود التأثير الجدي والفعلي على المجتمع والدولة، تسارع إلى وضع حد له في الوقت المناسب، وإلا فإن عدم القيام بذلك، يجعل من اجتثاث الفاشية من المجتمع والدولة هدفا مستحيل الوصول إليه، وهكذا فإن خطر الإرهاب والفاشية سيتجاوز حين ذلك حدود المجتمع والدولة اللذين ظهر فيهما، إلى الإقليم وربما إلى كل العالم بعد ذلك، وهذا ما حدث خلال ثلاثينيات القرن العشرين الماضي، حين ظهرت النازية في ألمانيا والفاشية في ايطاليا، كرد فعل على ما وقع في الدولتين من إذلال نجم عن هزيمتهما في الحرب العالمية الأولى، وحيث أن دول العالم، العظمى خاصة في ذلك الوقت، تقاعست عن التصدي للحزب الاشتراكي القومي بزعامة أدولف هتلر حين وصل للحكم عام 1933، فإنها تسببت في وقوع الحرب العالمية الثانية بعد ذلك بست سنوات فقط.
الحقيقة أن أية قراءة هادئة ومحايدة، موضوعية لحال إسرائيل اليوم، يشي بأنها على عتبة أن تظهر كدولة فاشية بكل معنى الكلمة، وهنا لا نريد أن نستعرض تاريخها مع المجازر أو جرائم الحرب، ولكن فقط نريد أن نستعرض في عجالة تحولاتها السياسية خلال أقل من ثلاثين سنة مضت، فبعد أن كانت دولة يجري تداول الحكم فيها بين يسار علماني أسس الدولة وواصل حكمها ثلاثة عقود ما بين عامي 1948_197، وبعد سنوات من تداول الحكم، وبعد فاصل يساري مهم لأنه تم خلاله عقد اتفاق سلام أو صلح بين إسرائيل وفلسطين، واصل اليمين الحكم، برئاسة ارئيل شارون ونتنياهو، حيث تعمق اليمين في المجتمع الإسرائيلي، ثم ظهر اليمين المتطرف كشريك في الحكم، إلى أن وصل عبر اليمين المتطرف العنصريون ومن ثم الفاشيون إلى السلطة.
إن التشكيل الحكومي الإسرائيلي الحالي، والذي يقود إسرائيل منذ مطلع العام الحالي، تضمن وزراء عنصريين، إرهابيين وفاشيين بكل معنى الكلمة، ومنهم من خرج من عباءة مائير كاهانا، عراب جماعات تدفيع الثمن، وهنا نشير باختصار، إلى أن التشكيل الحكومي الإسرائيلي، يقوده خماسي يجمع رموز التطرف اليميني السياسي والتزمت الديني، والعنصرية والفاشية، فبنيامين نتنياهو رئيس الليكود، هو تلميذ نجيب في مدرسة جابوتنسكي، قاد إسرائيل أكثر من عقد ونصف، ليسقط اتفاق أوسلو، فقط لأن ذلك الاتفاق، يقول بحل سياسي بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ويقبل احتمال قيام دولة فلسطينية مستقلة، تكون منزوعة السلاح، ومكبلة بما يضمن انعدام أية نسبة لتهديد إسرائيل وجوديا، فيما شريكه آرييه درعي زعيم شاش، فضلا عن كونه يشاركه فضائح الفساد، فإنه يقود حزباً معادياً للمرأة ويرفض أن يتم ترشيحها على قوائمه الانتخابية، كذلك حال موشيه غافني ويعقوب ليتزمان زعيمي حزب يهودوت هتوراه الذي يعتبر معادياً لحقوق الأقليات الاجتماعية والمساواة الجندرية.
أما زعيم حزب الصهيونية الدينية الذي تولى أهم وزارة يتولاها أحد شركاء الليكود، أي بتسئليل سموتريتش، فهو أولا مستوطن، أي شخص غير شرعي، حتى لو كان مواطناً عادياً، فهو بمجرد إقامته على أرض الغير المحتلة، يعتبر ضد القانون الدولي، وهو معروف لكل الدنيا بأنه عنصري وفاشي، طالب بمحو «حوارة» من الوجود، ووصل الأمر لدرجة أن البيت الأبيض حاول أن يمنع نتنياهو من ضمه هو وايتمار بن غفير للحكومة، وإن كان قد فشل في ذلك فما زالت الإدارة الأميركية التي تعتبر من «أهل البيت الإسرائيلي» ترفض إجراء أي لقاء مع هذا الوزير ومع زميله في التطرف والعنصرية ايتمار بن غفير.
أما بن غفير نفسه، فهو الوزير اليميني المتطرف جداً، والذي لا تردعه وظيفته الرسمية عن ممارسة فعل «جماعات الهيكل»، وعناصر الإرهاب اليهودي، التي لا تدع فرصة أو مناسبة تمر دون الاعتداء على حق المسلمين والمسيحيين الفلسطينيين في أداء شعائرهم الدينية بحرية، وهو الذي اعتبر أن للمستوطنين حق التنقل في الضفة الفلسطينية بل وأن حق تنقلهم هذا أهم من حياة الفلسطينيين!
والحقيقة أن التطرف وسلوك الإرهاب والفاشية لا يقتصر على شركاء الليكود، من قادة ووزراء حزبي الصهيونية الدينية والعظمة اليهودية وحسب، بل إنه يشمل وزراء ونواباً ليكوديين، فنير بركات وهو أحد أهم وزراء الليكود، وأحد المرشحين لخلافة نتنياهو على زعامة الحزب وربما الدولة، فيكفي التدليل على نزعته الفاشية بالإشارة إلى تهديده ليس لبنان فقط، بل وإيران أيضا بمسحها من على وجه الأرض، كما يفعل في غزة، حسب وصفه، في حال شارك حزب الله في الحرب الدائرة حالياً.
أما ميري ريغيف فلا تقل عن زملائها المتطرفين، العنصريين، من ذوي النزعة الفاشية، التي لا تؤمن بالحلول السياسية ولا المعالجات الإنسانية للمشاكل المجتمعة، بل إلى القوة العسكرية والى فرض إرادة الاحتلال بكل قسوة وبطش وعنف، وهي وكانت وزيرة ثقافة قبل أن تكون وزيرة مواصلات حالياً، فقد طالبت بإغلاق الحرم القدسي أمام المسلمين، كذلك طالبت بإغلاق مقر اليونسكو في القدس الشرقية، ودائما تتقاطع في مواقفها مع  بن غفير وسموتريتش حين يجري النقاش داخل الحكومة الإسرائيلية.
وهكذا فإنه ليس من فراغ، ولم يكن كلاماً عابراً، ولا من قبيل الاستعارة، كما حاول الوزير الفاشي في حكومة نتنياهو الوزير عن حزب العظمة اليهودية، أي زميل بن غفير في الحزب وفي الحكومة، أن يتدارك احتمال فصله من الحكومة، بعد أن لوح باستخدام القنبلة النووية ضد غزة، وقد سبقته النائبة عن الليكود في الكنيست الحالي، تالي غوتليف قبل أقل من شهر وبالتحديد بعد أربعة أيام من عملية «طوفان الأقصى»، باستخدام سلاح «يوم القيامة»، وتقصد بالطبع السلاح النووي.
ثم قد يكون من قبيل التوابل أن نضيف هنا، وصف الأديب الإسرائيلي عزرا ياخين ذي الـ 95 عاماً الفلسطينيين بالحيوانات، والأمر ينطوي على دلالة كون المذكور أولاً طاعناً في السن، وأديباً، والأهم أن الجيش الإسرائيلي استعان به وهو جندي احتياط لتحريض الجنود على قتل الفلسطينيين دون تمييز.
أما إعلان الوزير الإسرائيلي الفاشي عميحاي الياهو فقد أحدث ردود فعل أوسع بكثير مما سبق وقالته النائبة الليكودية، وذلك يعود إلى كونه وزيراً أولاً وثانياً لأنه يعبر عن فاشيته ليس من قبيل الغضب الذي قد يكون مفهوماً بعد ساعات من عملية طوفان الأقصى، بل بعد شهر.
والحقيقة أن ما يؤكد بأن دولة إسرائيل وبشكل رسمي باتت على أعتاب الفاشية، هو ما تمارسه لا ما يقوله وزراؤها وقادتها، فهي ألقت خلال شهر على غزة نحو 30 ألف طن من المتفجرات بما يعادل ضعف القوة التفجيرية لقنبلة هيروشيما وثلاثة أضعاف قنبلة نجازاكي، وارتكبت منذ قيامها وفي هذه الحرب المئات من جرائم الحرب، ووزير جيشها يوآف غالانت قطع الماء والوقود والغذاء عن مدينة غزة منذ شهر، لقد ارتكبت إسرائيل كل الجرائم ضد الإنسانية وكل جرائم الحرب الممكنة، وهي لا تتعرض لتهديد وجودي من غزة، حتى يفكر بعض قادتها بالنووي، وهم بذلك يعترفون رسمياً بامتلاكه، رغم كل هذا تجد في الغرب الأميركي الأوروبي الاستعماري من يصفها بالدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط!