نظمت وكالة بيت مال القدس ووزارة الثقافة والإتصال المغربية يوم أمس الأول ندوة بعنوان "هوية القدس ومركزها الديني والحضاري"، قدمها عدد من الشخصيات المقدسية والعربية، بمشاركة سفير دولة فلسطين في المغرب جمال الشوبكي وحشد من المهتمين والباحثين وأبناء الجالية الفلسطينية في المملكة.
وعقدت الندوة كأحد أنشطة الدورة الرابعة والعشرين للمعرض الدولي للكتاب والنشر الذي تجري فعالياته في الدار البيضاء في الفترة ما بين 8 إلى 18 شباط 2018.
المتحدثون في الندوة ألقوا الضوء على الواقع السياسي والميداني في القدس وما تتعرض له المدينة من محاولات سلب تاريخها وعمقها الحضاري ونزع الطابع الروحي عنها بصفتها مهدا لمختلف الأديان السماوية، مشددين على ضرورة وضع خطط عملية ناجعة لمواجهة عمليات التهويد وحماية الإرث الحضاري والتاريخي والديني للقدس، والذي يقتضي وجود تكاتف ودعم عربي على مختلف الأصعدة السياسية والحقوقية والمالية.
محمد الشرقاوي المدير المكلف بتسيير أعمال وكالة بيت مال القدس الشريف، تحدث في الندوة عن الجهود التي تبذلها الوكالة لحماية تاريخ القدس وإرثها الديني والحضاري عبر تعزيز عملية أرشفة الوثائق التاريخية وإصدار الأبحاث والدراسات التي تثبت الهوية العربية للمدينة، وتؤكد على قداستها الدينية لدى المسلمين والمسيحيين، ومكانتها كرمز للتعايش والسلام، والرد على كل الأكاذيب والإدعاءات التي تسقط عن القدس طابعها بصفتها مكانا يتمتع بالتعددية الدينية والتاريخية والحضارية.
من جهته، قال مدير التعليم الشرعي في القدس والمسجد الأقصى ناجح بكيرات، إن حماية القدس من التهويد تقتضي وبشكل عاجل وضع خطة عمل وخارطة إحتياجات من شأنها أن تحمي المعالم الأثرية في المدينة ومواقعها التاريخية ومبانيها وعمرانها، والمضي في عمليات ترميم وإصلاح هذه المعالم حسب الأولوية، مشيرا إلى أن تحقيق ذلك يتطلب من المانحين والدول العربية والإسلامية توفير شبكة أمان مالية لإدخال هذه الخطط حيز التنفيذ ومنع محاولات سرقة المدينة.
وتحدث مدير دائرة الخرائط في بيت الشرق بالقدس خليل تفكجي عن أهمية حماية الإنسان في المدينة المقدسة بصفته الحارس الحقيقي على القدس ورأس المال المعنوي للمدينة، فلولا المقدسيين وتجذرهم في مدينتهم لكانت هودت بالكامل وسلبت بكل ما فيها، مشيرا إلى أنه ورغم عمليات التهويد المتواصلة والحفريات على مدار الساعة والتي أوجدت مدينة جديدة بالكامل أسفل القدس، إلا أن الإحتلال فشل في إسقاط طابع ديني وحضاري مزعوم على المدينة أو تغيير هويتها الصورية لتكون يهويدية فقط، خاصة وأن قبة الصخرة وكنيسة القيامة شاهدان راسخان على البعد الإسلامي والمسيحي للقدس، ومن هنا تأتي أهمية تعزيز صمود المقدسيين لحماية هذا التاريخ والإرث لأن القدس ليست حجرا أو مباني فقط بل هي حالة رمزية وروحية يعبرعنها الإنسان والمعمار والمعالم الدينية والتاريخية.
وحول الرواية الإسرائيلية بشأن الحق التاريخي للإسرائيليين في القدس قال مدير البحث والتوثيق بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية سابقا محمد دياب أبو صالح، إنها رواية لا تستند على أي دليل عملي أو تاريخي أو ديني، حيث أن النصوص الدينية اليهودية في التوراة تشير إلى وجود الأقوام والحضارات التي يشكل الشعب الفلسطيني إمتدادا لها قبل ظهور بني إسرائيل على هذه الأرض، وهو ما يجعل من كل الرواية الإسرائيلية بمثابة تزوير تاريخي وتشويه للرواية الدينية في سبيل خدمة مشروع سياسي إستعماري.
الصحفي اللبناني فيصل جلول قال إن جملة الإثباتات التاريخية والدينية لهوية القدس والتأكيد على عمقها الإسلامي والمسيحي وعلى الرغم من أهمية ذلك، إلا أنه لا يثبت حقا سياسيا، فالمطلوب الآن تقديم شكل مختلف من أشكال العمل لحماية القدس عبر الحفاظ على وضعها القانوني بصفتها عاصمة دولة فلسطين ومهدا للأديان السماوية ومكانا للعبادة والتعددية والسلام والتعايش، مشيرا إلى أن إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إنما أتى منسجما مع الرواية الإسرائيلية التي تستند إلى أقاويل دينية وهو ما بات العالم يرفضه جملة وتفصيلا، خاصة في ظل فشل تطبيق كل النماذج الإستعمارية على أهل القدس وفلسطين، حيث استعصت محاولات تهجيرهم أو بادتهم أو حتى تذويبهم في المجتمع الإستعماري المستجد، ولذلك فإن الشكل الأمثل لنيلهم حقوقهم وفي ظل صمودهم على الأرض إنما يأتي عبر تثبيت حقوقهم السياسية والقانونية التي يعترف بها العالم أجمع.
في ختام الندوة كان للسفير الفلسطيني في المملكة المغربية جمال الشوبكي مداخلة قال فيها إن ما فعله ترامب باعتباره القدس عاصمة لإسرائيل إنما كان إعلانا أعاد الأمور إلى نصابها بوصف القدس مفتاحا للحرب والسلام في المنطقة، فهذا الإعلان أظهر المكانة التي تتمتع بها القدس عند العرب والمسلمين والمسيحيين حول العالم أجمع، وأعاد القدس لتكون عنوانا لإنهاء الصراع وإحلال السلام، وهو ما عاكس الرياح التي يشتهيها كل من اليمين الأمريكي والإسرائيلي.
وأضاف الشوبكي أن الإدارة الأمريكية إختارت الصدام مع الشعب الفلسطيني عبر فرض العقوبات ووقف المساعدات بدلا من الإعتراف بالخطأ وتصويبه، وهو ما أفقدها دورها كراع لعملية السلام، ولكن ورغم كل الإجراءات والعقوبات الأمريكية وعمليات الاستيطان والتهويد الإسرائيلية إلا أن التاريخ سيقول كلمته، لأن "التاريخ علمنا أن الشعوب عندما تسعى إلى الحرية، فإنها تنال حريتها".