يوم الثامن والعشرين من شهر أغسطس سنة 1955 اهتزت ولاية ميسيسيبي الأميركية على وقع جريمة قتل، ذهب ضحيتها الطفل الأميركي ذو الأصول الإفريقية إيميت تيل الذي لم يتجاوز عمره أربع عشرة سنة.
ولد الطفل إيميت تيل يوم الخامس والعشرين من شهر يوليو سنة 1941 بمدينة شيكاغو التابعة لولاية إلينوي الأميركية، ومنذ طفولته المبكرة عانى هذا الفتى من ظروف صعبة، فبسبب طلاق والديه أجبر الأخير على مقارعة الفقر والحرمان، فضلا عن ذلك حرم إيميت من رؤية والده بداية من سنة 1943 إثر انضمام الأخير لصفوف الجيش الأميركي في خضم الحرب العالمية الثانية.
خلال شهر أغسطس سنة 1955 توجه الطفل إيميت تيل البالغ من العمر أربع عشرة سنة إلى منطقة ماني الواقعة بولاية ميسيسيبي من أجل قضاء أيام العطلة رفقة خاله المقيم هنالك، قبيل مغادرته لمنزل والدته بشيكاغو حذرت السيدة مامي تيل (والدة إيميت تيل) ابنها إيميت من مغبة الاقتراب من الأهالي البيض (ذوي البشرة البيضاء) بولاية ميسيسيبي، فخلال تلك الفترة اعتمدت ولاية ميسيسيبي قوانين عنصرية ضد الأهالي السود (ذوي البشرة السوداء)، فضلا عن ذلك ومنذ سنة 1882 شهدت هذه الولاية وحدها أكثر من خمس مئة عملية قتل وتنكيل ضد الأهالي السود.
صورة للسيدة مامي تيل وهي تبكي أمام نعش إبنها المفتوح
يوم الواحد والعشرين من شهر أغسطس سنة 1955، حل الطفل إيميت تيل بمنزل خاله بمنطقة ماني بولاية ميسيسيبي، وهنالك ارتبط هذا الفتى بصداقة طيبة مع العديد من الأطفال من ذوي البشرة السوداء. يوم الرابع والعشرين من شهر أغسطس سنة 1955 وبعد مضي ثلاثة أيام فقط على حلوله بمدينة ماني توجه الطفل إيميت تيل رفقة بعض أصدقائه نحو متجر السيد براينت لشراء مشروب غازي، خلال تلك الفترة كانت السيدة كارولين براينت (زوجة السيد روي براينت) متواجدة داخل المتجر، وفي لقطة غريبة حاول الطفل إيميت تيل ممازحة هذه المرأة البالغة من العمر اثنتين وعشرين سنة .
تزامناً مع ذلك لم تتحمل كارولين براينت مزاح هذا الطفل الأسود فما كان منها إلا أن توجهت نحو سيارتها بحثاً عن مسدسها، على إثر هذه الحادثة غادر الأطفال المتجر مسرعين. خلال فترة وجيزة انتشرت هذه القصة في كامل أرجاء منطقة ماني، وعلى حسب ما تم تداوله لم تتردد كارولين براينت في اتهام الطفل إيميت بالتحرش بها ونعتها بألفاظ بذيئة، في أثناء ذلك استشاط روي براينت (زوج كارولين براينت) غضبا حال سماعه بهذه القصة، فما كان منه إلا أن اتصل بأخيه غير الشقيق ميلام، وأعد الاثنان مخططا لمعاقبة الطفل الأسود إيميت تيل.
السيدة مامي تيل أمام جثة إبنها المشوهة
في حدود الساعة الثانية ليلاً من يوم الثامن والعشرين من شهر أغسطس سنة 1955، أقدم كل من روي براينت وميلام على اختطاف الطفل إيميت تيل من منزل خاله بمنطقة ماني ليتم على إثر ذلك اقتياده نحو أحد الأكواخ المهجورة، وهنالك تكفل الرجلان بمهمة تعنيف هذا الطفل ذي الأربع عشرة سنة بشدة، مما تسبب في تخريب وجهه بشكل كامل، فضلا عن ذلك لم يتردد روي وأخوه غير الشقيق في اقتلاع إحدى عيني الطفل إيميت قبل توجيه وابل من الرصاص عليه، على إثر ذلك أقدم الأخوان غير الشقيقين على ربط بعض الأوزان إلى رقبة إيميت تيل، وجاء ذلك قبل أن يتم إلقاء جثته المشوهة في نهر تالاهاتشي.
خلال الأيام التالية وعلى إثر انتشال جثة الطفل إيميت تيل، عاشت الولايات المتحدة الأميركية على وقع موجة شجب واستنكار ضد سياسة العنف والقتل الممنهجة ضد أصحاب البشرة السوداء على الأراضي الأميركية، حيث أثارت صور جثة إيميت تيل المشوهة والتي نشرت في جميع الصحف العالمية، ضجة إعلامية غير مسبوقة، في غضون ذلك وخلال عملية دفن جثة ابنها أصرت مامي تيل (والدة إيميت تيل) على أن ينقل نعش ابنها مفتوحا ليشاهد العالم بأسره فظائع الأهالي البيض في حق الأهالي السود.
صورة لقبر الطفل إيميت تيل
من خلال واقعة غريبة أعلن القضاء الأميركي لاحقا عن براءة كل من روي براينت وأخيه غير الشقيق من جريمة القتل التي نسبت إليهما بسبب نقص في الأدلة، وخلال الفترة التالية وعلى إثر إطلاق سراحهما استغل الرجلان قوانين ولاية ميسيسيبي التي تمنع محاكمة رجل ما بسبب التهمة نفسها مرتين (على إثر تبرئة شخص من تهمة ما لا يحق للقضاء تتبعه مجددا بسبب نفس التهمة) ليعلنا للصحافة مسؤوليتهما عن جريمة القتل، وعلى إثر ذلك وعلى الرغم من هذا التصريح الخطير ظل المجرمان دون عقاب.
صورة للطفل إيميت تيل بمنزل والدته ( على اليسار )، صورة لجثة الطفل إيميت تيل المخربة ( على اليمين )