ماذا بعد؟

تنزيل (1).jpg
حجم الخط

 

بينما ظلت معظم السقوف السياسية مفتوحة ومتفاوتة، حيال الصراعات، في البيان الختامي لقمة العرب؛ جرى التوافق على سقف فلسطين، بكل مفرداته المتداولة. فلا يزاودن طرفٌ على طرف، ولا يتهمن واحدٌ واحداً آخر، بالانحراف عن محددات الخطاب المتداول. فلا مصر والسعودية والإمارات، تتماشى مع فرضية "صفقة القرن" وأكذوبتها، ولا غير الحاضرين، من قطر وتركيا و"الإخوان"، ومنابرهم، لديهم زيادة لمستزيد، ويتصدوْن لمصدر الصفقة. فالجميع ليس لديه ما يضيفه، أما الذي أبقاه الجميع متداولاً، فليست له مفاعيله الوازنة على الأرض، إن اعتبرنا أن شعب فلسطين على أرضه وفي شتاته، يفتقر الآن الى ما يعزز صموده ويحافظ على حياته، بينما هو يواجه أصعب المحن التي مرت في تاريخه بعد النكبة!

حتى على مستوى التفصيلات المتعلقة بمحنة شعب فلسطين في حياته؛ لم يكن هناك، على المستوى النظري، أي بالكلام، ما يدل على الاهتمام بوضع النقاط على الحروف أو طرح الأسئلة: كيف يعيش الشعب في غزة، وما هو حال الريف الفلسطيني في الضفة فيما هو يجاور مهرجانات الموسيقى في رام الله و"روابي"؟ وهل هناك اي خط موصول مع ريف فلسطين ومخيماتها، لمواجهة الاستيطان الزاحف بالتوسع في الزراعة وحفر الآبار وتغطية الأسر المستورة، وتوفير الطبابة والتعليم بأكلاف زهيدة، وضبط الأسعار ودفع الانتاج، أم إن الأمر في عُهدة أصحاب السيارات ذات الدفع الرباعي والمرسيدس والسفريات و"النثريات" الدسمة، بينما راسخات الأجور والرواتب تعصف بها المرسيدسات، فتضربها أو تشطبها؟

أسئلة التفصيلات، ليست في موضع اهتمام أحد. والآخرون يشتقون ذريعتهم الوحيدة، من كون ولاة الأمر في فلسطين لا يكترثون. فإذا كان الراتب والمعبر والمستشفى والبئر والبيئة والتعليم وغيره، هي محض ايقونات حاضرة في بطون الهواتف الذكية لولاة الأمور، ويجري شطبها أو التسلي بها ثم الضجر الضجر منها  وقصها بتطبيق "ديليت" أو جرها الى رسم سلة المهملات؛ فما الذي تبقى لشعب فلسطين الذي يُطلب منه الصمود ويتلقى صيغ التعزية في شهدائه وموتاه؟

أحلى ما في القمة، أنها قالت بخصوص القدس والتسوية، ما لا يتيح لطرف بأن يزاود على طرف. لكننا، وقد أحبطت القمة السجالات على هذا الصعيد، نتساءل: ماذا بعد؟ كيف يظل لفلسطين قضية، طالما لا يزال شعبها عُرضة للخنق في الداخل، وللاستثناء السلبي في الخارج؟

ربما بسبب معرفته لخفة وهامشية التفصيلات المتعلقة بحياة الفلسطينيين في وطنهم؛ تجرأ عباس على أن يكذب ويقول إن سلطته تصرف أكثر من نصف موازنتها على غزة، أي إنها تبذل من رقم الموازنه مليارين ونصف المليار دولار سنوياً. فهو على قناعة بأن أحداً ليس معنياً بالاعتراض على ما يقول. فإن كان حال الناس في غزة، في بؤس عميق، كم سيصرف عباس لغزة لكي يخفف بؤسها؟ أم إن اللعب بالهواتف الذكية، هو المعتمد لتخليق الافتراضات والانطباعات الزائفة، ثم بعد التسلي، تُزاح الفرضيات بتطبيق الــ "ديليت" وتُحال لعبة الكلام الى سلة المهملات؟

في كل محفل في خارج فلسطين، تغيب معظم الحقائق، أما في داخل فلسطين، فليس هناك إلا السكوت عن كل التفصيلات: الوثيقة الدستورية، القانون، القضاء والعدالة، خبز الفقراء، علاج المرضى، تعليم الأبناء والبنات، فرص العمل، المياه النقية والبيئة الصحية، إقفال المنافذ، تلويث البحر، القهر الأمني وبالمحصلة الحكم الرشيد. فماذا بعد؟!