كوريّتان، نمران: اقتصادي ونووي!

حسن البطل.jpg
حجم الخط

خلّينا نشرّق إلى أقصى شرق آسيا، فقد نتلمّس كيف سيكون المخرج من إعادة بحث الملفّ النووي الإيراني، في أقصى غرب آسيا!
في شبه الجزيرة الكورية، المفصولة بخط عرض جغرافي وهمي، ولكن بنظامين سياسيين واقتصاديين، التقى الرئيسان الشمالي والجنوبي عند قرية الهدنة «بانمو نجوم» الفاصلة بين البلدين، منذ الحرب الكورية 1950 ـ 1953.
الرئيسان الشيوعي والرأسمالي أهديا الشعب الكوري المقسوم في دولتين نقل حال الهدنة إلى حال السعي للتوصل إلى سلام. هذه قمة «تاريخية» هي الثالثة بعد قمتين عامي 2000 و2007، وأهديا مفتاح قمة «تاريخية» لاحقة بين الدكتاتور النووي كيم الثالث وكيم جونغ أون، والرئيس ترامب الـ45 لأميركا.
كيم الأول الجدّ، كيم إيل سونغ، وضع مبادئ «زوتشة» الخمسة، واحد منها يحلم بإعادة توحيد الوطن الكوري. أمّا كيم الثالث، الحفيد، فتحدّث إلى نظيره الجنوبي كما تتحدث الدول العربية عن «الدم الواحد، واللغة الواحدة، والتاريخ المشترك والثقافة الواحدة.»
انتهت الحرب العالمية الثانية إلى تقسيم ثلاث دول: فيتنام، ألمانيا، كوريا. الأولى استعادت وحدتها القومية بعد حرب ضروس، وبزغ «قمر فيتنام» الموحّدة عام 1975. الثانية استعادت وحدتها سلماً، دون طلقة واحدة، وانهار جدار برلين التي عادت عاصمة تاريخية لألمانيا الموحّدة والرأسمالية.
في زمن الحرب الكورية، التي كانت أهلية وعالمية كان الاتحاد السوفياتي صوتاً وحيداً بين خمسة أعضاء في مجلس الأمن لهم حق «الفيتو» على مشروع قرار أميركي بشن حرب، تحت راية الأمم المتحدة، لإنقاذ الجنوب من الشمال، وكانت غالبية أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة موالية للغرب، ومن ثم استخدمت أميركا بند «متّحدون من أجل السلام» للتغلب على «الفيتو» السوفياتي.
في أزمة المشروع النووي الإيراني صارت تركيبة مجلس الأمن هي صوت الصين ـ بكين الذي أزاح صوت «الصين الوطنية ـ فرموزا» وتغيّرت تركيبة أعضاء الجمعية العامة. لذلك كان اتفاق فيينا النووي خارج مجلس الأمن ودول الفيتو الخمس، مضافاً إليها صوت ألمانيا.. والجمعية العامة.
انتهت الحرب الكورية إلى كوريتين، وإلى نصيحة الجنرال ماك ـ آرثر إلى ولده: «إياك أن تخوض حرباً برية في آسيا»، لكن أميركا خاضت حروباً آسيوية لاحقة في فيتنام وأفغانستان والعراق، ولن تخوض حرباً أخرى في كوريا. لماذا؟ لأن دولة سلالة كيم تحوّلت، شيئاً فشيئاً، منذ العام 2007 إلى قوّة نووية.
في المقابل، تحوّلت سيئول، منذ العام 1968 إلى نمر اقتصادي آسيوي آخر، بعد أن كانت متخلفة أكثر حتى من السودان.
منذ الحرب الكورية و»هدنتها» انضمت موسكو وبكين وإسلام آباد إلى النادي النووي، ولحقتها بيونغ يانغ، التي اجتازت الحافة النووية، كما انضمت سيئول إلى النمور الاقتصادية الآسيوية، وصارت الصين بمخالب وأنياب نووية و»تنّيناً» اقتصادياً يحتل المرتبة الاقتصادية الثانية عالمياً.
العقوبات الاقتصادية على بلاد كيم الثالث لم تفلح في منعها من اجتياز الحافة النووية إلى النادي النووي، لكن عندما وصلت مدايات الصواريخ النووية الكورية إلى أميركا، وافقت الصين على تشديد العقوبات الاقتصادية على بيونغ يانغ، وهي شريكتها الاقتصادية الأولى.
مفهوم أن بكين لعبت دور الوساطة والتوفيق في تهدئة رقصة الحرب الكورية النووية الثانية بين بلاد كيم وبلاد ترامب، أي بين القوي والذكي كيم الثالث والرئيس الأقوى والأحمق في البيت الأبيض بعد أن تبادلا الإهانات الشخصية والعراضات النووية.
القمة الكورية الثالثة نقلت حال هدنة منذ العام 1953 إلى حال السعي للسلام بين الكوريتين. في هذه الأثناء صارت فيتنام الموحّدة مشروع نمر اقتصادي آسيوي آخر، وزارت حاملة طائرات أميركية ميناء دانانغ الفيتنامي، حيث دارت أقسى معارك حرب توحيد الجنوب بالشمال، دلالة انعطاف فيتنام الموحّدة من الاقتصاد الاشتراكي إلى العولمة الاقتصادية الرأسمالية!
صارت ألمانيا الموحّدة الرأسمالية أقوى دول أوروبا اقتصادياً، ومن سياسة «الانفتاح نحو الشرق» في عهد المستشار الاشتراكي الغربي براندت إلى المستشارة الألمانية ميركل القادمة من ما كان ألمانيا الشرقية.
بعد القمة الكورية الثالثة، الأكثر دفئاً قومياً، تحدّث الرئيسان عن الانتقال من حال الهدنة إلى حال السعي لاتفاق سلام ونزع الأسلحة النووية.
الهدنة استمرت 65 سنة، والسعي إلى السلام ينتظر هدنة بين بلاد كيم الثالث وبلاد دونالد الثاني، الرئيس الـ45 لأميركا.
ترامب يريد تعديل اتفاق فيينا مع بلاد الملالي، ومنعها من اجتياز الحافة النووية، بإضافة قيود اقتصادية على الصواريخ الإيرانية، لتبقى إسرائيل الدولة النووية الوحيدة في أقصى غرب آسيا.
فرنسا وألمانيا تسايران أميركا في مطلب تعديل اتفاق فيينا وليس نقضه، وكذلك تحجيم إيران داخل إيران، ووقف تمدّد أذرعها نحو البحرين المتوسط والأحمر.. وإلاّ، خنقها بعقوبات أقسى!
هل ستلي القمة الكورية قمة كورية شمالية ـ أميركية تقوم بتخفيف العقوبات عنها إذا سالمت كوريا الجنوبية التكنولوجية؟
السؤال: هل ستتغلب النزعة القومية الكورية على الخلاف السياسي ـ الاقتصادي ـ الأيديولوجي؟ وهل ستبتلع التكنولوجيا آخر الأيديولوجيات الماركسية ـ الماوية الباقية من زمن الحرب الباردة؟
العالم يجنح من الأيديولوجيا إلى التكنولوجيا، ومن اليسار إلى اليمين!