مقاصد العناد ومعناه ومآلاته

تنزيل (1).jpg
حجم الخط

 

بات معلوماً أن أطرافاً عربية وإقليمية، تدخلت لدى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، لكي يؤجل الإنعقاد الناقص بالعضويات الملفقة، للمجلس الوطني الفلسطيني، لريثما تتوافر شروط انعقاد أفضل، فلا تعكس انقساماً في المشهد الفلسطيني العام، وفي داخل منظمة التحرير نفسها. لكن عباس الذي لم يعد يكترث لشيء ولا يتقبل النصيحة من العرب الذين أعطوه التفويض، ويتصرف معهم مثلما يتصرف مع المجتمع الفلسطيني. فهو يتمتع بممارسة العناد، لم يتفهم حرص أي طرف عربي أو إقليمي على الكيانية الفلسطينية وورقتها السياسية. وكأن مجلسه المزور، سوف ينتشل الدلو من البئر ويخرج بشيء ذي قيمة.

بعض الأطراف الفلسطيبنية، طالبت بتنفيذ قرارات المجلس المركزي الفلسطيني السابقة، لكي تصل الى قناعة بأن قرارات المجلس الموسع سوف تُحترم. لكن الرجل أصر على الإنعقاد بالتركيبة التي يريدها  ويدحض صدقيته مكان انعقاده، قبل أن ندخل الى تفصيلات تتعلق بأصول عمل اللجنة التحضيرية، وشروط تشكيلها على أساس التوافق، وقاعدة اختيار الأعضاء لملء الشواغر، والمحددات الضامنة لأن تكون قرارات المجلس ملزمة للسلطة الفلسطينية. وما إصراره هذا، إلا لكي تظل تتوافر له، من خلال الحاضرين، ومعظمهم غير ذوي صلة بأية أدوار ولم يفوضهم أي جسم نقابي أو اجتماعي؛ مساحة للاستمرار في التفرد والاحتفاظ بالسلطات السياسية والأمنية والمالية. فهو في حسبته، يرى أن موضع وجوده في الأراضي المحتلة، هو أحد عناصر قوته. فالمكان لوحده، يعطيه المزايا التي يريدها لإضعاف مؤسسة المجلس بعد شطب أو إضعاف مؤسسات السلطة، وتقوية نفسه الأمّارة بالسوء واستمرار نفوذه. وفي الحقيقة، لم يتوقع المتابعون منه غير ذلك، لأن شروط بقائه في الموضع الذي تصدر منه قرارات الإضرار بالفلسطينيين في حياتهم ومعاشهم وكيانيتهم السياسية، تتطلب تغييب الإرادة الشعبية وتغييب القوى الناصحة والمعارضة والراغبة في إصلاح حقيقي في السلطة وحركة فتح والمنظمة في المحصّلة!

غير أن مآلات ما يفعله، لن تكون إلا دماراً للبنية الاجتماعية والسياسية للفلسطينين. وليس هذا كلاماً متجنياً، لأن الأمور واضحة ولا يختلف عليها اثنان. فالساحة الفلسطينية منقسمة، ولم يعد الانقسام يقتصر على الخصومة بين فتح وحماس، وإنما ذهب الى أبعد، إذ بدا حتي الذين يشاركون في الجلسة الملفقة، مضضطرين للحضور. فقد علمتهم تجربتهم مع عباس أن الرجل لا يحسب ولا يزن الأمور قبل أن  يضرب في الطيف الفلسطيني كله، ولا كابح له عندما يعلن عن قرارات مالية تؤذي الناس والكيانات. فمن لا يرعوي عندما يقرر تجويع أسر الموظفين الموالين، وأسر الشهداء وخنق مجتمع، لن يصعب عليه خنق فصيل يتغذى على موازنة يصرفها له. فهو الصراف الي يفتح أو يغلق، والخزانة خزانته، والفصائل التي عاشت أكثر من نصف القرن، ولم تستطع بما تحصلت عليه من مال، أن تؤسس لاستقلاليتها المالية؛ لن تستطيع معاندته، إلا في حال ألا يكون هناك ما تخشى منه، بعد أن أصبح كل ما تخشاه، قعدت عليه مسبقاً!

ربما يحضر ممثلو الجبهة الديموقراطية، حتى وإن لم يلب لها عباس أي مطلب، وإن كان حضور أمينها العام مشطوباً بنصف عبارة من كلمتين، وهي المنع الأمني. ثم إن ممثليها عندما يحضرون، سيكون حضورهم كله، محض تكريس لسياقات عباس، حتى وإن كانت هناك خطبة عصماء ملأى بفقرات تبدأ بكلمة ينبغي أو ندعو، بينما الرجل يسخر من الناصح والداعي. فما أكثر الذين دعوا ونصحوا وسلطوا الضوء على الرزايا، دون أن يرف لهذا الرجل جفن، وهو آمن متمكن في قلب المنطقة العسكرية الإسرائيلية المركزية، التي قرر ممثلوها الأمنيون المساعدة على الانعقاد وفق معاييرهم. فالأمر بات كما لو إن الوطنيين والإسلاميين والأشقاء العرب على باطل، والعدو هو الذي يتعاون وهو الذي على حق، والمسألة بالنسبة، سيكتبها قادة الصهيونية في مذكراتهم قبل أن يموتوا، وسيقولون ما معناه، إنها كانت مهمة عدو يحابي عدوه ويسخو عليه بمادة مخدرة، لكي يظل مرزوعاً في إدمان السم!