رأيت ألفي عام من أعمارهم تجلس على مقاعد المجلس الوطني الفلسطيني

التقاط.PNG
حجم الخط

 

مائة أسير وأسيرة محررة دعاهم الرئيس أبو مازن لحضور جلسة افتتاح المجلس الوطني الفلسطيني في دورته الثالثة والعشرين دورة القدس وحماية الشرعية الفلسطينية التي عقدت في مدينة رام الله يوم 30/4/2018.

وفي القاعة رأيت الفي عام من أعمار هؤلاء الأسرى تجلس على مقاعد المجلس الوطني قضوها خلف قضبان سجون الاحتلال يوما يوما وساعة ساعة وسنة سنة، عادوا دون قيود وحشر واغتراب ، يبتسمون لعمرهم القادم ولحياتهم المتجددة الآن في فضاء فلسطين الناهضة بكل ما فيها من تعطش للكرامة والحرية وانهاء الاحتلال.

الفا عام قاسيات تشارك بكل تفاصيلها في أعمال المجلس الوطني الفلسطيني، الأعمار التي ذابت خلف الجدران تلملم نفسها، ترمم حياتها ولا تنظر الى الوراء ، وترى الأسرى والأسيرات تجاوزوا زمن الموت الأسود وسياسة الطمس والقتل البطيء، ليكونوا هنا قرب القدس وليس في سجون عسقلان ونفحة والنقب والصحراء.

الفا عام تتكلم أمام العالم والوفود التي جاءت الى هذه الدورة الهامة سياسيا وقانونيا، وتروى ما جرى هناك في الزنازين والمعسكرات وفي عتمة الظلام، كل أسير وأسيرة يحمل جرحه وقصته ويتقدم للشهادة ويشير الى هذا الجلاد وذلك السجان.

الفا عام من أعمار الأسرى المحررين تملأ جو قاعة المجلس بالدهشة والمعجزات، كيف عادوا أحياء بعد ربع قرن من أعمارهم قضوها في السجون؟ كيف انتصروا بارادتهم وايمانهم على السجن ومقصلة الإعدام وهزموا الغياب؟ أسرى نزلوا عن الصور والشعارات، المقاعد اصبحت شاغرة وليست فارغة، أبدية طالعة مع الضوء، تمتليء بما ينقصها من حنين الى المكان.

الفا عام تتحدث عن 215 شهيدا اسيرا ارتقوا في سجون الاحتلال منذ عام 1967، دمهم لا زال يشع على أكف الأسرى المحررين، وصاياهم وذكرياتهم واسماءهم، قتلوهم تعذيبا وقتلا ومرضا وقهرا وظلوا هناك بلا قبور وجنازات ووداع.

الفا عام تتحدث عن مليون فلسطيني دخلوا سجون الاحتلال وعن اسرى لا زالوا يقضون اكثر من 36 عاما في السجون ، شامخين صامدين متألقين يقفون على أبواب الحرية وليس أبواب القيامة، نسمع صوتهم الآن، صوت كريم يونس وماهر يونس ونائل البرغوثي وضياء الاغا وسمير أبو نعمة، صوت عهد التميمي وخالدة جرار واحمد سعدات واللواء الشوبكي، ونسمع حوار الموت مع المرض في أجسام خالد الشاويش ومنصور موقدة ومحمد براش ويسري المصري ومعتصم رداد وموسى صوفان والمئات المئات من المرضى الذين يتنفسون بصمودهم وينتصرون على الموت والداء.

الفا عام تجلس في قاعة المجلس الوطني الفلسطيني، لم يصدق احد، لم تصدق حكومة الاحتلال العنصرية ان هؤلاء احرارا بلا قيود وخارج أبوابها المصفحة واسلاكها الشائكة ، ولم تصدق الأساطير ان شعبا عظيما فيه مثل هؤلاء الرجال حملوا دمهم وارواحهم وظلوا على قيد الحياة ، هم يحملون مجددا فؤوسهم ، يفلحون الارض ويزرعون الأمل في النفوس والامنيات، يبنون صرح دولة فلسطين التي ارضها الاجساد والدم واشجارها رجال لا يموتون الا واقفين.

الفا عام تجلس في قاعة المجلس الوطني الفلسطيني تقول ان قضية الأسرى وحريتهم هي جزء أساسي من حق تقرير المصير الفلسطيني، وان السلام المتكافيء والعادل على هذه الارض لن يتحقق الا بحريتهم وانهاء معاناتهم وعودتهم جميعا الى بيوتهم وعائلاتهم ووطنهم الذي دائما على موعد وانتظار معهم.

الفا عام من أعمارهم هي رسالة للإسرائيليين بان هؤلاء أسرى الحرية والكرامة والشرف الفلسطيني، نرفض وصمهم بالارهابيين والمجرمين، أسرى شرعيين بشرعية نضال شعبنا وحقه المشروع بمقاومة الاحتلال، وهي رسالة تشير الى ارهاب دولة الاحتلال الرسمي وجرائمها بحق أسرانا وشعبنا وتشريع جرائمها كدولة طاغية عنصرية خارج القانون في المنطقة والعالم.

الفا عام تتحرك في قاعة المجلس الوطني ، كل عام له حكاية وفصل مختلف، اضرابات عن الطعام، مواجهات وانتزاع الحقوق ورفض الانصياع والذوبان في قوانين الاحتلال ومخططاته الاجرامية، مدرسة وطنية وتربوية وثقافية ، هوية وعلم ونشيد ونطف مهربة ورسائل الى المستقبل والأجيال القادمة، تحريك للهواء المحشور والضمائر والمعاهدات الدولية.

الفا عام تفتح النصوص والصكوك العالمية، تكسر صمتها وجمودها ، تهزها وتدفعها الى الكشف عما يجري في أقبية التحقيق والسجون والمحاكم الاسرائيلية غير العادلة، تدفعها لترى الدم المسفوك في الاعدامات الميدانية خارج نطاق القضاء، تدفعها لترى الاعتقالات الجماعية التعسفية و سياسة التعذيب الممنهجة هناك في سجون عسقلان وبيتح تكفا وعصيون والمسكوبية.

الفا عام لم يسيطر المحتلون عليها رغم ما يملكون من وسائل القمع والبطش والقيود والحديد والزنازين الضيقة والعتمة القاسية، ظلت خارج الطاعة الاسرائيلية، ظلت تحلق في سماء القدس والبحر المتوسط، لم تصطادها طائرة حربية ولا النزعات الاسرائيلية الفاشية.

الفا عام من أعمار الأسرى المحررين في قاعة المجلس الوطني كانت اكبر تحية للمناضلين الأسرى والشهداء وللجرحى، لعائلاتهم واطفالهم، وكانت عهدا ومبايعة ووفاء لهم واعتزازا بتضحياتهم ودماءهم الزكية.