المقاطعة شيء والقطيعة شيء آخر تماماً

صادق الشافعي.jpg
حجم الخط

ان يقاطع أي تنظيم دورة للمجلس الوطني على اختلاف الأسباب والدوافع، ليس أمرا عاديا. لكن يمكن فهمه وتفسيره كممارسة استثنائية لحق ديمقراطي وكتتويج لمسار يبدأ بالنقد والاعتراض والاختلاف قبل ان يصل للمقاطعة.
لكن تبقى المقاطعة محكومة بالالتزام والتمسك بضوابط استراتيجية: بوحدة الكيانية السياسية وتعبيراتها وهي في حالتنا المحددة منظمة التحرير، وبوحدة النضال الوطني بكافة أشكاله وأهدافه الاستراتيجية والمرحلية وفي مقدمتها في حالتنا إنهاء الاحتلال والدولة المستقلة والقدس وتقرير المصير والعودة وإنهاء الاستيطان و.... وبوحدة الموقف في مواجهة الأخطار المحدقة بقضيتنا ونضالنا وحقوقنا على اختلاف وتنوع مصادر هذه الأخطار.
وتبقى المقاطعة محكومة أيضا، بترك الأبواب مشرعة بكامل اتساعها أمام كل جهد او محاولة او تفاهمات او وساطات تعيد اللحمة وتحافظ على الوحدة وعلى المشاركة داخل البيت الوطني.
القطيعة شيء آخر تماما ونقيض مدمر لكل ما ذكر أعلاه.
الجبهة الشعبية مارست المقاطعة كحق ديمقراطي ملتزم ومتمسك بالضوابط المذكورة. أما حركة حماس: بالمؤتمرات والمهرجانات التي نظمتها، وبتصريحات ومواقف قيادات أولى منها، وباستباقها نتائج دورة المجلس الوطني والإعلان المسبق من اكثر من مصدر أنها لا تعبر عن «حماس» ولا تعنيها ولن تلتزم بها، وباللغة شديدة الاتهامية والتطرف التي سادت مداخلات المؤتمر الشعبي الذي أقاموه في غزة، والذي اقتصر حضوره على مناصريها وعدد من المخاتير المنتقين.                                                                                             
ثم بالدعوات التي أعلنتها لإقامة مؤتمر/ مؤتمرات موازية وهياكل سياسية تمثيلية موازية. 
بكل ذلك بدت حركة حماس وكأنها تندفع نحو القطيعة وتدعو لها. لعب دورا مهما في فرملة اندفاعة حركة حماس عاملان أساسيان:                                          
الأول، إنها لم تجد من بين التنظيمات الفلسطينية تنظيما واحدا يتفق معها ويجاريها في اندفاعتها، بالذات لجهة المؤتمر والهياكل الموازية، حتى من التنظيمين المقاطعين معها (الجبهة الشعبية وحركة الجهاد)، ولا وجدت ذلك في قوى المجتمع المدني ولا في الجو الشعبي العام.  
والثاني، عدم توفر المحيط الخارجي الذي يمكنه ان يحتضن او يدعم هذه الاندفاعة، فهذا المحيط مستغرق تماما في اشتباكات اكثر إلحاحية واكثر تهديدا تسود اكثر من بلد وتنفتح على مصالح ومطامع وتوازنات قوى دولية عديدة.
وقد يكون هناك احتمال لعامل ثالث، هو عدم وجود توافق كامل داخل حركة حماس وأطرها حول الاندفاعة ومداياتها. يلفت النظر الى هذا الاحتمال اقتصار الفاعليات، والتصريحات أيضا، بشكل كلي تقريبا على قطاع غزة والقياديين فيها، وغياب يحيى السنوار مسؤول «حماس» في غزة مثلا، عن المشهد بشكل عام وانقطاعه وآخرين عن التصريحات.
الغريب ان اندفاعة حركة حماس نحو القطيعة تأتي في توقيت تبدو منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية، وقد استقوت بالموقف الشعبي العظيم وكأنها «شربت حليب السباع» في اكثر من موقف: أولها الموقف من الإدارة الأميركية ورئيسها وصفقته وقراره بنقل سفارة بلاده الى القدس ورفض وحدانيته واحتكاره لأي مشروع حل سياسي، ثم التوجه الى مجلس الأمن بمبادرة محددة لاقت قبولا واسعا.                                                                                     

وفي توقيت تؤكد فيه منظمة التحرير والسلطة السياسية تمسكها بالثوابت: من الدولة المستقلة، الى القدس، الى الإصرار على وقف الاستيطان الى اللاجئين وحق العودة. وفي توقيت تتحقق فيه درجة عالية من وحدة الموقف الفلسطيني، ويتوحد فيه الموقف الرسمي وموقف التنظيمات السياسية مع الموقف الشعبي في تكريس المقاومة الشعبية السلمية كشكل أساسي من أشكال النضال الوطني، وتبلغ فيه المقاومة الشعبية السلمية ذروة من ذراها في مواجهة الاحتلال تحت شعار حق العودة.
انعقاد دورة المجلس الوطني وموقف «حماس» الموصوف يوفران أساسا لطرح أسئلة عن الأولويات: وهذه تطرح سؤالا عن توفر رغبة وإرادة فكرية وسياسية لدى حركة حماس، لجهة المبدأ ومن الأصل والأساس، بالانضمام الى منظمة التحرير كشريك مكون من مكوناتها بغض النظر عن الحجوم والمواقع والتأثير.                                                                                                   

وتطرح سؤالا متصلا عن الأولوية: هل أولوية «حماس» هي للانضمام للمنظمة أولا ثم العمل والنضال الديمقراطي من داخلها ومن خلال أطرها لإحداث ما تؤمن به وترغب فيه من تغييرات في البرامج واللوائح والسياسات والتحالفات والمواقف، وفي الهيئات وتشكيلها، وفي نسبة مشاركتها فيها بما يتناسب مع حجمها ودورها ونضالاتها؟أم تكون الأولوية عندها للاتفاق على كل ما تقدم كشرط مسبق لتدخل «حماس» المنظمة وهي جاهزة مجهزة وعلى مقاسها؟                                                                                                             

وبصياغة أخرى للسؤال هل تريد «حماس» ان تكون مكونا من مكونات المنظمة أم ان تكون المكون المقرر والمسيطر عليها من كل الجوانب، أم ان تكون البديل لها؟
ماذا من هنا وبعد الآن؟
دورة المجلس الوطني انعقدت، وفي رام الله، وتحقق لها نصاب حضور مرتاح ومتنوع. حمت وجددت الشرعية الوطنية وانتخبت لجنة تنفيذية ومجلسا مركزيا جديدين، وهذا كان هدفها الرئيسي المعلن.
أخذت من القرارات ما اكد التمسك بالثوابت الوطنية والمواقف المتصدية والمتصادمة مع المخاطر المحدقة، وما اكد العزم على مواصلة العمل على إنهاء الانقسام.                                                                                                                  

فتحت بابا لتغييرات في طبيعة وأساس الاعتراف بدولة الاحتلال والتعاطي معها، وأشكال العلاقة والتعامل معها، وأبقت الباب مفتوحا على كل قوى ومكونات النضال الوطني الفلسطيني  وحافظت على مواقع لهم في هيئات المنظمة.                                                            
وتبقى العبرة والتحدي في التنفيذ.
ويبقى سؤال الانقسام وتوفر الإرادة السياسية وإرادة المبادرة، والانفتاح الإيجابي الجاد على كل مسعى لإنهائه واستعادة الوحدة الوطنية، وسؤال انعقاد دورة جديدة يشارك فيها الكل الوطني وتقوم على أساس انتخابات ديمقراطية عامة هما السؤالان الطاغيان والفيصلان.