في هذه الحال المُزرية

751011512704751.jpg
حجم الخط

 

يتنادى الأقربون العرب الى اجتماع في "الجامعة" على مستوى مندوبيهم الدائمين. وبحكم التكليف بالحضور، يتجشم كل مندوب، مشقة الصياغة الحذرة لكلمته في الجمع الكريم، وسيكون الموضوع هذه المرة، يتعلق بغزة التي أثقلتها كل أنواع الأحزان ويسقط فيها الشهداء بالجملة. وسيكون من نافل القول، أن يدعو كل متحدث، زملاءه الآخرين، الى ما يدعوه اليه كل واحد منهم، على أن تبقى الأمور على حالها، فلا توضع نقطة واحدة على حرف. فلا وقفة موضوعية مع الولايات المتحدة التي استهدفت مصيرنا ومصير قضيتنا، ونقلت سفارتها الى القدس واعترفت بها عاصمة لإسرائيل، ولا موقف يُحرِّم أو يُعلّق العلاقات مع تل أبيب التي تمادت في الجريمة، ولا شيء يخطر في الأذهان، عن عباس، الذي فوّضته جامعة الدول العربية لكي يظل يحكم، وهو الذي يجاهر بكونه يعاقب الشعب في غزة. ولا يخطر في البال أصلاً، أن غزة محاصرة وأن للحصار بعض أسباب الانفجار!

 لا شيء ذا قيمة في اجتماع السادة المندوبين، ولا حتى في اجتماع من ينتدبونهم!

الألفاظ المستخدمة في كل هذا السياق، ظلت مضبوطة للتأكيد على جُزئية ومحدودية المؤاخذة والاعتراض على جرائم الاحتلال. فما يجري في فلسطين، محض إفراط في استخدام القوة، لم يكن "الإعتدال" فيه سيلقى اعتراضاً. وليس هناك أي ميزان يدلنا على الفارق في عدد الأرواح، الذي يجعل الاستخدام "المعتدل" للقوة، إفراطاً فيه. بل إن القتل المُفرط نفسه، يسمى عنفاً، وهذه لفظة تُستخدم وبنبرة أشد، عند وصف العنف مع المرأة، أو العنف مع الأجهزة الإلكترونية والأطفال!

في افتتاحيات العديد من الصحف الحذرة، كان نقل السفارة الإسرائيلية الى القدس أولى القبلتين وثالث الحرمين، عملاً ينطوي على تبعات من شأنها أن تؤدي الى مزيد من التوتر وتؤثر سلباً على حل الدولتين. فنقل السفارة الأمريكية، إذا، ليس من جنس انتهاك الحقوق، وتدمير السلام، وتزوير التاريخ، والاعتداء على مقدسات أمة كبيرة، وشرعنة الاحتلال بالقوة العسكرية. كل ما في الأمر، أنه عمل ينطوي على تداعيات قد تؤثر على حل الدولتين وتزيد التوتر. فلو لم يتبع النقل توتر، فلا مشكلة في أن تكون القدس الكبرى عاصمة إسرائيل، وأن تنتقل سفارة الولايات المتحدة اليها!

أكثر من ستين إنساناً يتظاهرون بصدورهم العارية، طلباً لحقوقهم، ويُقتلون، لا يستحقون في لغة  المندوبين ومن بنتدبونهم، الكلمات الدالة على الجريمة المروّعة، ولا يستحقون العودة الى أصل المشكلة، ولا الى التذكير بطبائع العدو، ولا اشتقاق المعاني الحقيقية للاستهتار الصهيوني والأمريكي بمشاعر العرب والمسلمين، وبأرواحهم ودمائهم.

في خضم غيبوبة هؤلاء البُلهاء، نجد من يرون أنفسهم وأوقاتهم في ذُرى المجد، وأنهم باهرون يصنعون تاريخاً. تتساوى أوهام هؤلاء، مع تلك التي يعيش بها وعليها المرضى في المشافي النفسية، فلا يرون بؤسهم، ويتوهمون أن ابتسامات السخرية، ابتسامات إعجاب!

بعض هؤلاء، يتصل بعباس مُعزياً بالضحايا الشهداء، وكأن عباس يحزن ويستحق المواساة، بينما الناس من ذوي الشهداء وأحبابهم، في حاجة الى من يواسيهم ويقف معها لرفع بلاء عباس وكف يده عن أرزاقهم وحياتهم.