إسرائيل أمام تحدٍّ آخر!

حسن البطل.jpg
حجم الخط

نقل صبري جريس، مدير مركز الأبحاث الفلسطيني سابقاً، فحوى ما نشرته أسبوعية "ذا ماركر" الاقتصادية الإسرائيلية. كنت قرأت في صحف إسرائيلية غيرها، معلومة جزئية تخصّ خشية إسرائيل من تسارع تطوّر علوم "الهاي ـ تيك" في إيران.
معلومة "ذا ماركر" تشير إلى خشية إسرائيلية أوسع، تشمل إيران وتركيا والسعودية، حيث تراجعت إسرائيل إلى المركز الرابع بين دول الشرق الأوسط، من حيث حجم الأبحاث العلمية (فيزياء، بيولوجيا، كيمياء.. إلخ).
كانت إسرائيل، قبل عشرين سنة، تتبوّأ المركز الأول في هذه المجالات.. والآن، جاءت إيران أولا، وتركيا ثانياً.. وحتى السعودية ثالثاً.
وبالمعطيات الدولية: تراجعت إسرائيل من المركز 18 إلى 33، وتقدمت إيران إلى المركز 16، وصعدت تركيا إلى المركز 17 والسعودية إلى المركز 32.
الأمر يتعلق بما تخصصه الدول المذكورة من ميزانياتها إلى البحوث العلمية، وسياقاً عدد طلبة العلوم في جامعاتها. اليابان في الطليعة.
حسب معلومة استقيتها من مصدر آخر، فإن 8% من علماء إسرائيل يعملون في مجال "الهاي ـ تك"، لكن هجرة الباحثين الإسرائيليين إلى الخارج، وأميركا بالذات، هي الأعلى في العالم الغربي، وتحاول إسرائيل استعادتهم، لكنها تنجح بجذب 20% منهم لا غير!
تقرّ مقالات صحافية إسرائيلية أن طلاب العلوم المتقدمة في إيران يفوقون حجماً نظراءهم في إسرائيل، ولو أن سكان إسرائيل يعادلون ما نسبته 10% من سكان إيران، لكن ميزانية إسرائيل العامة تعادل الميزانية الإيرانية!
يثير تقدم السعودية على إسرائيل حيرة البعض، لكن جامعات تكنولوجية سعودية، مثل جامعة الملك عبد العزيز، هي في المرتبة الأولى بين الجامعات العربية، وتحتل "التخنيون" الإسرائيلية مكانة أكاديمية عالمية مرموقة!
يمكن لثلاث دول شرق أوسطية أن تتفوق على إسرائيل في حجم الأبحاث العلمية، وقد لا يشمل هذا بالذات تفوقها في مجال محدّد كـ"الهاي ـ تيك" على إسرائيل في هذه المرحلة، وخاصة في توظيف "الهاي ـ تيك" في مجالات السلاح المتقدم.
كان جدعون ليفي قد وصف إسرائيل بأنها دولة "الهاي ـ تيك.. والبندورة" كناية عن تقدمها في الهندسة الوراثية الزراعية، وربما الأدقّ وصفها حالياً دولة "الهاي ـ تيك .. والتوراة"!
على هذا فإن إيران الناهضة، ذات الحضارة القديمة، يمكن وصفها دولة "الهاي ـ تيك والإسلام الأصولي"، وتركيا دولة "الهاي ـ تيك والإسلام العلماني"، وتصبو السعودية إلى تحديث نموذج ثالث إسلامي ـ عربي.
إلى "الهاي ـ تيك" تفاخر إسرائيل بجيشها الأقوى في المنطقة، المعتبر سادساً عالمياً، كما تصف نفسها بأنها الديمقراطية الفريدة في المنطقة، لكن لإيران أن تدّعي لنفسها نموذج ديمقراطية إسلامية، كما لتركيا التي انعطفت من توجه غربي ـ علماني ـ أتاتوركي إلى سياسة إسلامية أن تدّعي نموذجاً غربياً في ديمقراطية دولة إسلامية.
منذ العام 1993 يجعجع نتنياهو عن الخطر الإيراني، الذي صار، مؤخراً خطراً نووياً، لكن "الهاي ـ تيك" الإيراني هو الخطر الكامن على تفوق إسرائيل العلمي ـ الحضاري ـ الديمقراطي الإسلامي، وبه ستشكل إيران تحدياً نووياً وعلمياً في آن واحد، لأن انتقال الدول المتقدمة في العلوم من "حافة" دولة نووية إلى دولة نووية فعلية يشكل نقلة سريعة، فاليابان تستطيع، مثل ألمانيا، أن تكون قوة نووية خلال زمن وجيز.
الغرب الأوروبي حطّم حلم محمد علي بتحديث مصر؛ ثم حطم العروبة المصرية ـ الناصرية، وكذا حلم صدام حسين ببناء "نموذج غير اعتيادي في العالم الثالث".
والآن لا تريد إسرائيل لإيران وتركيا أن تبنيا نموذج حضارة قديمة متجددة.. نمور غرب آسيا!
عندما كانت العروبة الناصرية في أوجها، تحدّث جون فوستر دالاس، وزير خارجية أميركا آنذاك، عن "فراغ أيديولوجي" في منطقة الشرق الأدنى، وشكلت أميركا حلف السنتو ـ المعاهدة المركزي من العراق وتركيا وإيران والباكستان.
كما قال، في حينه، شو آن لاي، رئيس وزراء الصين عن عالم الغد "تحالفات جديدة، عداوات جديدة.. فوضى في كل مكان" فقد صارت إيران الإسلامية وتركيا الإسلامية، وروسيا الأرثوذكسية، تشكل تحالفاً مصلحياً وربما استراتيجياً في وجه تحالف آخر: أميركي ـ إسرائيلي ـ عربي سنّي (خليجي).
مصر، التي قادت تحالفاً عربياً ضد "حلف السنتو" تبدو غارقة في مشاكل تحديثها، وتأخذ جانب الحياد السلبي أحياناً، والإيجابي أحياناً أخرى من التحالفات الجديدة، شأنها شأن حال فلسطين السلطوية، بينما تشكل فلسطين شعاراً كفاحياً أيديولوجياً لإيران، وشعاراً سياسياً إسلامياً لتركيا، وروسيا سياسة متوازنة بين دولتيها الحليفتين الإسلاميتين؛ ومتوازنة بين إسرائيل وفلسطين.