اختتمت في العاصمة المغربية الرباط، أعمال المؤتمر الدولي الخامس حول القدس والذي عقد في الفترة ما بين (26 -28 من الشهر الجاري) بتنظيم من لجنة الأمم المتحدة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف ومنظمة التعاون الإسلامي.
وشارك في المؤتمر حشد من الدبلوماسيين والخبراء والحقوقيين الدوليين إلى جانب مشاركة وفد فلسطيني على رأسه عضو اللجنة المركزية لحركة فتح محمد شتية، وممثل فلسطين الدائم في الأمم المتحدة السفير رياض منصور، وسفير فلسطين في الرباط جمال الشوبكي، ومجموعة من الخبراء والشخصيات المقدسية والفلسطينية.
المؤتمرون أكدوا في ختام أعمال المؤتمر على مركزية القدس في إحلال السلام في الشرق الأوسط والاستقرار في العالم بالنظر إلى رمزيتها الكبيرة لدى أتباع الديانات السماوية الثلاث، مشددين على أن التطورات الأخيرة في القدس تمثل منعطفا حقيقيا وتهدد بنسف التوافق العالمي الذي استمر لفترة طويلة بهدف التوصل إلى حل الدولتين، خصوصا بعد القرار الأميركي الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية إليها.
مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية، ميروسلاف جينكا قال في المؤتمر "إن استمرار المشاريع الاستيطانية والتوسعية في الضفة الغربية المحتلة، بما ذلك القدس الشرقية، يشكل عقبة رئيسية أمام تحقيق السلام"؛ مبرزا أن هذه المشاريع هي غير قانونية بموجب قرارات الأمم المتحدة والقانون الدولي ويجب وضع حد لها".
وأكد المسؤول الأممي، أن الوضع في القدس أكثر مدعاة للقلق، على اعتبار أن المدينة تحمل رمزية كبيرة ليس لدول المنطقة فحسب، وإنما لمنطقة الشرق الأوسط وخارجها.
وشدد على "أن الأحداث الأخيرة في القدس تتعارض مع قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ومن شأنها أن تشجع الأصوات المناوئة والعدائية من كلا الجانبين وأن تؤدي إلى تضاؤل الآمال في التوصل إلى حل سلمي ودائم؛ مشيرا إلى أنه من المهم أكثر من أي وقت مضى اتخاذ إجراءات فعالة ومنسقة، بالنظر إلى تضاؤل التوافق العالمي الذي امتد لعقود".
من جانبه، أكد الأمين العام المساعد لمنظمة التعاون الإسلامي لشؤون فلسطين والقدس سمير بكر ، "أن قضية القدس الشريف تحظى بصدارة اهتمام وأولويات المنظمة ومبادراتها السياسية، وأن كافة التطورات السياسية لن تؤثر على مكانة مدينة القدس التي تجسد القضية المركزية للمنظمة"؛ مشيرا إلى أن هذا الاهتمام "نابع من عدالة هذه القضية وأهميتها في مختلف الأبعاد، بوصفها سياسيا عاصمة دولة فلسطين، وتحظى بقيمة تاريخية وحضارية خالدة، ومكانة روحية للأديان السماوية الثلاث".
وشدد في هذا السياق، على الموقف المتجدد الرافض لقرار الولايات المتحدة الأميركية الاعتراف بالقدس "عاصمة لإسرائيل"، ونقل سفارتها إليها، لما يمثله ذلك من انتهاك صارخ لقرارات مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة ذات الصلة"، داعيا الولايات المتحدة الأميركية إلى الالتزام بالقانون الدولي من أجل تحقيق السلام الشامل القائم على رؤية حل الدولتين.
وعبر بكر عن الأسف جراء فشل مجلس الأمن الدولي في تحمل مسؤولياته في وضع حد للجرائم والانتهاكات التي تقوم بها إسرائيل، قوة الاحتلال، ووقوفه عاجزا عن اتخاذ إجراءات بخصوص مساءلتها ومحاسبتها، مثمنا في الوقت ذاته التحرك العربي-الإسلامي المشترك الذي تكلل باستصدار قرار أممي صادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، في 13 يونيو الماضي، بشأن توفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني.
ودعا في هذا الصدد، إلى التدخل بمسؤولية وفاعلية، في هذه المرحلة الحرجة، من أجل حماية رؤية حل الدولتين، من خلال الانخراط في رعاية مسار سياسي متعدد الأطراف، لتحقيق السلام العادل والشامل، استنادا إلى قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية.
عضو اللجنة المركزية لحركة فتح محمد أشتية، ممثل دولة فلسطين في المؤتمر الدولي الخامس حول القدس، تحدث في المؤتمر عن أسباب فشل المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين؛ موضحا أنه رغم تعاقب العديد من الرؤساء الأميركيين، إلا أن الإدارات الأميركية المختلفة لم تقم بأي ضغط على الإسرائيليين ولم يكن الجانب الأميركي وسيطا نزيها بين الجانبين.
وأوضح شتية، أن" إسرائيل لا تريد حلا وليس لدينا الآن شريك في السلام، إنما تريد فقط استمرار الأمر الواقع الذي يزداد فيه الاستيطان وحصار القدس ولفها بالجدار العازل واعتقال آلاف الشباب واستمرار معاناة الشعب الفلسطيني". مؤكدا أن مكونات الحل للصراع في الشرق الأوسط معروفة لدى الجميع وتتمثل في إنهاء الاحتلال للأرض الفلسطينية وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس وحل قضية اللاجئين؛ مشيرا إلى أن إسرائيل عملت منذ البداية على تقويض حل الدولتين من خلال تهويد مدينة القدس، وعزل منطقة الأغوار واعتبارها منطقة عسكرية، واستغلال بقية المناطق الفلسطينية المسماة منطقة (ج) كخزان جغرافي للاستيطان؛ وحصار قطاع غزة وعزله ومنع التواصل بين الضفة والقطاع.
من جهته، أكد رئيس اللجنة الأممية المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني حقوقه غير القابلة للتصرف، فودي صيك، أن مدينة القدس، مهد الديانات السماوية الثلاث، هي مكان عبادة لشعوب العالم بأسره، وقضية القدس مدعوة لتحتل مركزا معتبرا في أي تسوية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي؛ مؤكدا على أن هذه الأهمية نابعة أيضا من كونها جزءا من الحل النهائي الذي من شأنه أن يتم عبر مفاوضات مباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين بناء على القرارات التي أصدرتها أجهزة الأمم المتحدة.
وأكد أن التطورات الأخيرة تمثل منعطفا حقيقيا وتهدد بنسف التوافق العالمي الذي استمر لفترة طويلة بهدف التوصل إلى حل الدولتين، خصوصا بعد القرار الأميركي بالاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية ليها؛ مؤكدا أن اللجنة الأممية المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني حقوقه غير القابلة للتصرف، والتي تعد عضوا فرعيا للجمعية العامة، قد طالبت الحكومة الأميركية وباقي الحكومات المعنية التي أقدمت على نقل سفارتها إلى القدس بالرجوع عن قرارتها بهذا الخصوص.
وشدد صيك أيضا على أن المجتمع الدولي مدعو إلى مساندة الفلسطينيين بالقدس الشرقية بالدعم المعنوي والدعم السياسي، من خلال الوسائل الدبلوماسية، وكذا تقديم الدعم المادي من خلال تشجيع الجانب التنموي المرتكز على الحق.
وحول المؤتمر قال سفير دولة فلسطين في الرباط جمال الشوبكي "إن هذا الحدث وفي ظل اللحظة السياسية الراهنة المعقدة والصعبة يعد غرفة عمليات دولية لنقاش مصير حل الدولتين على أساس قرارات الشرعية الدولية وكيفية إحقاق الإرادة الدولية لنفسها، حيث أن القرار الأميركي اعتبار القدس عاصمة لدولة الاحتلال ونقل السفارة الأميركية إلى القدس، إنما هو تحد بالدرجة الأولى للمزاج الدولي العام أو بالأحرى لمقررات الإجماع الدولي، ما يعني أن على دول العالم الحرة أن تنتصر لنفسها وللقانون الدولي والإنساني وتمضي إلى العمل لوقف تفرد الولايات المتحدة الأميركية وانحيازها غير المشروع لدولة الاحتلال" مضيفا "أن هذا المؤتمر لا يعني بالضرورة تطابق وانسجام الرؤى الدولية حول الحل وكيفية مواجهة قرار ترمب بشكل كلي، لكنه حتما يعد دليلا على توافق الأسرة الدولية على عدم قانونية توجهات الإدارة الأميركية وما تقوم به تل أبيب من إجراءات على الأرض لعزل وتهويد وسلب القدس، وهو ما يعطي المؤتمر أهميته وزخمه الذي يجب أن يستثمر ويبنى عليه".
السفير رياض منصور ألقى كلمة أمام الحضور وممثلي الدول في الجلسة الختامية شكر فيها شعوب العالم التي تقف إلى جانب فلسطين وفي مقدمتها المملكة المغربية التي استضافت المؤتمر والملك محمد السادس رئيس لجنة القدس والذي وجه رسالة سامية إلى الأسرة الدولية في الجلسة الافتتاحية شدد فيها بشكل واضح على ضرورة تمسك العالم بحل الدولتين على أساس قرارات الشرعية الدولية وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس على الأراضي المحتلة عام 1967، والتأكيد على التزام المملكة بالدفاع عن القضية الفلسطينية كثابت من ثوابت سياستها.
وقال منصور في كلمته "إن شعبنا الفلسطيني شعب متسامح ولا يخشى من الاختلاف والحوار والانفتاح على جميع الأطراف، كما أننا نعلم أن هناك تبايانات في المواقف الدولية إزاء الصراع، إلا أن تعنت دولة الاحتلال وما تمارسه من إجراءات غير قانونية بحق الفلسطينيين وأرضهم ومقدساتهم أدى إلى انغلاق الفرص أمام الحل. لطالما دعونا الإسرائيليين للتفاوض على إقامة دولة على أراضي عام 67 وفق القرارات الدولية، لكن تل أبيب كانت دائما ترفض وتعطل مسار التسوية السلمية وتتذرع بذرائع غير منطقية فيما تمضي في تطبيق مخططاتها التوسعية وسياساتها العنصرية".
وأضاف منصور "إن موقف واشنطن في ظل عهد إدارة ترمب أدى إلى تعطل المفاوضات بالكامل وهي تتحمل المسؤولية عن ذلك لا سيما بعد نقل سفارتها إلى القدس، وهو الموقف المنحاز الذي ينذر بالخطر وتفاقم الأوضاع التي قد تهدد استقرار المنطقة والعالم بأسره، ما يقتضي من العالم بذل جهود مضاعفة ومشتركة لإنقاذ حل الدولتين وإنهاء الصراع خاصة وأن الشعب الفلسطيني ضاق ذرعا ونفد صبره ولا يستطيع البقاء صامتا إزاء ما يرتكب بحقه من انتهاكات تتناقض مع كل الشرائع والمواثيق الإنسانية"، مشيرا إلى أن الموقف الأميركي الراهن لا يهدد مصير الفلسطينيين وحدهم بل يهدد أيضا مستقبل السلام لكل شعوب المنطقة ويهدد الإسرائيليين واستقرارهم، مذكرا بموقف الإدارة الأميركية نهاية فترة ولاية الرئيس باراك أوباما حين امتنعت عن التصويت ولم تستخدم حق النقض "الفيتو" ضد مشروع القرار الأممي 2334 الذي يجرم الاستيطان ويحتم وقفه، حيث قال وزير خارجية واشنطن حينها جون كيري "نحن نريد حماية إسرائيل من نفسها".
وأضاف منصور "إن الشباب المقدسي يعاني يوميا من البطالة والتمييز العنصري والتطهير العرقي وهي معاناة متصلة بمعاناة الشعب الفلسطيني كله والذي يمارس حقه المشروع في الدفاع عن نفسه وأرضه ومقدساته، وقد خرج المقدسيون العام الماضي ضد قرار الحكومة الإسرائيلية وضع بوابات إلكترونية أمام مداخل الحرم المقدسي وامتنعوا عن الصلاة داخل الحرم ما لم ترفع البوابات، كما أغلقوا كنيسة القيامة واعتكفوا عن الصلاة فيها رفضا لقرار نتنياهو فرض ضرائب على الكنائس، وهو ما أجبر الحكومة الإسرائيلية التراجع عن قراراتها خاصة في ظل الحراك العالمي الضاغط والمتعاطف مع الفلسطينيين الذي ترافق مع تلك الأحداث، ما يعني أن الموقف الأممي قادر على وقف الانتهاكات الإسرائيلية وإنهاء الصراع فيما لو توفرت الإرادة الكافية".
واختتم منصور كلمته بالقول "القدس تعني لنا كل شيء، وهي قلب الإنسانية، لذا على المجتمع الدولي أن يتخذ خطوات جادة ويتحرك لحمايتها، ومنع الانفجار".