ليس من شأن التفاصيل أن تفسد الخط العام

طلال عوكل.jpg
حجم الخط

كان الله في عون الكتّاب والمحلّلين والصحافيين، وكل من يتعرض للسؤال حول وجهة الأحداث والتطورات. كالعادة بالنسبة لهؤلاء، فالأغلبية الساحقة منهم يعتمدون على الخبرة في ضوء النقص الفادح في المعلومات من مصادرها الفلسطينية الشحيحة. التصريحات والبيانات التي تصدر عن الفصائل والناطقين الرسميين والمتطوعين، وعن مدعي المعرفة الأكيدة بالأخبار، لا تفيد في شيء، فالاسطوانات المشروخة، تحولت إلى عادة راسخة، لم يعد الناس يصدقونها. أما الأسوأ فهو أن يعتمد أصحاب الرأي على ما يصدر دائماً، عن الكتّاب والصحافيين، والمصادر الإسرائيلية، التي تجيد دائماً وضع السم في الدسم، وتمارس عملية تضليل وتحريض تتماهى مع سلوك الحكومة اليمينية العنصرية المتطرفة.
في بداية الأسبوع، كانت المؤشرات، وهي قليلة ولكنها مهمة تشير إلى أن مسألة الهدنة باتت قاب قوسين أو أدنى، فثمة وفد حمساوي سمحت له الضمانات بأن يدخل غزة، فيما يبدو على أنه يستهدف اتخاذ قرار حاسم من قبل حركة حماس إزاء ملف التهدئة أو الهدنة الذي بدا أنه ناضج بما فيه الكفاية. وعلى الوجه الآخر، يتراجع نتنياهو عن القيام بزيارة إلى كولومبيا ويعقد اجتماعاً هاماً للكابينيت، عنوان اهتمامه الأساس هو غزة، ثم لا يتم الإعلان عن قرارات لا من هنا ولا من هناك.
عدم صدور قرارات من الطرفين «حماس» وإسرائيل لا يعني بالضرورة أن أوراق ملف الهدنة قد احترقت، فلقد عاد وفد «حماس» إلى القاهرة، ومعه كما قال رئيس المكتب السياسي لحماس اسماعيل هنية، وهو يحمل موقف ورؤية الحركة إزاء الملفات الثلاثة: الهدنة وكسر الحصار، والمصالحة، وملف الأسرى.
قبل أن يغادر الوفد غزة، كانت حركة حماس قد أجرت العديد من اللقاءات مع الفصائل، بأمل تحقيق شراكة، تدعي حماس أنها لن تذهب وحدها بون هذه الشراكة الوطنية. غير أن توقيتات اللقاءات والآليات التي تم اتباعها لا تشير بالتأكيد الى أن الإجابة عن أسئلة الملف المطروح، ستلتزم بما ينتج من حوارات بين الفصائل، بحيث يبدو الأمر وكأنه محاولة تبرئة الذمم. كان من المفروض مثلاً، حتى نصدق أن القرار لن يتخذ إلاّ في اطار شراكة وطنية، كان المفروض أن تتشكل هيئة من الفصائل تتابع الحوار حول هذا الملف، وتربط الموافقة عليه من عدمه بحصول الأمر على قرار من الأغلبية إن لم يكن من الجميع.
في الواقع لم يحصل قرار الموافقة على الهدنة أو التهدئة على موافقة الفصائل الرئيسية، فلقد أصدرت حركة فتح بياناً عرمرمياً ينطوي على رفض قاطع لمعالجة هذا الملف بعيداً عن الشرعية والاطار الوطني، بل وقد تضمن البيان اتهامات لحركة حماس.
الجبهتان الشعبية والديمقراطية صدرت عنهما تصريحات، تفيد باعتراضهما على الاستفراد بهذا الملف وتؤكدان على أولوية المصالحة الوطنية، والحل في اطار التوافق الوطني.
وخلال هذا الأسبوع، قامت القوات الإسرائيلية بمواصلة اعتداءاتها وكان آخرها قبل مغادرة وفد حماس لغزة، قصف استهدف، معسكر تدريب بحضور مسؤولين من الحركة، وأدى إلى استشهاد مقاومين اثنين من كتائب القسام.
الحركة لم ترد على العدوان الإسرائيلي البشع، لكنها وعدت بتدفيع الثمن، وكان ذلك مؤشراً على أن الحركة لا ترغب في تصعيد الأوضاع، وأنها تراعي نصائح الطرف المصري، فضلاً عن أنها لا تريد أن تتحمل مسؤولية إفشال الوساطة المصرية بشأن ملف الهدنة أو التهدئة.
في كل الأحوال يبدو أن حركة حماس باعتبارها المسؤولة في قطاع غزة، مضطرة لأن تجيب على سؤال الهدنة أمام الطرف المصري، إما بالقبول أو الرفض، والرفض في هذه الحالة قد ينطوي على تبعات وأثمان باهظة. هكذا لا يمكن لأي خبير أو محلل سياسي أن يتنبأ، بالتفاصيل والتوقيتات، لكن حين نضع هذه الوقائع في السياق العام، فإن من السهولة التوصل إلى جواب حول سؤال غزة إلى أين. كان من الأولى لو أن ملف المصالحة الفلسطينية كان بداية التعاطي مع الحراك الدولي والإقليمي الذي يتعلق بغزة، ونعتقد أن الاتفاق حول الهدنة أو التهدئة، لا يكفي للانتقال بأوضاع غزة، حيث أن ثمن هذا الاتفاق سيكون فقط تخفيف الحصار.
تخفيف الحصار يعني العودة إلى تفاهمات ما بعد حرب 2014، بمعنى فتح معبر كرم أبو سالم وتوسيع مساحة الصيد، وتسهيل مرور بعض البضائع الممنوعة، وربما فتح معبر رفح على نحو أفضل مما عليه الآن، فضلاً عن بعض التسهيلات الأخرى. في الواقع فإن المطلوب لغزة ويحظى بشبه إجماع هو ليس تخفيف الحصار وإنما بدوافع وأهداف متناقضة إعادة تأهيل ومعالجة أزمات قطاع غزة وبدون تأخير. لذلك فالمعادلة هي اما الخيار الفلسطيني عبر المصالحة أو هو الخيار الأميركي الإسرائيلي، وصفقة القرن.